الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأهواء التي تصدّ عن سنن الهدى، وتلقي في مهاوي الرّدى، وتدعو إلى شقّ العصا، وتقضي بانتثار النّظام، واختلاف الأنام، وانفصام عرى الإسلام، وكفّهم عن المماراة في الدّين، والإصغاء إلى سنّة المضلّين، المعطّلة للسّنن، القادحة للفتن، الداعية إلى احتقاب الآثام، وإراقة الدّماء الحرام، ونحو هذا مما يضاهيه.
ثم يقول: وانتهى إلى أمير المؤمنين التفاتكم عن معايشكم التي جعلها الله لدنياكم قواما، وعبادتكم التي صيّرها لآخرتكم نظاما، وإقبالكم على المماراة والمنازعة، والمناظرة والمجادلة، إلى شكوك يقيمها من يرغب في الرّياسة والتّقدّم، ليفوز بخبيث المطعم الذي يعمي البصائر، ويفسد السرائر، ويقدح زند الضّلال، ويشبّ نار المحال والانتحال، فامتعض أمير المؤمنين من ذلك وخاف عليكم أليم عاجلته، وذميم آجلته، وبادركم بكتابه هذا منبّها لغافلكم، ومرشدا لجاهلكم، وباعثا لكم على التّشاغل بما أطاب أخباركم، وحسّن آثاركم، من تلاوة كتاب الله الذي آثركم بتلاوته، وزيارة بيوت عبادته، والتأدّب بأدب نبيّه وعترته، وأوعز إلى النائب في الحرب بتقويم من خرج عن أمره، وتثقيف من أصرّ على غيّه، وأن يحسم الداء قبل استشرائه، ويستدركه دوين استفحاله، فاصغوا إلى زواجر أمير المؤمنين ومواعظه، واقتدّوا بهديه ومراشده، لتفوزوا بطاعته، وتسعدوا برضاه، وتسلموا في الحاضر، من مهانة أنتم بغيرها أولى، إن سلكتم الطريقة المثلى، وفي الغابر مما أعدّه الله لمن خالف عن أمره من العقاب في الدار الأخرى، فاعلموا هذا واعملوا به إن شاء الله تعالى.
قال: وقد يكتب السلطان إلى الرّعيّة بالنّهي عن التّفاخر بالبادية والتنازع في العصبيّة. ثم قال: والطريقة في هذا المعنى مشتقة من طريقة هذا الرسم.
الصنف الثاني عشر (المكاتبة بالأوامر والنواهي)
قال في «موادّ البيان» : على هذه الكتب مدار أشغال السلطان في أعماله؛
لأنها النافذة في تصريف الأمور وتنفيذ المراسيم ولاية وعمالة.
قال: وليس لهذا أمثلة فنوردها، لكنّه ينبغي للكاتب أن يؤكّد القول بها، فإن الأمر فيها والنّهي- وإن اختلف نظمهما- نوع واحد؛ لأن كلّ مأمور به منهيّ عن ضدّه، وكلّ منهيّ عنه مأمور بضدّه، فينبغي له أن يؤكّد القول في امتثال ما أمر، والعمل عليه والإنفاذ له، والانتهاء عما نهى عنه، والحذر من الإلمام به.
ويجزم الأمر في العبارة عنهما جزما تامّا لا يتمكّن معه من الإخلال ببعضهما والنّقص فيهما لهوى، ويأتي من المبالغة بما يضيّق العذر، ومتى وقع تقصير أو تثاقل عما حدّد فيهما، فإنّما يمثّل ذلك بمثل جامعة مع تفنّن المعاني التي يأمر بها وينهى عنها. ثم قال: والكاتب إذا عرف الترتيب الواقع في هذين الغرضين على طريق الإجمال، أمكنه أن يبسطه إذا احتاج إلى التفصيل والبيان بمشيئة الله تعالى.
واعلم أنه كان للخلفاء والملوك وولاة الأمور في قديم الزمان عناية بالكتابة إلى الرعايا بالأوامر والنّواهي المتعلقة بالدّين، من الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، وما يجري مجرى ذلك، وإلى العمّال بالوصيّة بالرعايا، والاجتهاد فيما لديهم من جباية الخراج، والاهتمام بأمر الدّواوين، وما أشبه ذلك.
فأما الأوامر والنواهي المتعلقة بالدّين، فقد تقدّم في الكلام على مصطلح أهل الغرب في أوائل هذه المقالة من إنشاء أبي زيد «1» الفازازي ما أغنى ذكره هناك عن إعادته هنا أو ذكر غيره.
وأما الأوامر والنواهي المتعلقة بأمور السّلطنة، فمن ذلك ما كتب به أبو عبد الله بن الجنان «2» ، عن الأمير أبي عبد الله بن «3» هود أحد ملوك الطوائف
بالأندلس في الرّفق بالرّعيّة، وهو:
أما بعد حمد الله تعالى معلي منار الحقّ ورافعه، ومولي متوالي الإنعام ومتتابعه، والصلاة على سيدنا محمد رسوله مشفّع الحشر وشافعه، المبعوث ببدائع الحكم وجوامعه، وعلى آله وصحبه المبادرين إلى مقاصده العليّة ومنازعه، والذّابّين عن حوزة الإسلام بمواضي الاعتزام وقواطعه، والرّضا عن الخليفة الإمام العباسيّ أمير المؤمنين ذي المجد الذي لا ينال سموّ مطالعه.
فإنا كتبنا إليكم، كتب الله لكم عزّة قدحها بالثبوت فائز، وسعادة قسطها للنّماء حائز، من فلانة: وكلمة الحقّ منصورة اللّواء، منشورة الأضواء، والتوكّل على الله في الإعادة والإبداء، والتسليم إليه مناط أمرنا في الانتهاء والابتداء، وحمد الله تعالى وشكره وصلتنا إلى نيل مزيد النّعماء والآلاء، ومكانتكم لدينا مكانة السّنيّ المناصب، المنتمي إلى كرام المنتميات والمناسب، المتحلّي في الغناء والاكتفاء، والخلوص والصفاء، بأكرم السّجيّات والمناقب، المعلوم ما لديه من المناصحة السّالكة بأكرم السّجيّات في المناحي الحسان على المهيع الأوضح والسّنن اللّاحب.
وقد وقفنا على كتابكم معلما بخبر فلانة وبما رأيتموه من المصلحة في تحصينها، والاجتهاد في سبب تأمينها، ونحن نعلم أنكم تريدون الإصلاح،