الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبله حتّى يكون السطر الأخير قدر الأنملة في زاوية الطومار من جهة البسملة، ويكون بين كتابة الأصل وبين كتابة الحاشية قدر إصبعين بياضا إلى سمت البسملة، أسطرا متضايقة حتّى ينتهي إلى آخر الكلام، ويكتب في آخره بقلم الثلث: وكتب في التاريخ المؤرّخ، ويزاد فيه هاء مشقوقة راجعة إلى الخلف.
وفيه جمل:
الجملة الأولى (في المكاتبة الواردة عن صاحب تونس)
وعادة مكاتبته أن تفتتح بلفظ: «من عبد الله الفلاني» بلقب الخلافة الخاصّ به، «أمير المؤمنين ابن فلان» . ويقال في كل من آبائه أمير المؤمنين إن كان قد ولي الخلافة ويدعى له «إلى أخينا فلان» ويؤتى بالسلام والتحية، ثم يتخلص بالبعديّة إلى المقصد، ويختم الكتاب.
وهذه نسخة كتاب عن المتوكل على الله أحمد «1» بن أبي عبد الله بن أبي بكر، إلى السلطان الملك الظاهر «2» (برقوق) صاحب مصر، جوابا عن كتابه إليه. وهو:
من عبد الله، المتوكل على الله، أمير المؤمنين «أحمد» ابن مولانا الأمير أبي عبد الله، ابن مولانا أمير المؤمنين أبي يحيى أبي بكر، ابن الأمراء الراشدين، أعلى الله به كلمة الإسلام، وضاعف نوافل سيفه من عبدة الأصنام، وغضّ عن جانب عزّه عيون حوادث الأيّام.
إلى أخينا الذي لم نزل نشاهد من إخائه الكريم، في ذات الرّبّ الرحيم،
قبلة صفاء لم تغيّرها يد بعد ولا انتزاح، ونثابر من حفظ عهده، والقيام بحقّ ودّه، على ما يؤكّد معرفة الخلوص من لدن تعارف الأرواح، ونبادر لما يبعث القلوب على الائتلاف، والأمن بفضل الله من عوائق الاختلاف؛ وإن شحطت الدار وتناءت الصّور والأشباح. ونعترف بما له من مزيد الإعظام، بمجاورة البيت الحرام، والقيام بما هنالك من مطالع الوحي الكريم ومشاعر الصّلاح، ونجتلي من أنوائه الكريمة الشريفة، ومطالعه العالية المنيفة، وجوه البشائر رائقة الغرر والأوضاح. ونستهدي ما يسرّنا من أنبائه، ممّن يرد من تلقائه، حتّى من أنوار الصّباح وسفراء الرّياح، ونبتهل إلى الله بالدعاء أن يخبرنا عنه، ويطلعنا منه، على ما يقرّ عيون الفوز ويشرح صدور النجاح- السلطان الجليل الطاهر، الملك الأعظم «الظاهر» ، جمال الدين والدنيا، مؤيّد كلمة الله العليا، سيف الملّة المرهوب المضاء، بيد القضاء، وركنها الباسق العلاء، في أوج عزّها المنداح للفضاء، المشهود له من لدن حلّ التمائم، ولوث العمائم، بالشّهامة التي ترعب الأسد في أجمها، وتستخدم له سائر الأمم، تركها وعربها وعجمها، المختار للقيام بحقّه بين عباده، في أرضه وبلاده، الفائز من جوار بيت الله ومقام خليله، ومشرع الحجيج إليه وتيسير سبيله، بما أحرز له سعادة الدارين، وعزّ المقامين، كوكب السعد الذي شقيت به أعداوه، وبدر الدين الذي استضاءت به أنحاؤه، ميزان العدل لإنصاف الحقوق، وشمس الهداية النيّرة الغروب والشّروق، (أبي سعيد «1» برقوق) وصل الله له رتبة راقية يتبوّأ محلّها، ونعمة باقية يتفيأ ظلّها، وعزّة واقية تسم وجوه أعدائه خسفها وذلّها، بمنّه وكرمه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد حمد الله ناظم الشّمل وقد راب نثره وشتاته، وجابر الصّدع وقد اتسعت عن الجبر جهاته، ورادّ الأمر وقد أعيا ذهابه وفواته، وواصل الحبل وقد استولى انقطاعه وانبتاته، العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرّة مما تكنّه أرضه
وسمواته، الذي قرن بالعسر يسرا، وجعل لكل شيء قدرا، فلا تتحرّك ذرّة إلّا بإذنه ولا يكون في ملكه إلّا ما تنفّذه أحكامه وإرادته.
والصلاة والسّلام الأكملين، على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي صدعت بالحق آياته، وقامت بحجّة دعواه معجزاته، ونطقت بأنه رسول الله على لسان وحيه الصادق الأمين كلماته، المبعوث بالملّة السّمحة، ومن أزكاها حجّ بيت الله المقدّسة أركانه وحجراته، المعظّمة عند الله حرماته، المغفورة لمن سبقت له الحسنى بحجّه سيّئاته، وعلى آله وأصحابه الذين قضوا رضي الله عنهم وهم أولياء دينه الكريم وولاته، وأنصار حزبه المفلح وحماته، وليوث دفاعه في صدور الأعداء وكماته، والرضا عن الإمام المهديّ القائم بهذه الدعوة الموحّديّة قيام من خلصت لله نيّاته، وصدقت في ذاته دعواته، وصمّمت لإظهار دينه القويم عزماته، وصلة الدعاء لهذا المقام الأحمديّ المتوكّل الفاروقيّ، بنصر تمضي به في صدور أعدائه شباته، وعزّ يطّرد به استقلاله وثباته، وسعد تطيب به أيامه المتصلة وأوقاته، وتطول به حياته.
فإننا كتبنا لسلطانكم- كتب الله لكم من إسعاده ما يتكفّل بعزّه ونصره، ويتضمّن إطالة زمنه المبارك وعصره، ويقوم بحفظ قطره الشريف ومصره- من حضرتنا العلية «تونس» كلأها الله تعالى، ووجوه نصر الله العزيز لدينا وضّاحة الأسرّة متبلّجة الصّور، وآيات فتحه المبين ولله المنّة محكمة السّور، وأحاديث الشّكر على نعمه سبحانه مسلسلة الخبر، وبشرنا بما منّ الله به عليكم قد عمل بمقتضاه من تحت «1» إيالتنا الكريمة من البشر. وإلى هذا فموجبه إليكم بعد تقريب حبّ شرعت في ملّة الوفاء قواعده، وقبل في عقد الصّفاء شاهده، واستقلّ بصلة الخلوص عائده، وثبت في مرسوم الصّداقة الصادقة زائده، إعلامكم أنّا علم الله من حين اتّصل بنا خبركم الذي جرّه القدر المقدور، وجرى به في أمّ الكتاب
الحكم المسطور، لم نزل نتوجّه إلى الله تعالى في مظانّ قبول الدّعاء، ورفع النّداء، بأن يجبركم بفضله من حيث صدع، ويصلكم بخيره إثر ما قطع، ويعطيكم من نعمته أضعاف ما منع، إلى أن دارك الله بلطفه وأجاب، وتأذن بفضله في قبول الدعاء بظهر الغيب وهو مستجاب، فردّ عليكم ملككم، وصرف إليكم ملككم، فأخذ القوس باريها، وفوّق «1» السهم مقرطسها وراميها، وأنفذ القضايا حكمها ومفتيها، وإذا كان العويل يفضي إلى النّجدة، والبلا يقضي بالجدّة، والفرج يدافع في صدر الشّدّة، فلا جرم غفر الله للأيّام ما اقترفت، لمّا أنابت واعترفت، وهل هو إلّا التمحيص الإلهيّ أراكم الله من باطن الضّرّاء سرّاءكم، وأجزل من جانب الغمّاء «2» نعماءكم، والتّبر بعد السّبك يروق النواظر خلاصة نضاره، والبدر بعد السّرار تتألّق أشعّة أنواره.
ولما جاءنا بنصركم البشير، وطلع من ثنيّة الهناء بأكمام السّرور إلينا يشير، هززنا له أعطاف الارتياح، وتلقينا منه وارد التّهاني والأفراح، وحمدنا الله لكم على ما منّ به من الفوز والنّجاح، ورأينا أنّ تهنئتكم به من فروضنا المؤكّدة، وعهودنا المجدّدة، وأنه لا يقوم به عنّا هنالكم، ويؤدّي ما يجب منه بين يدي كرسيّ جلالكم، إلّا من له من ديار الملوك، قرب الأدب والسّلوك، فاقتضى نظرنا الجميل أن عيّنّا له شيخ دولتنا المستشار، وعلمها الذي في مهمّاتها إليه يشار، فلان.
وقد كان منذ أعوام يتطارح علينا في أن نخلّي للحجّ سبيله، ونبلّغه من ذلك مأموله، ويد الضّنّة لا تسمح به طرفة عين، ونفس الاغتباط لا تجيب فيه دواعي البين، إلى أن تعيّن من تهنئتكم الكريمة ما عيّنه، وسهّل شأنه علينا وهوّنه، فوجّهناه والله تعالى يسعد وجهته، ويجعل حجّته لقبول الأعمال حجّته. وحمّلناه من أمانة الحبّ ما يلقي إليكم، ومن حديث الشّوق ما يقصّ أخباره عليكم، ومن طيّب الثّناء ما يفضّ ختامه بين يديكم، وأصحبناه برسم إصطبلاتكم الشريفة ما
يسّر الحبّ سبيلها، وأوضح الخلوص دليلها، ورجونا من فضلكم على نزارتها قبولها، إذ لو كانت الملوك تهادى على قدر جلالها، لما اتّسعت لذلك خزائن أموالها، لكنّها عنوان الحبّ السليم، حسب ما اقتضاه الحديث النبويّ الكريم.
وفي أثناء شروعنا في ذلك، وسلوكنا منه أيمن المسالك، وصل إلينا كتابكم الكريم، تعرف النواظر في وجوه بشائره نضرة النّعيم، فاطّلعنا منه على ما راق العيون وصفا ونعتا، وعبر للخلوص سبيلا لا ترى القلوب فيها عوجا ولا أمتا «1» ، ولله هو من كتاب كتب من البيان كتائب، واستأثر بفلك الإجادة فأحرز به سعادة الكاتب، فقسما بالقلم وما سطّر! والحبر وما حبّر! لو رآه عبد «2» الحميد لتركه غير حميد، أو بصر به لبيد «3» لأعاده في مقام بليد، ولو قصّ على قسّ إياد فصاحته لنزّله عن منبر خطابته بعكاظ، أو سحب على سحبان وائل ذيل بلاغته لأراه كيف يتولّد السّحر الحلال بين المعاني الرائقة والألفاظ.
ولما استقرينا من فحواه، وخطابه الكريم ونجواه، تشوّقكم لأخبار جهادنا، وسروركم بما يسنّيه الله من ذلك ببلادنا، رأينا أن نتحف أسماعكم منه بما قرّت به