الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما لكم من سيوفنا خلاص، خيولنا سوابق، وسيوفنا قواطع، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرّمال، ومن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلّم، فإن أنتم لشرطنا وأوامرنا أطعتم فلكم مالنا، وعليكم ما علينا، فقد أعذر من أنذر. وقد ثبت عندكم أنّنا كفرة، وثبت عندنا أنكم الفجرة، فأسرعوا إلينا بالجواب قبل أن تضرم الحرب نارها، وترميكم بشرارها، فلا يبقى لكم جاه ولا عزّ، ولا يعصمكم منّا جبل ولا حرز «1» ، فما بقي لنا مقصد سواكم، والسّلام علينا وعليكم، وعلى من اتّبع الهدى، وخشي عواقب الرّدى، وأطاع الملك الأعلى.
الحال الثانية- ما كان الأمر عليه بعد دخولهم في دين الإسلام
مع قيام العداوة بين الدولتين.
وكان من عادتهم «2» في الكتابة أن يكتب بعد البسملة «بقوة الله تعالى» ثم يكتب بعد ذلك «بإقبال قان فرمان فلان» يعني كلام فلان.
ولهم في ذلك طريقتان.
إحداهما- أن يكتب بسم الله سطرا، ويكتب «الرحمن الرحيم» سطرا تحتها، ويكتب «بقوة الله» سطرا «وتعالى» سطرا آخر تحته، ثم يكتب تحت ذلك في الوسط بهامش من الجانبين «بإقبال قان» سطرا، وتحته «فرمان فلان» باسم السلطان المكتوب عنه سطرا آخر.
والطريقة الثانية- أن تكتب البسملة جميعها سطرا واحدا، ثم يكتب تحت وسط البسملة «بقوة الله تعالى» سطرا «وميامين الملّة المحمّدية» سطرا آخر، ثم يكتب تحت ذلك سطرا آخر بزيادة يسيرة من الجانبين «فرمان السلطان فلان» يعني كلام السلطان فلان.
ولم أقف على قطع الورق الذي كتب فيه حينئذ، والظاهر أنه في البغداديّ
الكامل تعظيما لشأن المكتوب عنه عندهم. وبالجملة فإنّ الظاهر أنّ الكتب الواردة عنهم على نمط الكتب الواردة من هذه المملكة إليهم، جريا على قاعدة كتّاب هذه المملكة من أنّ الغالب مضاهاتهم لأكابر الملوك في كتبهم في الهيئة والترتيب شرقا وغربا.
وهذه نسخة كتاب على الطريقة الأولى، ورد عن السلطان «أحمد» صاحب مملكة إيران، من بني هولاكو المقدّم ذكره، وهو أوّل من أسلم منهم، كتب به إلى الملك المنصور «قلاوون» «1» صاحب الديار المصرية، تغمّده الله تعالى برضوانه، ورد مؤرّخا بأوسط جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وستمائة، ورأيت في بعض الدساتير أنه من إنشاء الفخر بن عيسى الموصليّ، وورد بخطه وهو:
بسم الله بقوّة الله الرحمن الرحيم تعالى بإقبال قان فرمان أحمد.
إلى سلطان مصر، أما بعد، فإنّ الله سبحانه وتعالى بسابق عنايته، ونور هدايته، قد كان أرشدنا في عنفوان الصّبا، وريعان الحداثة، إلى الإقرار بربوبيّته، والاعتراف بوحدانيته، والشهادة لمحمد، عليه أفضل الصلاة والسّلام، بصدق نبوّته، وحسن الاعتقاد في أوليائه الصالحين من عباده وبريّته فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام
«2» فلم نزل نميل إلى إعلاء كلمة الدين، وإصلاح أمور الإسلام والمسلمين، إلى أن أفضى إلينا بعد أبينا الجليل، وأخينا الكبير، نوبة
الملك، فأضفى علينا من جلابيب ألطافه ولطائفه، ما حقّق به آمالنا في جزيل آلائه وعوارفه، وجلّى هذه المملكة علينا، وأهدى عقيلتها إلينا، فاجتمع عندنا في قوريليان «1» المبارك- وهو المجتمع الذي تقدح فيه الآراء- جميع الإخوان والأولاد والأمراء الكبار، ومقدّمو العساكر، وزعماء البلاد، واتّفقت كلمتهم على تنفيذ ما سبق به حكم أخينا الكبير، في إنفاذ الجمّ الغفير، من عساكرنا التي ضاقت الأرض برحبها من كثرتها، وامتلأت الأرض رعبا من عظيم صولتها، وشديد بطشتها، إلى تلك الجهة بهمة تخضع لها صمّ الأطواد، وعزمة تلين لها الصّمّ الصّلاد، ففكّرنا فيما تمخّضت زبد عزائمهم عنه، واجتمعت أهواؤهم عليه، فوجدناه مخالفا لما كان في ضميرنا من اقتفاء الخير العامّ، الذي هو عبارة عن تقوية شعار الإسلام، وأن لا يصدر عن أوامرنا ما أمكننا إلّا ما يوجب حقن الدّماء، وتسكين الدّهماء، وتجري به في الأقطار، رخاء نسائم الأمن والأمان، ويستريح به المسلمون في سائر الأمصار، في مهاد الشّفقة والإحسان، تعظيما لأمر الله، وشفقة على خلق الله، فألهمنا الله تعالى إطفاء تلك النائرة «2» ، وتسكين الفتن الثائرة، وإعلام من أشار بذلك الرأي بما أرشدنا الله إليه، من تقديم ما يرجى به شفاء مزاج العالم من الأدواء، وتأخير ما يجب أن يكون آخر الدواء، وأننا لا نحبّ المسارعة إلى هزّ النّصال للنّضال إلّا بعد إيضاح المحجّة، ولا نبادر لها إلّا بعد تبيين الحق وتركيب الحجّة، وقوّى عزمنا على ما رأيناه من دواعي الصّلاح، وتنفيذ ما ظهر لنا به وجه النجاح، إذ كان، الشيخ قدوة العارفين «كمال الدين عبد الرحمن» الذي هو نعم العون لنا في أمور الدين، فأرسلناه رحمة من الله لمن [لبّى] دعاه، ونقمة على من أعرض عنه وعصاه، وأنفذنا أقضى القضاة قطب الملة والدّين، والأتابك بهاء الدين، اللّذين هما من ثقات هذه الدولة الزاهرة ليعرّفوهم طريقتنا، ويتحقّق
عندهم ما تنطوي عليه لعموم المسلمين جميل نيّتنا، وبيّنا لهم أنّا من الله تعالى على بصيرة، وأنّ الإسلام يجبّ «1» ما قبله، وأنه تعالى ألقى في قلوبنا أن نتّبع الحقّ وأهله، ونشاهد أنّ عظيم نعمة الله للكافّة بما دعانا إليه من تقديم أسباب الإحسان، أن لا يحرموها بالنظر إلى سائر الأحوال فكلّ يوم هو في شان، فإن تطلّعت نفوسهم إلى دليل تستحكم بسببه دواعي الاعتماد، وحجّة يثقون بها من بلوغ المراد، فلينظروا إلى ما ظهر من أمرنا مما اشتهر خبره، وعمّ أثره، فإنا ابتدانا بتوفيق الله بإعلاء أعلام الدّين وإظهاره، في إيراه كلّ أمر وإصداره، تقديما لناموس الشرع المحمديّ، على مقتضى قانون العدل الاحمديّ، إجلالا وتعظيما، وأدخلنا السرور، على قلوب الجمهور، وعفونا عن كل من اجترح سيّئة واقترف، وقابلناه بالصّفح وقلنا عفا الله عمّا سلف، وتقدّمنا بإصلاح أمور أوقاف المسلمين من المساجد والمشاهد والمدارس، وعمارة بقاع الدّين والرّبط الدّوارس، وإيصال حاصلها بموجب عوائدها القائمة إلى مستحقّيها بشروط واقفيها، ومنعنا أن يلتمس شيء مما استحدث عليها، وأن لا يغيّر أحد شيئا مما قرّر أوّلا، وأمرنا بتعظيم أمر الحجّاج وتجهيز وفدها، وتأمين سبلها، وتسيير قوافلها، وإنا أطلقنا سبيل التّجار المتردّدين إلى تلك البلاد ليسافروا بحسب اختيارهم على أحسن قواعدهم، وحرّمنا على العساكر والقراغولات «2» والشّحاني في الأطراف التّعرّض لهم في مصادرهم ومواردهم، وقد كان قراغول صادف جاسوسا في زيّ الفقراء كان سبيله أن يهلك، فلم نهرق دمه لحرمة ما حرّمه الله تعالى وأعدناه إليهم. ولا يخفى عنهم ما كان في إنفاذ الجواسيس من الضرر العامّ للمسلمين، فإنّ عساكرنا طالما رأوهم في زيّ الفقراء والنّسّاك وأهل الصّلاح، فساءت ظنونهم في تلك الطوائف، فقتلوا منهم من قتلوا، وفعلوا بهم ما فعلوا، وارتفعت الحاجة
بحمد الله إلى ذلك بما صدر إذننا به من فتح الطريق وتردّد التّجار، فإذا أمعنوا الفكر في هذه الأمور وأمثالها لا يخفى عنهم أنها أخلاق جبلّيّة طبيعية، وعن شوائب التّكلّف والتصنّع عريّة. وإذا كانت الحال على ذلك فقد ارتفعت دواعي المضرّة التي كانت موجبة للمخالفة، فإنها إن كانت طريقا للذّبّ والذود عن حوزة الإسلام، فقد ظهر بفضل الله تعالى في دولتنا النّور المبين، وإن كانت لما سبق من الأسباب، فمن يتحرّى الآن طريق الصّواب، فإنّ له عندنا لزلفى وحسن مآب.
وقد رفعنا الحجاب، وأتينا بفصل الخطاب، وعرّفناهم [طريقتنا و] ما عزمنا بنيّة خالصة لله تعالى على استئنافها، وحرّمنا على جميع العساكر العمل بخلافها، لنرضي الله والرسول، ويلوح على صفحاتها آثار الإقبال والقبول، وتستريح من اختلاف الكلمة هذه الأمّة، وتنجلي بنور الائتلاف، ظلمة الاختلاف، والغمّة، ويشكر سابغ ظلّها البوادي والحواضر، وتقرّ القلوب التي بلغت من الجهل الحناجر، ويعفى عن سالف الجرائر، فإن وفّق الله سلطان مصر إلى ما فيه صلاح العالم، وانتظام أمور بني أدم، فقد وجب عليه التّمسك بالعروة الوثقى، وسلوك الطريقة المثلى، بفتح أبواب الطاعة والاتّحاد، وبذل الإخلاص بحيث تعمر تلك الممالك وتيك البلاد، وتسكن الفتنة الثائرة، وتغمد السّيوف الباترة، وتحلّ العامّة أرض الهوينى «1» وروض الهدون «2» ، وتخلص رقاب المسلمين من أغلال الذّلّ والهون. وإن غلب سوء الظن بما تفضّل به واهب الرحمة، ومنع معرفة هذه النعمة، فقد شكر الله مساعينا وأبلى عذرنا، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
«3» والله تعالى الموفّق للرّشاد والسّداد، وهو المهيمن على البلاد والعباد، إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة كتاب على الطريقة الثانية، كتب به عن السلطان «محمود غازان» صاحب إيران أيضا، إلى السلطان الملك الناصر «محمد «1» بن قلاوون» صاحب الديار المصريّة وما معها من البلاد الشامية، وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم*
بقوّة الله تعالى وميامين الملّة المحمّدية فرمان السلطان محمود غازان ليعلم السلطان الملك الناصر، أنه في العالم الماضي، بعض عساكرهم المفسدة دخلوا أطراف بلادنا، وأفسدوا فيها لعناد الله وعنادنا، كماردين «2» ونواحيها، وجاهروا الله بالمعاصي فيمن ظفروا به من أهليها، وأقدموا على أمور بديعة، وارتكبوا آثاما شنيعة، من محاربة الله وخرق ناموس الشّريعة، فأنفنا من تهجّمهم، وغرنا من تقحّمهم، وأخذتنا الحميّة الإسلامية فجذبتنا إلى دخول بلادهم، ومقابلتهم على فسادهم، فركبنا بمن كان لدينا من العساكر، وتوجّهنا بمن اتفق منهم أنّه حاضر، وقبل وقوع الفعل منا، واشتهار الفتك عنا، سلكنا سنن سيّد المرسلين، واقتفينا آثار المتقدّمين، واقتدينا بقول الله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل
«3» وأنفذنا صحبة يعقوب السكرجي جماعة من القضاة، والأئمة الثّقات، وقلنا هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة
«4» فقابلتم ذلك بالإصرار، وحكمتم عليكم وعلى المسلمين بالإضرار، وخالفتم سنن الملوك، في حسن السّلوك، وصبرنا على تماديكم في غيّكم، وخلودكم إلى بغيكم، إلى أن نصرنا الله، وأراكم في أنفسكم قضاه
أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله
«1» وظننّا أنهم حيث تحقّقوا كنه الحال، وآل بهم الأمر إلى ما آل، أنهم تداركوا الفارط من أمرهم، ورتقوا ما فتقوا بغدرهم، ووجّه إلينا وجه عذرهم، فإنهم ربما سيّروا إلينا حال دخولهم إلى الدّيار المصرية، رسلا لإصلاح تلك القضية، فبقينا بدمشق غير مثحثحين «2» ، وتثبّطنا تثبّط المتمكّنين، فصدّهم عن السعي في صلاح حالهم التّواني، وعلّقوا نفوسهم عن اليقين بالأماني، ثم بلغنا بعد عودنا إلى بلادنا أنهم ألقوا في قلوب العساكر والعوامّ، وراموا جبر ما أوهنوا من الإسلام، أنهم فيما بعد يلقوننا على حلب والفراه، وأنّ عزمهم مصرّ على ذلك لا سواه، فجمعنا العساكر وتوجهنا للقاهم، ووصلنا الفرات مرتقبين ثبوت دعواهم، وقلنا لعلّ وعساهم، فما لمع لهم بارق، ولا ذرّ شارق، فقدمنا إلى أطراف حلب، وعجبنا من تبطّيهم غاية العجب، وفكرنا في أنه متى تقدّمنا بعساكرنا الباهرة، وجموعنا العظيمة القاهرة، ربّما أخرب البلاد مرورها، وبإقامتهم فيها فسدت أمورها، وعمّ الضرر العباد، والخراب البلاد، فعدنا بقيا عليها، ونظرة لطف من الله إليها. وها نحن الآن مهتمّون بجمع العساكر المنصورة، ومشحذون «3» غرار عزائمنا المشهورة، ومشتغلون بصنع المجانيق «4» وآلات الحصار، وعازمون بعد الإنذار وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
«5» وقد سيّرنا حاملي هذا الكتاب الأمير الكبير ناصر الدين علي خواجا، والإمام العالم ملك القضاة جمال الدين موسى بن يوسف، وقد حمّلنا هما كلاما شافهنا هما به،