الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلتثقوا بما تقدّمنا به إليهما فإنهما من الأعيان، المعتمد عليهما في الديوان، كما قال الله تعالى فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين
«1» فلتعدّوا لنا الهدايا والتّحف، فما بعد الإنذار من عاذر، وإن لم تتداركوا الأرض فدماء المسلمين وأموالهم مطلولة بتدبيرهم، ومطلوبة عند الله في طول تقصيرهم.
فليمعن السلطان لرعيّته النظر في أمره، فقد قال صلى الله عليه وسلم «من ولّاه الله أمرا من أمور هذه الأمّة فاحتجب دون حاجتهم وخلّتهم، احتجب دون حاجته وخلّته وفقره» . وقد أعذر من أنذر، وأنصف من حذّر، والسّلام على من اتبع الهدى- في العشر الأوسط «2» من شهر رمضان سنة سبعمائة- بجبال الأكراد، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على سيدنا [محمد] المصطفى وآله وصحبه وعترته الطاهرين.
قلت: وقد تقدّم جواب هذين الكتابين في الكلام على المكاتبات إلى القانات ببلاد الشّرق من بني جنكز خان فلينظر هناك.
الطرف الثاني (في المطالعات الواردة إلى الأبواب السلطانية عن أهل الشرق
من الملوك والحكّام بالبلاد أتباع القانات ومن في معناهم) «3»
الطرف الثالث (في رسم المكاتبات الواردة عن صاحب اليمن إلى هذه المملكة)
وعادة مكاتبته أن يحذو حذو الديار المصرية، فيما يكتب إليه عنها، فيبتديء المكاتبة بلفظ: أعزّ الله تعالى أنصار المقام الشريف، العالي، المولويّ،
السلطانيّ، الفلانيّ بلقب السلطنة، ثم يقول أصدرها من مكان كذا، ويذكر المقصد، ويختم بالدعاء ونحوه، ويكتبون في قطع الشاميّ الكامل بقلم الثلث.
وهذه نسخة كتاب عن الملك الأشرف «إسماعيل» صاحب اليمن، إلى الملك الظاهر «برقوق» «1» صاحب الديار المصرية، في شهور سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، على يد القاضي برهان «2» الدين المحلّي، تاجر الخاص، والطواشي افتخار الدين فاخر دوادار الملك الأشرف صاحب اليمن المذكور، وهو:
أعزّ الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي السلطانيّ الظاهريّ، وزاده في البسطة والقدرة، وضاعف له موادّ الاستظهار والنّظر العزيز، وجعل الظّفر مقرونا براياته أينما يمّمت ما بينهما تمييز، ومحبوبا إلى عساكره المنصورة حيث توجّهت وفتح ببركة أيّامه كلّ مقفل ممتنع بأمر وجيز، ولا زال ممتثل الأوامر والمراسم، رافلا في أردان العزّ والمكارم، ممدودا على الأمة [منه] ظلّ المراحم، بمنّه وكرمه.
أصدرها إليه من زبدة زبيد «3» المحروسة معربة عن صدق ولائه، متمسّكة بوثيق أسباب آلائه، ناشرة طيب ثنائه، مترجمة ناظمة لمنثور الكتاب الكريم الظاهريّ الوارد على يد المجلس العالي البرهانيّ، بتاريخ ذي الحجّة عظّم الله بركاتها، سنة سبع وتسعين وسبعمائة، أحسن الله خاتمتها، فتلقّيناه باليدين،
ووضعناه على الرأس والعين، واستدللنا به على شريف همّته، وصفاء مودّته، وتأكيد أخوّته، وسألنا الله تعالى أن يمتّعنا ببقاء دولته القاهرة، وينشر في المشارق والمغارب أقلامه الزاهرة، ففضضنا ختامه، فوجدنا فيه من نشر السّلم الأريج أذكاه، ومن أنوار ما مجّه القلم الشريف ما يخجل منه نوّار الربيع وبهاه، فانشرحت به الصّدور، وتزايد به السّرور، وقرّت به الأعين، وكثر التهجد به لمّا استعذبته الألسن، وامتثلنا المرسوم الشريف في تعظيم المجلس العالي ذي الجلالتين، برهان الدّين إبراهيم بن عمر المحلّي، ومراعاته في جميع أموره وسرعة تجهيزه، على أنّا نجلّه ونبجّله، ونوجب حقّه ولا نجهله، فهو عندنا كما كان في عهد الوالد المرحوم الملك الأفضل، بل أمكن وأفضل، فهو لدينا المكين الأمين، وجهّزنا له المتجر السعيد الظاهريّ، وبرزت مراسمنا إلى النّواب بثغر عدن المحروس أن لا يعترض في عشور ونول، وحملناه على ظهور مراكبنا عزيزا مكرّما، وعرّفناه أن لا يصرف على الحمل السعيد ولا الدّرهم الفرد، وذلك قليل منّا لاجل غلمان بابكم الشريف شرّفه الله تعالى وعظّمه، وجهّزنا الهديّة السعيدة المباركة المتقبّلة، صحبته هو والأمير الأجلّ الكبير الافتخاري، افتخار الدين فاخر الدّوادار، وصارت بأيديهما بأوراق مفصّلة، للمقام الشريف والأمراء الأجلّاء الكبراء، وصحبتهما نفر من المعلّمين البازداريّة، برسم حمل الطيور للصيد السعيد، والمهتاريّة للصافنات الجياد، على أنّا لو أهدينا إلى جلال المقام الشريف الظاهريّ أعزّ الله أنصاره بمقدار همّته الشريفة العالية، ورتبته المنيفة السامية، لا ستصغرت الأفلاك الدائرة، والشّهب السائرة، واستقلّت السبعة الأقاليم تحفه، والأرض وما أقلّته طرفه، ولم نرض أن نبعث إليه الأنام مماليك وخولا، ونجبي إليه ثمرات كلّ شيء قبلا، ولو رام محبّ المقام هذه القضية، لقصر عنه حوله، ولم يصل إليه طوله، ولكنه يرجع إلى المشهور، بين الجمهور، فوجدنا العمل يقوم مقام الاعتقاد «1» ، وليس على المستمرّ على الطاعة سوى الاجتهاد، والمخلص في
الولاء محمول على قدرته لا على ما أراد، فوثق بهذه القضيّة، وأنفذ إلى المقام الشريف على يد موصّلها هذه الهديّة، راغبا إلى إنعامه في بسط عذره، وحمله على شروط المحبّة طول دهره، وتصريفه بين أوامره الممتثلة، ومراسيمه المتقبّلة.
والمسؤول الإتحاف بالمهمّات والمراسيم الشريفة شرّفها الله تعالى وعظّمها.
ونوضّح لعلمه الكريم ما أفاء الله به علينا من النّصر الذي خفقت بنوده، وأشرقت سعوده، وبرقت سيوفه في رقاب المارقين، واطّردت في راياته المآرب فتناولها باليمين نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين
«1» وفتح القلاع والمصانع، والاستيلاء على المرابع والمزارع، واستئصالنا شأفة «2» المارقين، واسترجاع حصن قاف المحروس بعد طول مكثه تحت يد العرب، فكم من كميّ مقتول، وأسير مكبول، وحصان ترك سبيلها، وربّ حصان كثر عليه عويلها، فخرّبنا المعاقل، وأطلقنا العقائل، وأوطنّاهم الحميم وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم
«3» وغير ذلك مما أرسلنا على يد المجلس البرهاني والأمير افتخار الدين، فاخر الدّوادار، لقضاء بعض الحوائج الطارئة من الديار المصرية «ألف وأربعمائة وسبعون قطعة من أصناف البهار، وسبع قطع حرير» والمستمدّ من إحسان المقام الشريف العالي، بروز أمره الأشرف العزيز النافذ المطاع، أنفذه الله تعالى شرقا وغربا، وأمضاه بعدا وقربا، في قضاء حوائجهما وسرعة تجهيزهما وقفولهما إلى يمن اليمن، وعزّ تعزّ قريبا.
وبعد، فإنّ الجلالة والاحترام بهما دوام الموالاة، وتوفير الحرمات، بل هي أعظم الكرامات، والمسؤول من المقام الشريف الظاهريّ أعز الله تعالى أنصاره، وضاعف اقتداره، بروز أمره الأشرف إلى النّوّاب بمصر المحروسة، وثغر
الإسكندرية، والشام، بالجلالة والاحترام، لكافّة غلماننا الواردين إلى الديار المصريّة، ومن انتسب إلينا من تاجر وغيره، مسافرا كان أو مقيما، وأن يعار في مهمّاته، جلالة تفيّأ ظلالها، ويشمله إقبالها، كما سبق للوالد المرحوم المقدّس الملك المجاهد، تغشّاه الله برحمته، بل نرجو فوق ذلك مظهرا، إن شاء الله، فثمّ خطوط ناصريّة من السلطان حسن والملك الصالح لخدّامنا القدماء، لمّا أرسلوا إلى الإسكندرية ودمشق، كتب لهم مربّعات ومثالات شريفة، ولا غرو أن يبدي المستعطي ما في ضميره إلى المعطي، والاشتهار بما بيننا وبين المقام الشريف من الأخوّة الممهّدة، والمصافاة المؤكّدة، والمودّات المحكمة، والأسباب الثابتة، أوجب ذلك، وحسن الظنّ الجميل نطق به لسان الحال، في هذا الاسترسال. ولم يخف عن المقام الشريف أنّ لله عوارف يجذب بها القلوب إليه، ولطائف خفيّة يستدلّ بها المحبّ عليه، وتعاطي كأس الوداد، يدلّ على حسن الاعتقاد، ولذلك نطق اللّسان، وكتب البنان، بما افترض على عباده الرحمن، فقال في محكم كتابه المبين ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين
«1» ومحبّ المقام الشريف يقدّم الكتاب، ويسأل الجواب، بالإذن الشريف، ليعتمد بعد الله عليه في حجّ البيت الحرام، عند تيسير الله تعالى لذلك، فقد حسّن ظنّه بذلك، وركن إليه لقضاء الفرض والتبرّك بالمشاعر العظام، فلا زالت أيّام المقام الشريف على منابر الدنيا تتلى، وآيات الشكر لله سبحانه على استقراره في الملك العقيم تملى. جميع هذا الخطاب مقدّمة الإيجاب بالإذن بالحج، وتسفير المحمل في كل عام، إلى بيت الله الحرام، فحاجّ اليمن تعذرت عليه الطّرقات، ولم يطق حمل النّفقات، ونرجو من الله تعالى أن يفتح ببركة أيامه الشريفة، وشمول الفكر الشريف، بحلّ عقدة هذه الأسباب، إنه هو الكريم الوهّاب، بمنّه وكرمه.
وأمّا ما نعتقده من أمانة المجلس البرهانيّ فإنها متينة، وشواهدها من أقواله