الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بركات الخليل، وتقرى الوجوه به آثار المعاهد، وتلتمح من ثنايا وفادته بوارق الفوائد، فأكرم به من وافد مخطوب، وزائر مرقوب، صدعنا به في حفل الجهاد انتحاء وافتخارا، ثم صنّاه في كرائم الخزائن اقتناء للخلف وادّخارا، وجعلنا قراه شكرا معطارا، وثناء يبقى في الخافقين مطارا، ودعاء يعلي الله به لمقامكم السنيّ في أوليائه مقدارا، ويجهّز به لملككم كما فعل أنصارا، ويثيبكم الجنة التي لا يرضى السعداء بغيرها قرارا، والله تعالى يجعل لأفلاك الهناء على مخاطبة مقامكم الرفيع العلاء مدارا، ويقيم الشكر ألزم الوظائف لحقّكم ابتدارا، والثناء أولى ما تحلّى به مجدكم شعارا، ويبقيكم للإسلام ركنا شديدا، وظلّا مديدا، وسماء مدرارا، ما استأنفت البدور إبدارا، وعاقب الليل نهارا، والسّلام.
المقصد الثالث (في رسم المكاتبات الواردة عن ملوك السّودان، وفيه ثلاثة أطراف)
الطرف الأوّل (في المكاتبات إلى «1» صاحب مالّي)
وهو المستولي على التّكرور «2» وغانة وغيرهما، وهي أعظم ممالك السّودان المسلمين مملكة، ولم أقف لأحد منهم على صورة مكاتبة إلى الأبواب السلطانية، إلّا أنّ المقرّ الشهابيّ بن فضل الله في كتابه «مسالك الأبصار» عند الكلام على هذه المملكة تعرض لذكر سلطانها في زمان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» وهو منسى موسى، وذكر أنه ورد منه كتاب يمسك لنفسه فيه ناموسا ولم يورد نسخته.
الطرف الثاني (في المكاتبات الصادرة عن صاحب «1» البرنو)
ورسم مكاتبته أن يكتب في ورق مربع بخطّ كخط المغاربة؛ فإن فضل من المكاتبة شيء كتب بظاهرها، وتفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد، ثم يتخلّص إلى المقصد ببعديّة، ويأتي على المقصد إلى آخره، ورأيته قد ختم مكاتبته إلى الأبواب السلطانية بقوله: والسّلام على من اتّبع الهدى. وكأنّ ذلك جهل من الكاتب بمقاصد صناعة الإنشاء، إذ لا يهتدون إلى حقائقها.
وهذه نسخة «2» كتاب ورد على الملك الظاهر «أبي «3» سعيد برقوق» ووصل في شهور سنة أربع وتسعين وسبعمائة، صحبة ابن عمه، مع هديّة بعث بها إلى السلطان بسبب ما يذكر فيه من أمر عرب جذام المجاورة لهم، وهي في ورق مربّع، السطر إلى جانب السّطر، بخطّ مغربيّ، وليس له هامش في أعلاه ولا جانبه، وتتمّة الكتاب في ظهره من ذيل الكتاب وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم*
، صلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما.
الحمد لله الذي جعل الخطّ تراسلا بين الأباعد، وترجمانا بين الأقارب، ومصافحة بين الأحباب، ومؤنسا بين العلماء، وموحشا بين الجهّال، ولولا ذلك لبطلت الكلمات، وفسدت الحاجات. وصلوات الله على نبينا المصطفى، ورسولنا المرتضى، الذي أغلق الله به باب النبوّة وختم، وجعله آخر المرسلين بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، ما ناحت الورق «4» ، وما عاقب
الشّروق الأصيل. ثم بعد ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، رضي الله عنهم أجمعين.
من المتوكّل على الله تعالى، الملك، الأجل، سيف الإسلام، وربيع الأيتام، الملك المقدام، القائم بأمر الرحمن، المستنصر بالله المنصور في كلّ حين وأوان، ودهر وزمان، الملك، العادل، الزاهد، التقيّ، النقيّ، الأنجد، الأمجد، الغشمشم «1» ، فخر الدين، زين الإسلام، قطب الجلالة، سلالة الكرماء، كهف الصّدور، مصباح الظلام، أبي عمر وعثمان الملك، ابن إدريس الحاج أمير المؤمنين المرحوم، كرم الله ضريحه، وأدام ذريّة هذا بملكه- هذا اللفظ وارد على [لسان] كاتبنا لآلنا ولا فخر- إلى ملك المصر الجليل، أرض الله المباركة أمّ الدنيا.
سلام عليكم أعطر من المسك الأذفر «2» ، وأعذب من ماء الغمام واليمّ، زاد الله ملككم وسلطانكم، والسّلام على جلسائكم وفقهائكم وعلمائكم، الذين يدرسون القرآن والعلوم، وجماعتكم، وأهل طاعتكم، أجمعين.
وبعد ذاك، فإنا قد أرسلنا إليكم رسولنا، وهو ابن عمّي، اسمه إدريس بن محمد من أجل الجائحة «3» الّتي وجدناها، وملوكنا، فإنّ الأعراب [الذين] يسمّون جذاما وغيرهم قد سبوا أحرارنا، من النساء والصّبيان، وضعفاء الرجال، وقرابتنا، وغيرهم من المسلمين. ومنهم من يشركون بالله، يمارقون للدين، فغاروا على المسلمين فقتلوهم قتلا شديدا؛ لفتنة وقعت بيننا وبين أعدائنا، فبسبب تلك الفتنة قد قتلوا ملكنا، عمرو بن إدريس الشهيد، وهو أخونا ابن أبينا إدريس الحاج بن
إبراهيم الحاج، ونحن بنو سيف بن ذي يزن، و [الد] قبيلتنا، العربيّ القرشيّ، كذا ضبطناه عن شيوخنا، وهؤلاء الأعراب قد أفسدوا أرضنا كلّها، في بلد برنو كافّة حتّى الآن، وسبوا أحرارنا وقرابتنا من المسلمين، ويبيعونهم لجلّاب مصر والشام وغيرهم، ويختدمون ببعضهم، فإنّ حكم مصر قد جعله الله في أيديكم من البحر إلى أسوان، فإنهم قد اتخذوا متجرا، فتبعثوا الرسل إلى جميع أرضكم، وأمرائكم، ووزرائكم، وقضاتكم، وحكّامكم، وعلمائكم، وصواحب أسواقكم، ينظرون ويبحثون ويكشفون، فإذا وجدوهم فلينزعوهم من أيديهم، وليبتلوهم، فإن قالوا نحن أحرار ونحن مسلمون فصدّقوهم ولا تكذّبوهم، فإذا تبيّن ذلك لكم فأطلقوهم، وردّوهم إلى حرّيتهم وإسلامهم، فإن بعض الأعراب يفسدون في أرضنا ولا يصلحون، فإنهم الجاهلون كتاب الله وسنة رسولنا، فإنهم يزيّنون الباطل، فاتقوا الله واخشوه ولا تخذلوهم يسترقّوا ويباعوا، قال الله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
«1» وقال الله تعالى لنبيه عليه السلام فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم
«2» وقال الله تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض
«3» وكان عليه السلام يقول: «السلطان ظلّ الله في الأرض يأوي إليه كلّ مظلوم» . وقال: المؤمنون كالبنيان يشدّ بعضهم بعضا إلى يوم القيامة» .
وقال: «المؤمن أخو المؤمن لا يظلمه ولا يسلمه» إلى آخره. وفي الحكمة: ومن الفرائض الأمر بالمعروف على كلّ من بسطت يده في الأرض (أراد به السلاطين) وعلى من تصل يده إلى ذلك (أراد بذلك القضاة والحكّام والأمراء) فإن لم يقدر فبلسانه، (أراد بذلك الفقهاء والعلماء) وإن لم يقدر فبقلبه، (أراد بذلك عامّة المسلمين) أطال الله بقاءكم في أرضكم. فازجروا الأعراب المفسدين عن