الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بذل في نصحه لله ولرسوله وللمؤمنين جهده، وفعل في الإرشاد والهداية ما لا غاية بعده.
أنبأك أمير المؤمنين خبر هذا اليوم لتشكر الله على النّعمة فيه، وتذيعه قبلك على الرسم فيما يجاريه، فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى.
السابع- ما يكتب بالبشارة بالسلامة في ركوب عيد النّحر
.
قد تقدّم في الكلام على ترتيب دولة الفاطميّين في المقالة الثانية أن الخليفة كان يركب لصلاة عيد النّحر كما يركب لصلاة عيد الفطر، تارة مع اشتمال الدّولة على وزير، وتارة مع عدم اشتمالها على وزير.
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك، من إنشاء ابن «1» الصّيرفيّ، وهي:
أما بعد، فالحمد لله الذي أعلى منار الملّة، وشرّف مواسم أهل القبلة، وكفّل أمير المؤمنين أمر الأيّام، كما كفّله أمر الأنام، فرأى الناس من حسن سيرته أيقاظا ما لا يرونه مجازا في المنام، وصلّى الله على جدّنا محمد نبيّه الذي أرسله إلى الناس كافّة، وجعل العصمة محيطة به حافّة، فأطلع في ظلام الشّرك شمس التوحيد وبدره، وآمن به من شرح الله للإسلام صدره، وعصاه من تمرّد فأثقل الوزر ظهره، وبيّن عبادات كرم أجرها وعظم ثوابها، وألزم طاعات جعل الجنّة للعاملين بها مفتّحة أبوابها، وعلى أخيه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب مظافره ومظاهره، والمساوي في حكمه بين باطنه وظاهره، ولم يزل حاملا على المحجّة البيضاء جاعلا ذلك من قربه وذخائره، قائما بحقوق الله جاهدا في تعظيم حرماته وشعائره، وعلى الأئمة من ذرّيّتهما نجوم الأرض وهداة أهلها، والواجبة طاعتهم على من في وعرها وسهلها، والذّابّين بالمشرفيّة عن حمى الشريعة، والّذين متابعتهم من أوجه ذريعة.
وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم كذا عيد النّحر سنة كذا وكذا، وهو يوم
أظهر الله فيه قوّة الدّولة واقتدارها، وأوجب فيه- رغبة ورهبة- مسارعة النفوس المخالفة إلى الطاعة وابتدارها، وذلك أن عساكر أمير المؤمنين توجهت إلى قصوره الزاهرة عند انفجار الفجر، وحافظت على ما تحرزه من كريم الثّواب وجزيل الأجر، واستنزلت الرّحمة برؤية إمام الأمّة، وأعدّت الإخلاص في خدمته من أوفى الحرمات وأقوى الأذمّة، وأقامت إلى أن برز أمير المؤمنين والأنوار الساطعة طوالعه، ومهابته تمنع كلّ طرف من استقصاء تأمّله وتدافعه، وقصد المصلّى في كتائب لجبة، ومواكب للتعظيم مستوجبة، وعزّة تتبين في الشّمائل والصّفحات، وقوّة يشهد بطيب وصفها أرج النّفحات، قد غدت عددها محكّمة، وخيولها مطهّمة، وذوابلها إذا ظمئت كانت مقوّمة، وإذا رويت عادت محطّمة، تتقلّد صفائح متى انتضيت أنصفت من الجائر الحائف، ومتى اقتضبت عملا كان اقتضابها مبيّضا للصّحائف، وفي ظلّها معاقل للّائذين، وبحدّها مصارع للمنابذين، وهي للدّماء هوارق، وللهامات فوالق، ولمستغلق البلاد مفاتح ولمستفتحها مغالق.
ولما انتهى إلى المصلّى قضى الصلاة أحسن قضاء وأدّاها أفضل تأدية، واستنزل رحمة لم تزل بصلاته متمادية، وانتهى إلى المنبر فرقيه، وخطب خطبة من استخلفه الله فكان مراقبه ومتّقيه، ووعظ أبلغ وعظ، وأبان عمّا للعامل بنصحه في الدّنيا والآخرة من فائدة وحظّ، وعطف على الأضاحي المعدّة له فنحرها جريا في الطاعات على فعلها المتهادي، وأضحت تتوقع التّكميل بإنجازه وعيده في الأعادي، فالله يقضي بتصديقه، ويمنّ بتخيّله وتحقيقه، وعاد إلى قصوره المكرّمة مشكورا سعيه، مضمونا نفعه، مرضيّا فعله، مشمولا عبيده منه بما هو أهله.
أعلمك أمير المؤمنين ذلك فاعلم هذا واعمل به. وكتب في اليوم المذكور.
وهذه نسخة كتاب في معنى ذلك، والدولة مشتملة على وزير، من إنشاء ابن
قادوس «1» ، وهي:
أما بعد، فالحمد لله ماحي دنس الآثام بالحجّ إلى بيته الحرام، وموجب الفوز في المعاد لمن عمل بمراشد أئمة الهدى الكرام، ومضاعف الثّواب لمن اجتهد فيما أمر الله به من التّلبية والإحرام، ومخوّل الغفران لمن كان بفرائض الحجّ ونوافله شديد الولوع والغرام، وصلّى الله على جدّنا محمد الذي لبّى وأحرم، وبيّن ما أحلّ الله وحرّم، وعلى أخيه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي ضرب وكبّر، وحقّر من طغى وتجبّر، وعلى الأئمة من ذرّيّتهما أعلام الدّين، وحتوف المعتدين، وسلّم وكرّم، وشرّف وعظّم.
وإنّ من الأيام التي كملت محاسنها وتمّت، وكثرت فضائلها وجمّت، ووجب تخليد عزّ صفاتها، وتعيّن تسطير تأثيراتها، يوم عيد النّحر من سنة كذا، وكان من قصصه أن الفجر لما سلّ حسامه، وأبدى الصّباح ابتسامه، نهض عبيد الدّولة في جموع الأولياء والأنصار، وأولي العزيمة والاستبصار، ميمّمين القصور الزاهرة متبرّكين بأفنيتها، ومستملين بسعادتها، وتألّفوا صفوفا تبهر النواظر، ويخجل تألّفها تألّف زهر الرّوض الناضر، مستصحبين فنونا من الأزياء تروق، ومستتبعين أصنافا من الأسلحة يغضّ لمعها من لمع اللهب والبروق، والأعلام خافقة، والرّايات بألسنة النّصر، على الإخلاص لإمام العصر، متوافقة، فأقاموا على تشوّف لظهوره، وتطلّع للتّبرّك بلامع نوره.
ولما بزغت شمس سعادته، وجرت الأمور على إيثاره وإرادته، وبدت أنوار الإمامة الجليّة، وظهرت طلعتها المعظّمة البهيّة، خرّ الأنام سجودا بالدعاء والتمجيد، والاعتراف بأنّهم العبيد بنو العبيد، واستقلّ ركاب أمير المؤمنين، ووزيره السّيّد الأجلّ الذي قام بنصر الله في إنجاد أوليائه، وتكفّل للإسلام برفع
مناره ونشر لوائه، وناضل عن حوزة الدّين وجاهد، وناصل أحزاب الكفّار وناهد، يقوم بأحكام الوزارة، وتدبير الدولة تدبير أولي الإخلاص والطّهارة، ويتّبع آراء أمير المؤمنين فيما تنفذ به أوامره، ويعمل بأحكام الصّواب فيما تقتضيه موارده ومصادره، ويحسن السّياسة والتدبير، ويتوخّى الإصابة في كلّ صغير من أمور الدّولة العلويّة وكبير، ويخلص لله جلّ وعزّ ولإمامه، ويكفكف من الأعداء ببذل الجهد في إعمال لهذمه «1» وحسامه، وسار أمير المؤمنين والعساكر متتابعة في أثره، متوافقة على امتثال أمره، قد رفعت السّنابك من العجاج سحابا، وخيّلت جنن الجند للناظرين في البرّ عبابا. والجياد المسوّمة تموج في أعنّتها، وتختال في مراكبها وأجلّتها، وتسرع فتكسب الرّياح نشاطا، وتفيد المتعرّض لوصفها إفراطا، وتهدي لمن يحاول مماثلتها غلوّا واشتطاطا، وأصوات مرتفعة بالتهليل، وأصوات الحديد تسمع بشائر النّصر بترجمة الصّليل، ويكاد يرعب الأرض تزلزل الصّهيل، وترضّ سنابكها الهضاب وتغدو صلابها كالكثيب المهيل.
ولما انتهى ركاب أمير المؤمنين إلى المصلّى والتوفيق يكتنفه، والسعادة تصرّفه، قصد المحراب فأقام الصلاة، ونحا المنبر فشرّفه إذ علاه، وأدّى الصّلاة على أكمل الأوضاع وأتمّها، وأجمع [الأحوال] لمراضي الله وأعمّها، وانثنى للبدن المعدّة فنحر ما حضر تقرّبا لخالقه، وأجرى القانون على حقائقه، وعاد إلى قصوره الزاهرة وقد غفر الله بسعيه الذّنوب، وطهّر برؤيته القلوب، وبلّغ الأمم من المراشد نهاية المطلوب.
أعلمك أمير المؤمنين نبأ هذا اليوم الّذي تشتمل المسارّ على جميعه أوّلا وآخرا، وباطنا وظاهرا، لتذيع نبأه في عمل ولايتك، وتشيع خبره في الرعايا على جاري عادتك، فاعلم هذا واعمل به، وطالع مجلس النّظر السيديّ الأجليّ بما اعتمدته في ذلك، إن شاء الله تعالى. وكتب في اليوم المذكور.