الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصنف الأوّل (الكتب بانتقال الخلافة إلى الخليفة)
قال في «موادّ «1» البيان» : جرت العادة أن تنفّذ الكتب إلى ولاة الأعمال في مثل هذه الحالة، متضمّنة ما جرى عليه الأمر بالحضرة، من انقياد الأولياء والرعايا إلى الطاعة، ودخولهم في البيعة بصدور منشرحة، وحضّ من بالأعمال من رجال السلطان ورعيته على الدخول فيما دخل فيه أمثالهم، وإعطاء الرّعايا على ذلك صفقة أيمانهم.
وقد كان الرسم فيها أن تصدّر بحمد الله تعالى على عوارفه التي لم تزل تكشف الخطب، وترأب الشّعب، وتدفع المهمّ، وترفع الملمّ، وتجبر الوهن، وتسبغ الأمن، والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وذكر خصائصه ومناقبه، وتشريف الله تعالى له بإقرار الإمامة في أقاربه، وتخصيصها ببني عمّه الذين هم أحقّ الناس به، وما أمر به الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من طلب مودّتهم من الأمة بقوله جلّ من قائل:
قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى
«2» وما أشار إليه صلى الله عليه وسلم من بقاء الخلافة فيهم بقوله لعمّه العباس: «ألا أبشّرك يا عمّ، بي ختمت النّبوّة وبولدك تختم الخلافة» وما يجري مجرى ذلك. ثم يتلو ذلك بالإفصاح عن شرف الخلافة وفضلها، والإبانة عن رفيع مكانها ومحلّها، وأنها ظلّ الله الممدود، وحبله المشدود، ومساك الدّين ونظامه، وملاك الحق وقوامه، وامتنان الله تعالى على العباد بأن جعل فيهم أئمة يقسطون «3» العدل عليهم، ويقيمون الحدود فيهم، ويقوّمون أديانهم، ويهذّبون إيمانهم، ويرهفون بصائرهم، ويهدون حائرهم، ويكفّون ظلومهم، وينصفون مظلومهم، ويجمعون كلمتهم، ويحمون
ذمارهم «1» ، ويحوطون ديارهم، وما يجري مجرى ذلك. ثم يذكر ما أوجبه الله تعالى على أهل الإسلام للإمام من الطاعة وحسن التّباعة أيام حياته، والانقياد لأمره في طاعة من ينصّ عليه في القيام مقامه بعد وفاته، ليتّصل حبل الإمامة بينهم، ويمتدّ ظلّ الخلافة عليهم، فإن كان قد تلقّى الخلافة بعهد عن خليفة قد مات، من أب أو غيره، أتى بمقدّمة في ذكر الموت، وأن الله تعالى سوّى فيه بين بريّته وجعل في تطرّقه إلى رسوله أسوة لخليقته، وتفرّد بالبقاء، وامتنع عن الفناء، ثم يقال: وإن الله تعالى لما اختار لعبده ووليه فلان النّقلة إلى دار كرامته، والحلول بفناء طاعته، وأعانه على سياسة بريته، وأنهضه بما حمّله، وأيده فيما كفّله، من الذبّ عن المسلمين، والمراماة عن الدّين، والعمل بكتابه وسنّته في القول والفعل، واستشعار خيفته ومراقبته في السرّ والجهر، وما يليق بهذا- استخلص عبده ووليّه فلانا الإمام الفلانيّ لخلافته، وأهمى سماء الرحمة بإمامته، وأحلّ عزيز النصر بولايته، وألقى في نفيس رأيه النصّ عليه، والتفويض إليه، لما علم سبحانه في ذلك من شمول المصلحة للعباد، وعموم الأمنة للبلاد، فأمضى- قدس الله روحه- ما ألهمه، وكمّله قبل خروجه من دار الدنيا وتممه، عالما بفضل اختياره، وأنه لم يمل به الهوى في إيثاره، فقام أمير المؤمنين الإمام الفلانيّ مقامه، وحفظ نظامه، وسدّ ثلمته، وعفّى رزيّته، وأقر الله تعالى الإمامة به في نصابها ومقرّها، وزاد باستخلافه في صيت الخلافة وقدرها.
وأمير المؤمنين يسأل الله تعالى أن يخص وليّه السعيد بقربه بأفضل صلواته، وأشرف تحياته، ويحسن جزاءه في سعيه في صلاح العباد، وسداد البلاد، وأن يلهم أمير المؤمنين الصبر على تجرّع الرّزيّة فيه [ويجزيه] أفضل ما جزى به صابرا محتسبا، وأن يجبر كسره في فقده، ويوفّقه لجميل العزاء من بعده، ويسدّده في مصادره وموارده، ويهديه لما يرضيه في جميع مقاصده، ويعينه على تأليف الأهواء، وجمع الآراء، ونظم الشّمل، وكفّ القتل، وإرخاء الظل.
وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك وقد اجتمع من بحضرته، من ذوي جهته وأمراء دولته، وكافّة جنده وجماعة حوزته على بيعته، وإعطائه صفقة أيمانهم على طاعته ومشايعته، عن صدور مخلصة نقيّة، وسرائر صافية سليمة، وعقائد مشتملة على الوفاء بما عقدوا عليه، وانقادوا مختارين إليه، وشملتهم بذلك الرحمة، وضفت عليهم النعمة، فما برحوا الرّزيّة، حتّى فرحوا بالعطية، ولا وجموا للمصيبة، حتّى بسموا للرغيبة، ولا أظلموا لفقد الماضي، حتّى أضاء الوجود بالآتي.
فلله الحمد على هذه النعمة التي جبرت الوهن، وحققت في فضله المنّ، حمدا يستدرّ أخلاف فضله، ويستدعي سابغ طوله، وصلّى الله على محمد وآله، وأمير المؤمنين يراك من أهل مخالصته، والمتحققين بطاعته، وهو يأمرك أن تأخذ البيعة له على نفسك، وعلى جميع أوليائه المقيمين قبلك، وكافّة رعاياه الذين هم في عملك، وتشعرهم بما عنده للمسارعين لطاعته، المبادرين إلى اتّباعه، من تيسير الإنصاف والعدل، وإفاضة الإحسان والفضل، وما لمن نكب عن الطريقة المثلى، وحاد عن الأولى، من الكفّ الرّادع، والأدب الوازع، ويتوسّع في هذا المعنى توسّعا يشرح صدور أهل السلامة، المستمرّين على نهج الاستقامة، ويردع أهل الفساد، ويغضّ من نواظر ذوي العناد. ويحلّي الكتاب بآيات من القرآن الكريم تحسن استعارتها في باب العزاء، ويليق ذكرها في باب الإشادة بالخلافة والخلفاء. فإن كان الكتاب مما يقرأ بالحضرة، قال في موضع «وكتاب أمير المؤمنين إليك» : وأنتم معاشر أقارب أمير المؤمنين، من إخوته وبني عمه وخواصّ الدولة وأمرائها وأجنادها وكتّابها وقضاتها وكافّة رعيتها، ومن اشتمل عليه ظل مملكتها، أحقّ من حافظ على عوارف أمير المؤمنين واعتدّ بلطائفه، وقام بشكر نعمته، وسارع إلى اتباعه واعتصم بحبل دعوته، فأجمعوا على متابعته، وإعطائه صفقة أيمانكم على مبايعته، ليجمع الله على التأليف كلمتكم، ويحمي بالتّازر بيضتكم. ويتبع ذلك من وعد أهل الطاعة بما يضاعف جدودهم، ومن وعيد أهل المعصية بما يصفّر خدودهم، على نسق ما سبق في الترتيب.
وهذه نسخة كتاب في المعنى، كتب به عن الآمر «1» بأحكام الله تعالى عند استقراره في الخلافة بعد أبيه المستعلي «2» بالله، والدّولة مشتملة على وزير، من إنشاء ابن «3» الصّيرفيّ، وهي:
الحمد لله المتوحّد بالبقاء، القاضي على عباده بالفناء، الذي تمجّد بالأزليّة والقدم، وتفرّد بالوجود وتنزّه عن العدم، وجعل الموت حتما مقضيّا على جميع الأمم.
يحمده أمير المؤمنين على ما خصّه به من الإمامة التي قمّصه سربالها، وورّثه فخرها وجمالها، حمد شاكر على جزيل العطيّة، صابر على جليل الرّزيّة، مسلّم إليه في الحكم والقضية، ويسأله أن يصلي على جده محمد الذي ثبتت حجته، ووضحت محجّته، وعلت كلمته، وأنافت على درج الأنبياء درجته، صلّى الله عليه وعلى أخيه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب الذي جعل
[الله] الإمامة كلمة في عقبه باقية، وحبّه جنّة «1» يوم الفزع الأكبر واقية، وعلى الأئمة من ذرّيتهما الطاهرين، صلاة دائمة إلى يوم الدّين.
وإن الإمام المستعلي بالله أمير المؤمنين قدّس الله روحه وصلّى عليه، كان من أوليائه الذين اصطفاهم لخلافته في الأرض، وجعل إليهم أزمّة البسط والقبض، وقام بما حمّله من أوق «2» الإمامة، ولم يزل عاملا بمرضاة الله إلى أن نقله إلى دار المقامة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضا بقضائه، وصبرا على بلائه، وإلى الله يرغب أمير المؤمنين في إلهامه حسن الصبر على هذا المصاب، وإجزال حظّه عليه من الأجر والثواب، وإمداده في خلافته بموادّ الإرشاد والصواب، بكرمه.
وكتاب أمير المؤمنين يوم كذا من الشهر الفلانيّ من سنة كذا، بعد أن جلس للحاضرين بحضرته من الأمراء؛ عمومته، وأوليائه وخدم دولته، وسائر أجناده وعبيد مملكته، وعامة شيعته، وأصناف رعيّته، وأنوار الخلافة عليه مشرقة، وأغصان الإمامة مثمرة مورقة، والسيد الأجلّ الأفضل الذي أمدّه الله في نصرة الدولة العلوية بالتأييد والإظهار، وأبان به برهان الإمامة الآمرية فوضحت أنوارها للبصائر والأبصار، وشهر له من المناقب ما سار مسير الشمس في جميع الأقطار، يتولّى الأمر بحضرته تولّي الكافل الزّعيم، ويباشر النظر في بيعته مباشرة القسيم الحميم، والناس داخلون في البيعة بانشراح صدور، وإظهار ابتهاج وسرور، يعطون صفقة أيمانهم، ويعلمون ما لهم من الحظّ في طاعة إمام زمانهم، قد تحققوا شمول السّعد وعموم الرشاد، وتيقنوا الخيرة لهم في العاجلة والمعاد، وأمير المؤمنين يعزّيك ومن قبلك من أولياء دولته، وسائر رعيته، عن المصيبة في الإمام
المستعلي بالله- صلّى الله عليه- التي قطعت من النفوس أملها، وأسكنت الألباب جزعا وولها، ويهنّيك وإياهم بمتجدّد دولته التي تهلّل لها وجه الزمان، واستهلت بها سحائب الفضل والإحسان. وأمير المؤمنين يحمد الله الذي أقرّ الحقّ في منصبه، وأفرده بما كان والده الإمام المستعلي بالله أفرد به.
فاعلم ما أعلمك أمير المؤمنين من هذا الخطب الجسيم، والنّبأ العظيم، واشكر الله على ما جدّده لك ولكافّة المسلمين، من النعمة بإمامة أمير المؤمنين، التي أوفت بإساءة الزمان وجنايته وشفت من داء كلمه ونكايته، وتقدّم إلى الدعاء قبلك بأخذ البيعة على نفسك وعلى كافّة من في ولايتك، واستحمد إلى أمير المؤمنين أنت وهم بالإخلاص في طاعته، والاجتهاد في مناصحته، والتّمسّك بعصم مشايعته، لتنالوا في العاجلة حظّا جسيما، وتحرزوا في الآجلة أجرا كريما:
ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما
«1» وطالع بالكائن منك بعد قراءة كتاب أمير المؤمنين على الحاضرين قبلك، وإذاعته في الواردين عليك والمستوطنين عملك، ليحمدوا الله على ما أنالهم بخلافة أمير المؤمنين من جميل الصّنع العائد على العباد، وصلاح البلاد- وكتب في اليوم المذكور.
وهذه نسخة كتاب عن الآمر بأحكام الله المقدّم ذكره، كتب به إلى ولاة الأطراف بعد قراءة عهده، مهنئا بخلافته، وتجديد ولايته، من إنشاء ابن الصّيرفيّ، أيضا، وهي:
أما بعد، فالحمد لله مولي المنائح من نعمه، ومجزل العطايا من مواهبه وقسمه، ومعوّد الصنع الجميل من لطفه وكرمه، الذي له الحكم الظاهر عدله، ولديه الطّول الفائض فضله، وعنده مفاتح الغيب وإليه يرجع الأمر كلّه.
يحمده أمير المؤمنين على ما أفرده به من سنيّ المواهب، ونظمه له من عقود المناقب، ونقله إليه من تراث آبائه الكرام الذين جلا ضياؤهم ظلام الغياهب، وتزينت بهم الأرض تزيّن السماء الدنيا بزينة الكواكب، ويسأله أن يصلّي على جدّه محمد الذي نشر الله به الرحمة، وكشف الغمّة، وأنقذ الأمّة، صلّى الله عليه وعلى أخيه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، والمذكور في زبر الأوّلين، وعلى الصّفوة من ذرّيتهما الهداة الراشدين، صلاة باقية إلى يوم الدين.
وإنّ النّعم تتفاضل أقدارها بحسب مواقعها، وتتفاوت أخطارها بقدر مواضعها، ومن ألطفها مكانا، وأشرفها محلّا وشأنا، وأولاها بأن تستنطق به الأقلام، وأحقّها بأن يتناقل ذكرها الخاصّ والعام، ما خصّ الله به أمير المؤمنين من المنن الظاهرة، وتولّاه من المنح المتظاهرة، وأصاره إليه من الخلافة في أرضه، واستخلفه عليه من القيام بسنن دينه وفرضه، واسترعاه إيّاه من حياطة بلاده، وأوجبه من طاعته على كافّة خلقه وعباده، وذخره لدولته من كفيله وخليله، ومقيم أدلّة حقه وموضّح سبيله، السيد الأجلّ الأفضل الذي ارتضاه الله للذّبّ عن الإسلام، وانتضاه لنصرة إمام بعد إمام، وشهر مناقبه في كلّ موقف ومقام، وخصّه بفضائل لم تر مجتمعة لملك من ملوك الإسلام، لا جرم «1» أنّ أمير المؤمنين قد أحلّه منه محلّ الرّوح من الجسد، والوالد من الولد، وفوّض الأمور إليه تفويض معوّل على يمن نقيبته معتمد، مبالغ في حسن الاختيار للأمة مجتهد، والله تعالى يمتّع أمير المؤمنين ببقائه الكافل ببلوغ الأمل، ويجازيه عن تشييد مملكته أحسن ما جزى به مخلصا جمع في الإيمان بين القول والعمل، بكرمه.
ولما وقف أمير المؤمنين بما طالعه به السيد الأجلّ الأفضل عند مثوله بحضرته، وإنهائه أمور دولته وأحوال مملكته، على أمرك الذي استحمده في الخدمة، واستحققت به إفاضة الإحسان وإسباغ النعمة، وأن لك في الدولتين
المستنصريّة والمستعليّة من الخدم المشكورة، والمساعي المبرورة، ما يدلّ على مناصحتك وإخلاصك، ويبعث على اصطناعك واستخلاصك، أمر بكتب هذا السّجلّ لك مؤكّدا لأواخيك «1» ، ومعربا عن رأيه الجميل فيك، ومجدّدا من ولايتك، ومجريا لك فيها على مستمرّ رسمك ومستقرّ عادتك. فقابل نعمة أمير المؤمنين من الإخلاص في طاعته بما يرتبطها، ووفّها من حقّ الاجتهاد ما يقرّها عندك ويثبّطها، واجعل تقوى الله تعالى عمادك، واطو عليها طويّتك واعتقادك، ومكّن في نفوس الأولياء جميل رأي أمير المؤمنين فيهم، وإحماده لمواقفهم في الخدمة ومساعيهم، وحقّق عند كافّة المستقرّين لديك، والواردين عليك، ما يكنفون به من الأمر الشامل، ويغمرون به من حسن النظر المتواصل، واجر على العادة المألوفة في إفاضة العدل والإنصاف، وتنكّب سبيل الجور والإجحاف، ومهّد السّبل قبلك، واحم من أسباب الفساد ولايتك وعملك، واخصص متولّي الحكم والدعوة الهادية- ثبتها الله تعالى- بالإعزاز والرعاية، ووفّر حظّهم من الملاحظة والعناية، وخذ المستخدم في الخطبة العلويّة بإقامتها في أوقاتها، على أفضل قوانينها وواجباتها، معلنا فيها بذكر أمير المؤمنين الذي يتوّج فروق المنابر، ويشنّف أسماع البوادي والحواضر، وتوفّر على ما ثمّر الأموال وأنماها، وغزّرها ورخّاها، وقضى بوفورها وحصولها، ودعا إلى درورها ومواصلة حمولها، وانظر في أمر الرجال المستخدمين معك نظرا يؤدّي إلى مصلحتهم، فاعلم هذا من أمير المؤمنين، واغتبط بما أصاره الله إليه اغتباط أمثالك من المخلصين، واعتقد طاعته اعتقاد من يجاريك من أهل اليقين، واعمل بوصاياه ومراشده تحظ في الدنيا والدين، وطالع بالكائن منك بعد قراءة هذا السّجلّ على كافة الناس أجمعين، وكتب في كذا وكذا.
واعلم أن العادة جارية بينهم أنه إذا كتب كتاب عن الخليفة بانتقال الخلافة إليه، يكتب ملطف عن الوزير، يلفّ كتاب الخليفة ضمنه، ويوجّه به إلى حيث المقصد.
وهذه نسخة ملطّف في هذا المعنى، كتب به عن وزير في الدولة الفاطمية، ليلفّ كتاب الخليفة طيّه، وهو:
ينطوي هذا الأمر الوارد على الأمير على كتاب مولانا وسيدنا الإمام الفلانيّ لدين الله، أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، وأبنائه الأكرمين، أو: أبنائه المنتظرين، إن كان لا ولد له، بما أصاره إليه من شرف الإمامة، وبوّأه إيّاه من مقام العظمة والكرامة، إثر انتقال الإمام فلان أمير المؤمنين- قدّس الله روحه- إلى جوار ربّه. فاعتمد العمل بمضمونه في أخذ البيعة على نفسك ومن يليك وتلاوته على رؤوس الأشهاد، وإذاعة مكنونه في الحاضر والباد، على الرسم المعتاد، فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى.
قلت: وهذا المعنى في الكتابة بانتقال الخلافة إلى الخليفة جار في زماننا بانتقال السّلطنة إلى السلطان، ويعبّر عن ذلك بجلوسه على تخت الملك، والأمر على ما تقدّم في الخلافة من التعزية بالماضي، والتهنئة بالمستقرّ، ونحو ذلك مما يجري مجراه.
وهذه نسخة مكاتبة بالبشارة بجلوس الملك الصالح صالح «1» ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون على التخت، في شهر رجب الفرد سنة اثنتين وخمسين
وسبعمائة، بعد خلع أخيه الملك الناصر [حسن] . وصورتها بعد الصّدر والألقاب:
وأورد عليه من البشائر أسنى البشر، وأسمعه من التّهاني ما انتشى حديثه بين البرايا وانتشر، وحفظ عليه وعلى الأمة ما أراد لهم من الخير وولّى عليهم خيارهم وجعل مليكهم صالح البشر.
صدرت هذه المكاتبة إلى فلان وبصربها «1» مقدما بالظّفر، وذكرها قد ملأ الأقطار فجمع عليه كلّ قلب كان قد نفر، تهدي إليه سلاما عن وجه الشّكر سفر، وثناء يحصل منه على النّصيب الأوفر، وتوضّح لعلمه أن الجنابات العالية الأمراء الأكابر، أمراء الدولة الشريفة، ضاعف الله نعمتهم، كانوا قد عظّموا أخانا الناصر، وحكّموه، ومشوا إلى خدمته على أحسن سنن، وما أبقوا في خدمته ممكنا من التعظيم، والإجلال والتحكيم، وامتثال الأمر في كل جليل وحقير، فلم يرع لهم ذلك، ولا التفت إلى ما لهم عليه من حقوق الخدمة، واتفق مع الصبيان، وأراد القبض على الأمراء، وإمساك الجنابات العالية الأمراء الأكابر والإيقاع بهم. فلما تحققوا منه ذلك اجتمعت الأمراء، واتفقت الكلمة على خلعه من الملك الشريف وإقامتنا، فخلع المشار إليه، وكان جلوسنا على تخت الملك الشريف وكرسيّ السّلطنة المعظمة في يوم الاثنين المبارك، بحضور الإمام المعتضد بالله أمير المؤمنين أبي الفتح أبي بكر، ابن الإمام المرحوم أمير المؤمنين أبي الرّبيع سليمان المستكفي بالله، ومبايعته لنا، وحضور المجالس العالية قضاة القضاة بالأبواب