الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وهذا الصّنف من المكاتبات السلطانية لا يمتنع وقوعه في وقت من الأوقات؛ فإن عرض له موجب، راعى الكاتب فيه صورة الحال، وكتب على ما يوجبه المقام، وتقتضيه تلك الوقعة.
الصنف الثاني والعشرون (ما يكتب مع الإنعام لنوّاب السّلطنة بالخيل والجوارح وغيرها من أنواع الإنعامات وهذا الصّنف من المستعمل في زماننا كلّ وقت)
فأما ما يكتب مع الإنعام بالخيل، فقد جرت العادة أن السلطان ينعم بالخيل على نوّاب السلطنة بالشام، ويكتب بذلك مثالات شريفة إليهم، وربّما أنعم بالخيل وكتب بها في غير ذلك.
وهذه نسخة مثال شريف من ذلك:
ضاعف الله تعالى نعمة الجناب وخصّه من النّعم بما لا تحصى له آثار، ولا يتعلّق له بغبار، ولا يوصف بحال واحدة؛ لأنه إن جرى فبحر، وإن وقف فنار.
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي بكلّ سلام لا تدرك لسوابقه غاية، ولا تحصى له نهاية، ولا يردّ منه كل ما جاء وله في وجهه كفلق الصّبح آية، ولا يتقدّم في ميدان إلّا وقد حمل له في كلّ مكان راية. وتوضّح لعلمه الكريم أنه قد جهّز له قرينها ما جرت به عادته من الحصن التي لا يدّعي البرق أنه لها نظير، ولا تجاري الرّياح من سوابقها ما يطير، كم لها في ميدان مجال، وكم لها في رؤية دوّيّة ارتجال، وكم دعي الوغى بها على كلّ ضامر فأتت رجالا تقدح سنابكها نارا، وتفيض جوانبها من الرّكض عقارا، ويتكفّل بديعها بكلّ مرام، وتعطي ما في يديها لأنها من الكرام، وقد تشرّفت من نعمنا الشريفة بالسّروج واللّجم والعدّة المكمّلة، وتحلّت من الذّهب والفضّة ما يغني بجملته المفصّلة، وأرسلناها إليه ترقص في أعنّتها زهوا، وتترك بطيب صهيلها كلّ بحر تخوضه إلى المنايا رهوا، وتوجّه بها فلان كالعرائس المجلوّة في حللها، والنّجوم لولا ما تميزت به من حلي عطلها، والسّحاب إلّا أنّها لا تحتاج منّة الرّياح في تنقّلها.
فليقابل هذه النّعمة الشريفة بشكرها، وليتسلّم هذه الصّدقات العميمة التي تعترف كلّ نعمة بقدرها، وليحمد الله من تفقّداتنا الشريفة على كرم فرس جاء وهو سابق، وجود جواد لا يدور معه السّحاب في طابق، ويعتمدها لارتقاء كلّ صهوة منيفة، وجهاد أعداء الله عليها بين أيدينا الشريفة، ويعيد الواصل بها إلى خدمة أبوابنا العالية، والله تعالى يديم عليه بنا النّعم المتوالية، إن شاء الله تعالى.
آخر: ولا زال إقبالنا يمدّه من الصّافنات الجياد بما يباري الرّياح، ويتيمّن بغررها الصّباح، ويطلق أعنّتها في حلبة السّباق فتسبق بركضها ذوات الجناح، ولا برح إنعامنا يتحفه بكلّ طرف يبهج الطّرف، ويثلج الصّدر بما استمدّ عليه من الملاحة التي تروق العين وتفوق الوصف، ويفرده بما اجتمع فيه من الحسن واليمن، إذ هو واحد كالألف- تهدي إليه سلاما تعبق بطيب نشره أرجاءه، وثناء يعرب عما في ضميره من علوّ قدره وسموّ ذكره فيشرق سناؤه ويضاعف ثناؤه، وتوضّح لعلمه الكريم أنه غير خاف عنه ما يصل إلى أبوابنا الشريفة من الخيول البرقيّة في كلّ عام، وما نخصّه منها بكلّ ميمون الغرّة مبارك الطّلعة هنيء السّير على الإنعام، وقد أرسلنا إلى جنابه الكريم من ذلك سهمه، وأضفنا إلى ذلك ما استصلحناه من الخيل العربيّة الغربية والعتاق العجيبة العربية (؟) مما الخير معقود بنواصيها، فتزهق على صهواتها نفوس الأعداء وتستنزلها من صياصيها «1» ، فيأخذ الجناب العالي ما يخصّه من ذلك، ويفرّق الباقي على من رسمنا له به بيمن رأيه المبارك الذي لا يساهمه فيه أحد ولا يشارك، ويجهّز الخيل المخصوصة بفلان إليه، والله تعالى يضاعف عزّ ظهورها عند امتطائها لديه.
وأمّا ما يكتب مع الإنعام بالجوارح [فممّا يكتب]«2» مع إرسال سنقر «3» :
وقد بعثنا إليه بسنقر كأنّه ملك متوّج، ورزق مروّج، تجرّأ على سفك الدّماء، وأبى أن يطلب رزقه إلّا من السماء، يودّ الكركيّ «1» لو خلص من مخاليبه، ويخاف أن يسلم من خرط «2» الشّبكة ويقع في كلاليبه، يدرك الصّيد ولا يؤجّله، ويرفع «3» صدره ثم يومي إليه برأسه كأنّه يستعجله، قد جمع من المحاسن كلّ الصّنوف، وكتبت عليه أسطر تقرأ بما تقرى به الضّيوف.
ومما يكتب مع إرسال صقر»
:
وقد وجّهنا إليه بصقر لا تؤسى «5» له من الصّيد جراح، ولا يدع من وحش يسرح ولا طائر يطير بجناح، أينما توجّه «6» لا يأت إلّا بخير، وحيثما أطلق كان حتف الوحش والطّير، يدع أقطار الفلاة مجزرة، أو روضة بالدماء مزهرة، يجدّ إلى الطير في عنقه، ويحلّق إلى السماء فيرجع وطائره في عنقه، تخافه العفر على نفوسها، وتخضع له ولأمثاله فما تخرج إلّا والطّير على رؤوسها، يزيد خبره في مظانّ الصّيد على الخبر، وتخرج الظّباء وقد تسجّت «7» خوفا منه في ملاءة من العجاج مخيطة من قرونها بالإبر، شديد الأيد، قد بنى على الكسر حروف
الصّيد، يحمد مقتنيه أيامه الغرّ، ويقول له إذا تلفّت إلى الصيد: إن جلبت ضبعا «1» فأنت حر، لا يصحب مستصحبه معه إلّا مزاده، وأينما سار حامله- وهو «2» معه- كان معه زاده.
ومما يكتب مع إرسال شاهين «3» :
وقد وجّه إليه بشاهين إذا حلّق وراء الطّير شاهت به الوجوه، وشاهدت الآمال به ما ترجوه، قد أصبح كلّ محلّق الجناح «4» رهين يده، وكلّ سارب من الوحش طعام يومه أو غده، لا يتعبه خلف الطّريدة بعد المدى، ولا يردّه خوف مسافة ولا تقحّم ردى، ربيّة عام لم يمتّع بطول «5» ما دهر، وممتدّة «6» منه في الطّلق مثل ريح سليمان «7» غدوّها شهر ورواحها شهر.
ومما يكتب مع إرسال كوهيّة «8» :
وقد جهّزنا إليه كوهيّة، هي بالمحاسن حريّة، ولكثرة الإقدام جريّة «9» ، يكل بها صاحبها أمر مطبخه، ويمدّها «10» من الطير من ليس بمصرخه، لا نعفّ عن دم، ولا ترى أطرافها إلّا مثمرة «11» بعنّاب أو مخضّبة بعندم، قد أخلت من كلّ
سانح «1» ، ولبست زيّ الرّاهب المتعبّد وفتكت بكلّ سائح.
ومما يكتب مع سقاوة «2» :
وقد جهزنا إليه بسقاوة، مخاليبها على الطّير كالحديد أو أشدّ قساوة، تسيل دماء الصيد كالمذانب «3» ، وتكسو الأرض حبرا من رياش الحبارى وفراء من جلود الأرانب، وجعلت في قبضة الكفّ ما كانت العين عليه تدور، وتكفّلت بكفاية المطبخ وملأت القدور.
ومما يكتب مع إرسال باز «4» :
وقد بعثنا إليه بباز مهما لقي لقف، ومهما خطا لديه خطف، كأنّما خطّ جوهره «5» بقلم، أو ريش عليه من الصّباح والظّلم، قد أعدّ «6» للطوارق، وادّرأ بمثل الطّوارق، قد دحض حجج الحجل، وكسرها حتّى أبان عليها حمرة الخجل، لا يسأل في «7» الصيد عما نهب، ولا تعرف له قيمة إلّا أنّ له عينا من الذّهب.
ومما يكتب مع الفهد «8» :