الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرب السادس (المكاتبة إلى النساء)
قد ذكر النحاس أنهنّ يكاتبن على نظير ما تقدّم من مكاتبة الرئيس والمرؤوس والنظير، غير أنه قد وقع في الاصطلاح من بعضهم أنه لا يقال في مكاتبتهنّ: وكرامتك ولا وأتمّ نعمته عليك، ولكن وأتم نعمته لديك، ولا فضله عندك، ولا سعادتك، ولا فعلت ولا أن تفعلي، ولكن يقال: إن رأيت أن تمنّي بذلك مننت به، وما أشبه ذلك، وقد تقدّم في الكلام على مقدّمات المكاتبات بيان كراهتهنّ لذلك.
قلت: ثم راعى الكتّاب في تعظيم المكتوب إليه أن عدلوا عن خطابه بالكاف عن «1» نظير خطاب المواجهة إلى معنى الغيبة، فقالوا: له، وإليه، وعنده، ونحو ذلك وخصّوا الخطاب بالكاف بأدنى المراتب في حقّ المكتوب إليه. على أنه قد تقدّم من كلام النحاس إنكار ذلك على من اعتمده محتجّا عليه بأنه لا أعظم من الله تعالى مع أنه يقال في الدعاء يا الله ونحو ذلك.
وقد ذكر ابن حاجب «2» النّعمان في كتابه «ذخيرة الكتاب» أدعية مرتّبة على
الغيبة، وقال: أعلاها «أطال الله بقاءه، وأدام تمكينه وارتقاءه، ورفعته وسناءه، وكبت عدوّه» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام تأييده، وعلاه وتمهيده، وكبت عداه» .
ودونه «أطال الله بقاءه، وأدام تأييده وحرس حوباءه» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام تأييده ونعماه» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام نعماه» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام عزّه» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام توفيقه وتسديده» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام سداده وإرشاده» . ودونه «أطال الله بقاه، وأدام حراسته» . ودونه «أدام الله تأييده» .
ودونه «أدام الله توفيقه» . ودونه «أدام الله عزّه وسناءه» . ودونه «أدام الله عزّه» . ودونه «أدام الله حراسته» . ودونه «أدام الله كرامته» . ودونه «أدام الله سلامته» . ودونه «أدام الله رعايته» . ودونه «أدام الله كفايته» . ودونه «أبقاه الله» . ودونه «حفظه الله» . ودونه «أعزّه الله» . ودونه «أيّده الله» . ودونه «حرسه الله» . ودونه «أكرمه الله» . ودونه «وفّقه الله» . ودونه «سلّمه الله» . ودونه «رعاه الله» . ودونه «عافاه الله» . وعلى معنى الغيبة يقال في الدّعاء: أطال الله بقاء الأمير، أو بقاء القاضي، أو بقاء سيّدي، أو بقاء مولاي، وما أشبه ذلك في كلّ رتبة بحسبها.
واعلم أن الذاهبين من الكتّاب إلى إجراء المخاطبة في المكاتبة على معنى الغيبة كما هو طريقة ابن حاجب النّعمان وغيره، يعبّرون عن المكتوب إليه بلقبه الخاص: كالوزير، والأمير، والحاجب، والقاضي، وما أشبه ذلك، وذكره بالسيادة وما في معناها، مفضّلين لفظ الجمع، كسيّدنا ومولانا على لفظ الإفراد كسيدي ومولاي، وينعتون المكتوب إليه بالجليل أو الحاجب «1» الجليل، ويجعلون الإفراد دون ذلك في الرتبة فيقولون: سيّدي، أو مولاي الأمير الجليل، أو الحاجب الجليل، ونحو ذلك. ثم توسّعوا في ذلك فجعلوا الدّعاء متوسّطا كلام الصدر على القرب من الابتداء، مقدّمين بعض كلام الصدر عليه، ومؤخّرين بعضه عنه، مثل أن يقال في المكاتبة بشكر: إذا كان الشّكر- أطال الله بقاء سيدنا
الأمير فلان- ترجمان النّيّة، ولسان الطويّة، وشاهد الإخلاص، وعنوان الاختصاص، وسببا إلى الزّيادة، وطريقا إلى السّعادة، وكانت معارفه قد أحاطت بمعادنه واستولت على محاسنه، فألسن آثارها مع الصّمت أفصح من لسانه، وبيانها مع الجحود أبلغ من بيانه، ونحو ذلك. ثم أحدثوا اصطلاحا آخر أضافوه إلى الاصطلاح الأوّل، فقدّموا على الدعاء لفظ «كتابنا» أو لفظ «كتابي» رتبة دون رتبة، مثل أن كتبوا: كتابنا- أطال الله بقاء الأمير! ونحن على أفضل ما عوّدنا الله من انتظام الأمور وسدادها، واستقامتها بحضرتنا واطّرادها، أو كتابي- أطال الله بقاء مولاي الحاجب- عن سلامة ينغّصها فقدك، وينتقصها فراقك، وما يجري مجرى ذلك. وربما أبدلوا لفظ كتابنا أو كتابي بلفظ كتبت بصيغة الفعل، وربما ابتدأوا بلفظ أنا ونحوه. ثم خرج بهم الاختيار إلى مصطلحات اصطلحوا عليها مع بقاء بعض المصطلح القديم، فخاطبوا بالحضرة تارة، وبالخدمة تارة، وبالمجلس أخرى، فكتبوا: كتابي، أطال الله بقاء حضرة سيّدنا الوزير، أو سيّدنا الأمير، ونحو ذلك، أو أسعد الله الحضرة، أو أسعد الله الخدمة، أو ضاعف الله جلال الخدمة، أو أعزّ الله أنصار الخدمة. وربما كتبوا: صدرت هذه الخدمة إلى فلان. وقد يكتبون: صدرت هذه الجملة، إلى غير ذلك من تفنّناتهم التي لا يسع استيعابها، ولا يمكن اجتماع متفرّقها.
قلت: وبالجملة فضبط صدور الإخوانيّات وابتداءاتها على هذا المصطلح غير ممكن لاختلاف مذاهبهم في ذلك، والذي تحصّل لي من كلام النحاس وابن حاجب النعمان، وترسّل أبي إسحاق «1» الصابي، والعلاء بن «2» موصلايا، وأبي