الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه الفضا، ونجهّز لجهتكم من أساطيلنا المنصورة ما يحمد في إمداد المناصرة ويرتضى، فالحمد لله على أن كفى المؤمنين القتال، وأذهب عنهم الأوجال، ويسّر لهم الأعمال، وهيّأ لخلافتكم السنيّة وللمسلمين هناء يتضمّن السلامة لكم ولهم على تعاقب الأعوام والسّنين.
وبحسب ما لنا فيكم من الودّ الذي أسّست المصافاة بنيانه، والحبّ الذي أوضح الإخلاص برهانه، وقع تخيّرنا فيمن يتوجّه من بابنا الكريم لتفصيل مجمله، وتقرير ما لدينا فيه على أتمّ وجه الاعتقاد وأكمله، على الشيخ، الأجل، الشريف، المبارك، الأصيل، الأسنى، الحظيّ، الأعز، الحاج، المبرور، الأمين، الأحفل، الأفضل، الأكمل؛ أبي عبد الله محمد، ابن الشيخ الأجلّ، الأعزّ، الأسنى، الأوجه، الأنوه، الأرفع، الأمجد، الآثر، الأزهى، الشريف، الأصيل، المعظّم المثيل، الأشهر، الأخطر، الأمثل، الأجمل، الأفضل، الأكمل، المرضيّ، المقدّس، المرحوم أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم بن نفيس الحسني العراقي، وصل الله تعالى سعادته، وأحمد على حضرتكم السّنيّة وفادته، حسب ما يفي بشرح ما حمّلناه نقله، ويكمل بإيضاحه لديكم يقظته ونبله، إن شاء الله تعالى، وهو سبحانه وتعالى يديم سعادتكم، ويحفظ مجادتكم، ويسني من كل خير إرادتكم، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجملة الرابعة (في عادة الكتب الواردة عن صاحب الأندلس)
والرسم في ذلك أن يكتب «الأبواب الشريفة» ويصفها، ثم يقول:
«أبواب السلطان الفلاني» ويصفه، ويذكر ألقابه، ثم يدعو له، ثم يقول:
«سلام كريم» ويصفه، من فلان، ويذكر السلطان المكتوب عنه، ثم يقول: أما بعد حمد الله، ويأتي بخطبة في المعنى تشتمل على التحميد، والتصلية على
النبي صلى الله عليه وسلم، والرّضا عن الصحابة رضي الله عنهم، ثم يقول: فإنا كتبنا إليكم، ويأتي على ما يناسب المقام، ثم ينخرط في سلك المقصود إلى آخره ويختم بالدعاء.
وهذه نسخة كتاب كتب به عن أمير المسلمين السلطان أبي «1» عبد الله محمد ابن أبي الحجّاج يوسف بن نصر بن الأحمر، صاحب غرناطة- من الأندلس، إلى السلطان الملك الأشرف «شعبان «2» بن حسين» ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون، إنشاء الوزير أبي عبد الله بن «3» الخطيب، صاحب ديوان إنشائه، يشير فيه إلى حادثة الفرنج بالإسكندرية، الواقعة في سنة سبع وستين وسبعمائة، إلّا أنه وهم في لقبه الملوكيّ فلقبه المنصور. وهي:
الأبواب الشريفة التي تعنو لعزّة قدرها الأبواب، وتعتزي «4» إلى نسب عدلها الحكمة والصّواب، وتناديها الأقطار البعيدة مفتخرة بولائها، واصلة السبب
بعلائها، فيصدر بما يشفي الجوى منها الجواب. فإذا حسن مناب عن أئمة الهدى، وسبّاق المدى، كان منها عن عمومة النّبوّة النّوّاب، وإذا ضفت على العفاة بغيرها أثواب الصّلات «1» ، ضفت منها على الكعبة المقدّسة الأثواب- أبواب السلطان الكبير، الجليل الشهير، الطاهر الظاهر، الأوحد الأسعد، الأصعد الأمجد، الأعلى العادل، العالم «2» العامل الكامل الفاضل، الكافل، سلطان الإسلام والمسلمين، رافع ظلال العدل على العالمين، جمال الإسلام، علم الأعلام، فخر الليالي والأيّام، ملك البرّين والبحرين، إمام «3» الحرمين، مؤمّل الأمصار والأقطار، وعاصب تاج الفخار، هازم الفرنج والتّرك والتتار، الملك المنصور أبي الفتوح شعبان، ابن الأمير الرفيع المجادة، الكريم البنوّة والولادة.
الطاهر الظاهر، الكبير الشّهير، المعظّم الممجّد الأسمى، الموقّر الأعلى، فخر الملّة، سيف الأمّة، تاج الإمارة، عزّ الإسلام، جمال الأيّام «4» ، قمر الميادين، أسد أجمة لدين، سمام الطّغاة والمعتدين، المقدّس المظفّر، الأمير أبي «5» عليّ حسين، ابن السلطان الكبير، الشهير، ملك الإسلام «6» والمسلمين، والد السلاطين، [سيف خلافة الله في العالمين، وليّ أمير المؤمنين، وظهير الدين]«7» سلطان الحجّ والجهاد، وكاسي الحرم الأمين، قامع المعتدين، قاهر الخوارج والمتمرّدين، ناصر السنّة، محيي الملّة، ملك البرّين والبحرين، مقيم رسوم الحرمين الشريفين، العادل «8» ، العالم، العامل، الطاهر الظاهر، الأسعد،
الأصعد الأوحد، الأعلى المنصور، المؤيّد المعان، المرفّع المعظّم، المبجّل المؤمّل، المجاهد المرابط، الغازي، أبي «1» عبد الله محمد بن قلاوون، الصالحيّ أبقاه الله، وفلق الصباح «2» يشهد بكماله، وخدمة الحرمين الشريفين، طراز مذهب على حلّة أعماله، ومسوّرات الإسلام، آمنة على طول الأيام، من إهماله، ولا زال ركنا للدّين الحنيف، تتزاحم على مستلمه الشريف، شفاه أمّاله.
سلام كريم، برّ عميم، كما استودعت الرياض أسرارها صدر النسيم، وأرسلت مطالع الفجر أنهارها، من بحر الصبّاح الوسيم، يسري من الطّيب، والحمد المطيل «3» المطيب، في الصّوان الكريم، ويقف موقف «4» الأدب والفهامة، بما استحفظ من الأمانة إلى محل «5» الإمامة، وقوف الحفيظ العليم، يعتمد مشارع تلك الأبواب الشارعة إلى الفضل العميم، المقابلة لذمام وسائل الإسلام بالصّدر المشروح، والبرّ الممنوح، والقلب السليم. من معظّم سلطانه، ومجلّ شانه، المفتخر بالانتظام في سلك خلصانه «6» ، أمير المسلمين بالأندلس، عبد الله الغني «7» بالله، محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن نصر، بلّغه الله من رضاه أقصى سؤله، وأعانه على جهاد عدوّ الله وعدوّ رسوله.
أما بعد حمد الله جاعل قلادة الإسلام، على الدوام، آمنة من الانخرام،
والانتثار «1» ، مفصّلة النّظام، بخرز «2» المآثر العظام، والآثار، معرّف أهلها، في حزن البسيطة وسهلها عوارف الصّنع المثار، وإقالة العثار، القويّ العزيز، الذي لا يغالب قدره بالاحتشاد والاستكثار، ولا يبدّل غيبه المحجوب، بعد ما عيّن حكمه الوجوب «3» ، في خزائن الاستئثار «4» ، حتّى تظهر خبيئة عنايته بأوليائه، المعترفين بآلائه، بادية للأبصار، فيما قرب وبعد من الأعصار، ورحمته عند الاستغاثة به والانتصار، في مختلف الأقطار والأمصار، الوليّ الذي لا تكدّر هبات فضله شروط الاعتصار «5» ، ولا تشين خطب حمده ضرائر الاقتصار والاختصار.
والصلاة والسّلام «6» على سيدنا محمد رسوله، نخبة الأكوان، وسرّ الدّهور والأزمان، وفائدة الأدوار، نور الله المتميّز باختصاصه، واستصفائه واستخلاصه، قبل خلق الظّلمات «7» والأنوار، ورحمته الوارفة الشاملة، الهامية الهاملة، على الهضاب والوهاد والنّجاد والأغوار، أقرب عوالم الشّهادة والخلق، إلى حضرة الحقّ، على تعدّد الرّتب وتفاضل الأطوار، منقذ الناس من البوار، ومبوّئهم من جوار الله خير الجوار، نبيّ الرحمة والجهاد والغوار، المنصور على الأحزاب عند ما استداروا بمثوى نبوّته على الأطم والأسوار دور السّوار، الواعد عن ربه بظهور دينه الحقّ على الأديان فمهما أوقدوا نار «8» الحرب تكفّل الله لهم بإطفاء النار وإخماد الأوار.
والرّضا عن آله وأصحابه حماة الذّمار، ومقتحمي الغمار، وباذلي كرائم «9»
الأموال من دونه ونفائس الأعمار، القائمين في سماء ملّته للاهتداء بسننهم، والاقتداء بسننهم، مقام النجوم الهادية والأقمار، ما صقلت مداوس «1» النّسيم سيوف الأنهار، وخجل الورد من تبسّم البهار، وغازلت عيون زهر المجرّة عيون الأزهار، وطرد أدهم الليل أشهب النهار.
والدّعاء لتلك الأبواب، المتعدّدة الحجّاب، المعوّدة باجتلاء غرر الفتوح، والمطالع المشيدة المصانع على العزّ الممنوح، والأواوين، المؤيّدة الدّواوين، بالملائكة والرّوح، بإعلاء المظاهر والصّروح، وإنارة الله تعالى بأهلّة تلك السّروج ساحات تلك السّروح «2» ، ولا زالت أقلام بشائرها تأتي على سورة الفتح بأكمل الشّروح.
فإنا كتبناه لمثابتكم السلطانية دار العزّ «3» الأحمى، والملك الأشرف الأسمى، والصّيت البعيد المرمى، كتب الله لها من عنايته- وقد فعل- أوفر مقاسم النّعمى، وجعل غيث نوالها الأهمى، وحظّ جلالها من الله الأنمى، ودامت كواكب سعودها تمزّق جلابيب الظّلما، وأخبار بأسها وجودها، وسعادة وجودها، تهديدها على البعد ركائب الدّأما، وترفرف برياح ارتياحها أجنحة بنات الما. من منزلنا المحبور، بسعادة سلطانكم المنصور، وخزي عدوّه المدحور، بحمراء غرناطة، دار ملك الجهاد بجزيرة ثغر «4» الأندلس، والى الله عنها الدّفاع، وأنار بمشكاة نوره، الذي وعد بإتمامه الأعلام منها والأيفاع، ووصل لها بشرف مخاطبتكم الارتفاع والانتفاع، حتّى تشفع بتهانيكم الأوتار وتوتر «5» الأشفاع، وآلاء الله لدينا، بنعمة دين الإسلام علينا، قد أخجلت اللسان الشّكور، وإن استنفدت الرّواح والبكور، والثّقة بالله في هذا الثغر الغريب قد كثّرت العدد المنزور، والحقّ
الصّريح «1» قد كافح الزّور، والتّوطين على الشهادة قد شرح الصّدور، واقتطع في الجنة المنازل والدّور، والمعرفة بمقام تلك الأبواب الشريفة عقيدة «2» لا تبدّل وأدواح علائها حمائم الحمد بها تتهدّل، ومحافل ثنائها تتراكم في سمائها الألوّة «3» والمندل، [والحال ما علمتم: بحر زاخر الأمواج، وعدوّ وافر الأفواج] «4» وحرم لولا اتّقاء الله مقتحم السّياج «5» ، وجياد ضمّرتها مصابرة الهياج، وداء على الأيّام متوقّع الاهتياج، وعدد إلى الإصراخ «6» والإنجاد عظيم الاحتياج فالنفوس إلى الله تجهّز «7» وتسلّم، والصّبيان في المكاتب تدرّب على مواقف الشهادة وتعلّم، والألسنة بغير شعار الإسلام لا تنبس غالبا ولا تتكلّم، إلّا أنّ عادة الخبير اللّطيف، تخفيف «8» الذّعر المطيف، ونصر النّزر الضعيف، على عدد التضعيف، والحال تزجى بين الحرب والسّلم، والمكالمة والكلم، وتأميل الجبر، وارتقاب عاقبة الصّبر، على حماة الدّبر.
وإلى هذا فإننا اتّصل بنا ما رامت الرّوم «9» من المكيدة التي كان دفاع الله من دونها سدّا، والملائكة جندا، والعصمة سورا، والرّوح الأمين مددا منصورا، وأنها استنفدت الوسع في احتشادها، حتّى ضاقت اللّجج عن أعوادها، وبلغت المجهود في استنفادها «10» ، حتّى غصّ كافر البحر بكفّارها، يصيح بهم التأليب،
ويذمّرهم الصليب، وقد «1» سوّل لهم الشيطان كياد ثغر الإسكندرية شجا صدورهم، ومرمى آمال غرورهم «2» ، ومحوّم قديمهم، ومتعلّل غريمهم، ليهتموا ثغر «3» الإسلام بصدمتها، ويقودوا جنائب «4» الساحل في رمّتها، ويرفعوا عن دينهم المعرّة، ويتلقّفوا في القدس كرة الكرّة، ويقلّصوا ما امتدّ من ظلال الإسلام، ويشيموا «5» سيوف التغلّب على الشام، ويحولوا بين المسلمين وبين محطّ أوزارهم، وحجّهم ومزارهم، وبيت ربّهم، الذي يقصدونه من كل فجّ عميق، ويركبون إليه نهج كلّ طريق، وقبر نبيّهم الذي يطفئون بزيارته من الشّوق كلّ حريق، ويكحلون الجفون بمشاهدة آثاره عن بكاء وشهيق، وشوق بذلك الحبيب خليق، ويقطعوا حبل المسلمين حتّى «6» لا يتأتّى بلوغ فريق ولا غرض تشريق، والله من ورائهم محيط، وبدمائهم مشيط، وبعباده بصير، ولدينه الحقّ وليّ ونصير، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون*
«7» فما هو إلّا أن صمأ «8» جرادهم، وخلص إليها مرادهم، وفاض عليها بحرهم، وعظم من المحاولة أمرهم، حتّى اشترك الشّرك بعض أسوارها، ونال النهب مستطرف ديارها، وظنّت أنها الوهية التي لا ترفع، والمصيبة التي غلّتها لا تنقع، واشتعل «9» الباس، وذعر الناس، وأرى الشّدّة من تدارك «10» بالفرج، وأعاد إلى السّعة من الحرج، وأنشأ ريح النّصر عاطرة الأرج، ونصر حزب الإسلام من
لا غالب لمن ينصره، وحصر العدوّ «1» من كان العدوّ يحصره، وظهر الحقّ على الباطل، والحالي بزينة الله على العاطل، فخرج العدوّ الخاسر عما حازه والسّيوف ترهقه حيث تلفيه، والسّهام تثبته وتنفيه، وغرماء كرّة الإسلام تستقضي «2» منه دينها وتستوفيه، والخزي قد جلّل سباله الصّهب، وحنّاءالدّماء قد خضبت مشيخته الشّهب، والغلب قد أخضع رقابه الغلب، فكم من غريق أردته دروعه، لمّا حشي بالرّوع روعه، وطعين نظمت بالسّمهريّ «3» ضلوعه، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين، وأحقّ الله الحقّ بكلماته وقطع دابر الكافرين، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين
«4» فأيّ رحمة منشورة ضفت على الإسلام ظلالها، وخطّة نعمة اتّسع نطاقها ورحب مجالها، ومجلى صنيعة راق عيون المؤمنين جمالها، فاهتزّت «5» بها الأرض وربت، وبشكر الله جل جلاله أعربت، واستبشرت النّفوس، وذهب البوس، وضفا بمنّة الله اللّبوس، وظهرت عناية الله بمقامكم، وإقالة عثرة الإسلام في أيّامكم، فما كان الله سبحانه ليضيع لكم خدمة الحرمين، وإنّها للوسيلة الكبرى، والذّريعة إلى سعادة الدنيا والأخرى، وهي عهدة الله التي يصونها من كل اهتضام، وقلادته التي ما كان «6» يتركها بغير نظام. وكان من لطائف هذا الفتح الذي أجزل البشرى، وأوسع أعلام الإسلام نشرا، وروده بعد أن شفيت العلّة، ونصرت الملّة، وبعد أن جفا الدهر وتجافى، وعادى ثمّ صافى، وهجر ووافى، وأمرض ثم عافى، فلو ورد مقدّمه قبل تاليه، ونقده متأخّرا «7» عن كاليه، أو كانت أواخره بعيدا ما بينها وبين أواليه،
لأوحشت «1» الظّنون وساءت، وبلغت الهموم من النّفوس ما شاءت، فإنّ الإسلام كالجسد يتداعى كلّه لتألّم بعضه، ويتساهم إخوانه في بسطه وقبضه، وسماؤه مرتبطة بأرضه، ونفله متعلّق بفرضه، فالحمد لله الذي خفّف الأثقال «2» وألهم حال الضّرّ الانتقال، وسوّغ في الشّكر المقال، وزار وأقال، وجمع بين إيقاظ القلوب، وإنالة المطلوب، وإن وجد العدوّ طعم الإسلام مرّا فما «3» ذاقه، وعوده صلبا فما أطاقه، ورفع عن طريق بيت الله ما عاقه، وقاد إليكم في بيوتكم فضل الجهاد وساقه [وردّ المكر السّيّيء على العدوّ وأحاقه]«4» فما كانت هذه المكيدة إلا داهية للكفر طارقة، ونكثة لعصب «5» التثليث عارقة، ومعجزة من آثار النبيّ الشريف لهذا الدين المنيف خارقة، واستأصلت «6» للعدوّ المال، وقطعت الآمال، وأوهنت اليمين والشّمال؛ فبادرنا عند تعرّف الخبر، المختال من أثواب المسرّة في أبهى الحبر، المهدي أعظم العبر، إلى تهنئتكم تطير بنا «7» أجنحة الارتياح، مبارية للرّياح، وتستفزّنا دواعي الأفراح، بحسب الودّ الصّراح، وكيف لا يسرّ اليسار بيمينه [والوجه بجبينه، والمسلم بدينه، وخاطبناكم مهنئين ولولا العوائق]«8» التي لا تبرح، والموانع التي وضحت حتّى لا تشرح، ومكايدة «9» هذا العدوّ الذي يأسو به الدّهر ويجرح، لم نجتز بإعلام القلم، عن إعمال القدم، حتّى نتشرف [بالورود على تلك المثابة الشريفة، ونمتاز بزيارة الأبواب المنيفة، فيقضى]«10» الفرض تحت رعيها، وبركة سعيها، لكن المرء جنيب أمله، ونيّة المؤمن أبلغ من
عمله. فهنيئا بما خوّلكم «1» الله من ظفر شهدت برضى الله مراسمه، وافترّت عن ثغور العناية الربّانيّة مباسمه، وتوفّرت لديكم مواهبه ومقاسمه، ويهنّيء البيت المقدّس مكان فضل الله ومنّه، وسلامة مجنّه، ويهنّيء الإسلام عصمة ثغره المؤشر، وطهارة كتابه المنشر، وجمال عنوانه، وقفل صوانه «2» ، وباب إيوانه، مرفأ «3» الفسطاط، ومركز لواء الرّباط، ومحطّ رحال «4» الاغتباط، ومتخيّر الإسكندر عند البناء والاختطاط. ومما زادنا بجحا «5» بهذا الفتح، وسرورا زائدا بهذا المنح، ما تحقّقنا أنه يثير من شفقة المسلمين لهذا القطر الذي لا يزال يطرقه ما طرق الإسكندرية على مرّ الأيام، وتجلب عليه برّا وبحرا عبدة الأصنام، بحيث البرّ موصول، والكفر بكثرة العدد يصول، ونيران الجوار [مترائية للعيان، والفراسخ القليلة]«6» متوسّطة بين مختلف النّحل والأديان، والعدد لا ينسب، والصّريح إلّا من عند الله لا يحسب، فتنجدنا بالدعاء ألسنة فضلائه، وتسهمنا خواطر صالحيه وأوليائه، والله لا يقطع عن الجميع عوائد آلائه، ويعرّفنا بركة أنبيائه «7» ، وينصرنا في أرضه بملائكة سمائه.
وقد كان اتّصل بنا في هذه الأيّام الفارطة الذّخر الذي ملأ اليد استكثارا، والخلد «8» اعتدادا واستظهارا، والهمم فخارا، وأضاء القطر أنوارا، جوابكم الكريم يشمّ «9» من نفحاته شذا الإذخر «10» والجليل، وتلتمس من خلال حافاته