الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني: قصص رسل من غير أولي العزم
1-
قصة هود عليه السلام مع قومه
1.
أرسل الله هودًا عليه السلام إلى قومه عاد وكانوا يسكنون بالأحقاف بين عُمان وحضرموت، وكانوا يعبدون الأصنام ومنها: صداء وصمود والهباء2، فأخذ هود عليه السلام يدعوهم إلى توحيد الله وترك عبادة الأصنام، قال تعالى:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَاّ مُفْتَرُونَ} 3.
لقد سمى هود عليه السلام مشركي قومه كذابين مفترين؛ لأنه ليس أكذب ممن يعبد الأصنام ويعطيها صفة الألوهية ويخصها بما هو حق خالص لله تعالى.
وقد ذكر هود قومه بنعم الله عليهم ليوصلهم إلى وجوب شكر المنعم بتوحيده، ومن هذه النعم استخلافهم بعد قوم نوح وزيادة أجسامهم في الطول والقوة وإرسال المطر في السماء ونعمة الأنعام وغيرها من النعم، قال تعالى عنه:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 4. وقال: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ
1 انظر السور التالية: الأعراف 65-72، هود 50-60، الشعراء 123-140، العنكبوت 38، فصلت 14-18، الأحقاف 21-28، الذاريات 41-42، النجم 50، القمر 18-21، الحاقة 4-8 وانظر القصة مفصلة بتفسير الطبري 8/118.
2 انظر تفسير الطبري 8/117.
3 سورة هود آية 50.
4 سورة الأعراف آية 69.
مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} 1. وقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} 2.
وكل هذا التذكير بنعم الله عليهم وبقوم نوح من قبلهم الذين دمرهم الله بشركهم وكل التخويف من بأس الله لا يزيدهم إلا استكبارًا وعنادًا للحق حتى قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّة} 3.
ثم وصفوا هودًا عليه السلام بالسفاهة وأن بعض آلهتهم أصابته بسوء وأنهم لن يتحولوا عن دين آبائهم: {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ، إِنْ هَذَا إِلَاّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ، وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} 4.
ويبين لهم هود عليه السلام أن هذه الأصنام ليست إلا مجرد أسماء ولا حقيقة لمسمياتها وليس لها صفة الألوهية؛ لأنها من اختراع آبائهم فيقول لهم: {أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} 5.
ويزداد قومه عنادًا واستكبارًا عن الحق فيتحداهم هود عليه السلام ويتحدى أصنامهم معلنًا براءته منها؛ لأنه متوكل على الله المتفرد بالألوهية: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ، إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 6.
وهكذا يستمر قوم هود على عنادهم وفرارهم من التوحيد متمسكين بأصنامهم
1 سورة هود آية 52.
2 سورة الشعراء 131-134.
3 سورة فصلت آية 15.
4 سورة الشعراء آية 136-137.
5 سورة الأعراف آية 71.
6 سورة هود آية 54 - 56.
إلى أن ينزل الله بهم العذاب بالريح العاتية الشديد بردها وصوتها وهبوبها: قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ، تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ، فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} 1.
وهكذا تكون النهاية الأليمة للمشركين أعداء الله ورسله ودعوته وينجي الله المؤمنين المستضعفين على قلتهم؛ بتوحيدهم وتوكلهم على الله، فليكن ذلك عبرة لكم يا كفار قريش، وأنتم لستم بأعز على الله من عاد قوم هود إن تمسكتم بشرككم وتكذيب رسولكم.
1 سورة القمر آية 19- 22.