الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} 1؛ وذلك لأن كمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله، وكلما ازداد عبودية لله كلما ازداد كماله وعلت درجته، ومن توهم أن الخروج عن العبودية أكمل وأنه سقط عنه التكليف الشرعي أو عن غيره كالخضر أو الرسول، فهو جاهل ضال كافر، وذلك لأن الغاية الوحيدة التي خلق الله من أجلها الخلق وأحبها ورضيها لهم هي العبادة، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُون} 2، ومن لم يكن عابدًا لله فلا شك أنه واقع في عبودية غيره، لأنه لا بد أن يكون للقلب مراد محبوب هو منتهى حبه وإرادته، فمن لم يكن الله محبوبه ومعبوده، كان غير الله له محبوبًا مرادًا، إما الصنم أو الشمس والقمر الكواكب، أو الملائكة والأنبياء والصالحين أو المال والجاه والسلطان، أو المبادئ والشعارات واللافتات اللا إسلامية، لما لها عليه من سلطان وقهر، ولما يعطيها من الخضوع والطاعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أُعطى رضي وإن لم يُعط لم يرض" 3، فمن لم يكن عبدًا لله كان عبدًا لهواه ولما يهواه، لأن الرق والعبودية الحقيقية هو رق القلب وعبوديته4.
1 سورة الحجر آية 99.
2 سورة الذاريات آية 56.
3 رواه البخاري في الجهاد 70 وفي كتاب الرقاق.
4 انظر كتاب العبودية ص38 - 99 ومدارج السالكين 1/101 والتنبيهات السنية ص75.
هـ-
شروط صحة العبادة وأنواعها:
إن الأساس الذي تدور عليه العبادة هو توحيد الله تعالى في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، ولذلك يرد في القرآن اقتران الأمر بالعبادة بالتوحيد كقول الله تعالى:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} 1. وكقوله تعالى
1 سورة طه آية 14.
{رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} 1، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} 2، ولذلك لا تصح العبادة إلا إذا توفر شرطاها وهما: الإخلاص والمتابعة، وأعني بالإخلاص: أن تكون العبادة خالصة لله ولا شريك معه فيها غيره سواء بالعمل أو بالنية، وأعني بالمتابعة: أن تقع وفق ما سنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو المبين عن الله مراده في آياته، وليس لنا حق الاعتراض أو الزيادة أو النقص، ومن استحل ذلك خرج من الملة، قال تعالى:{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون} 3، فقوله: مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ} ، إشارة إلى الإخلاص، وقوله {وَهُوَ مُحْسِنٌ} إشارة إلى المتابعة، وقد قيل للفضيل بن عياض عن قوله تعالى:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} 4 فقال: أخلصه وأصوبه قيل: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا وصوابًا، فالخالص: أن يكون لله وحده، والصواب: أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم5.
وأما أنواع العبادة فهي تشمل الإنسان كله، حتى لم يبق فيه جزء لم يشترك في العبادة، وعليه تتنوع العبادة إلى خمسة أنواع:
1-
العبادات القلبية: وهي الأساس لما بعدها؛ لأنه يترتب على الإخلال بها الدخول في الشرك الأكبر أو الأصغر، وسميت قلبية؛ لأنها من عمل القلب
1 سورة مريم آية 65.
2 سورة الأنبياء آية 25.
3 سورة البقرة آية 112.
4 سورة تبارك الملك آية 2.
5 التنبيهات السنية ص 75.
وحده، وأعظمها: أن يعتقد الإنسان بانفراد الله تعالى بالربوبية والألوهية والأسماء الحسنى والصفات العلى، وأن له الكمال المطلق من غير تشبيه أو تمثيل أو تكييف أو تعطيل، ويعتقد بجميع ما أنزل الله على رسوله مما هو معلوم من الدين بالضرورة ولا يسع المسلمَ جهلُه. ومنها الحب، والخوف، والإخلاص، والتوكل، والصبر، والرجاء، وغيرها، والمقصود: أن لا نشرك فيها أحدًا مع الله، أما الحب الطبيعي كحب الولد، أو الخوف الطبيعي كخوف الحيوان المفترس، فلا يدخل في النهي.
2-
العبادات القولية: وتسمى اللفظية لأنها تنطق باللسان، وأعلاها: كلمة التوحيد، فمن اعتقد بكل ما سبق ولم ينطق بكلمة التوحيد من غير عذر كالأبكم، لم يحقن دمه ولا ماله، ومنها الذكر والدعاء والتسمية وكذلك الاستعاذة والاستغاثة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلوم.
3-
العبادات البدنية: وهي التي يؤديها الجسم، كالصلاة والصوم وأفعال الحج والجهاد بالنفس، والرحلة في طلب العلم أو لكسب القوت الحلال.
4-
العبادات المالية: وهي التي تعتمد على المال وحده، كالزكاة والصدقات والنذور والذبائح والهدي1.
5-
العبادات البدنية المالية كالحج.
1 انظر دعوة التوحيد ص48 - 69، وتطهير الاعتقاد ص10- 11.