الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
دليل العجز
وفيه نقطتان:
أ- عجز الأصنام في الدنيا
ب- عجز الأصنام في الآخرة.
أ- عجز الأصنام في الدنيا
قال تعالى: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ، يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} 4، وقال تعالى:{قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا} 2، وقال تعالى:{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} 3، وقال تعالى:{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} 4.
في هذه الآيات يذم الله تعالى عبدة الأوثان؛ لأنها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضرًّا عن نفسها ولا عن عابديها، ويأمر نبيه صلي الله عليه وسلم أن يجابههم سائلًا إياهم عن آلهتهم لتقريرهم بأنها لا تملك ضرًّا ولا نفعًا ولا تملك كذلك حماية عبادها من الله إن أرادهم بمكروه، فالحافظ الوحيد لخلقه ليلًا ونهارًا هو الله، وهذا ما ورد بقوله تعالى:{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا} 5، فقوله تعالى:{قُلِ اللَّهُ} بعد قوله: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ}
1 سورة الحج آية 12-13.
2 سورة الإسراء آية 56
3 سورة الأنبياء آية 42-43.
4 سورة الزمر آية 38.
5 سورة الرعد آية 16.
وَالأَرْضِ} ، هو حكاية لاعتراف المشركين وتأكيد للحجة عليهم، لأنه إذا قال لهم: من رب السماوات والأرض؟ لم يكن لهم بد من أن يقولوا: الله، كقول المناظر لصاحبه: أهذا قولك؟ فإن أجاب بنعم، يحكي المناظر عندها قوله وإقراره تقريرًا للحجة عليه قائلًا له: فعلى قولك يلزمك كذا وكذا، وقد يجوز أن يكون قوله:{قُلِ اللَّهُ} تلقينًا للجواب، والمعنى إذا سألتهم عن رب السماوات والأرض ولم يجيبوا فقل أنت: الله، فإنهم سيتلقون الجواب ولا يقدرون على إنكاره، وأما قوله تعالى:{قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} فهو استفهام إنكاري، أي أبعد أن علمتم أن الله هو رب السموات الأرض اتخذتم من دونه أولياء لا يستطيعون ضر أحد أو نفعه بل ولا لأنفسهم، فجعلتم ما كان يجب أن يكون سببًا للتوحيد من علمكم وإقراركم جعلتموه سببًا للإشراك؟ كيف آثرتم الإشراك على التوحيد بإيثاركم الأصنام على الخالق الرازق المحيي المميت رب السماوات والأرض؟ فما أبين ضلالكم وبعدكم عن الحق1.
وقد استعمل إبراهيم عليه السلام هذا الدليل لإقامة الحجة على قومه عندما كسر الأصنام، ففي هذا أوضح دليل على عجزها عن نصرة أنفسها والإضرار بمن كسرها، فكيف تملك ذلك لعابديها؟ يقول تعالى:{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ، وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا} 2، فقد بين إبراهيم لقومه أنه لا يخاف أصنامهم لأنها لو كان بها قدرة على النفع والضر لانتقمت منه عند تكسيرها، ولذلك قال لقومه {أَفَلا تَتَذَكَّرُون} أي أفلا تعتبرون بحالها وأنه ليس لكم في عبادتها حجة3.
1 انظر تفسير الكشاف 2/355 وتفسير الطبري 17/29 و24/7.
2 سورة الأنعام 80-81.
3 انظر تفسير الطبري 7/253.
ولكن قوم إبراهيم لم يتعظوا بهذه الحجة الدامغة كما اتعظ بها الصحابي الجليل عمرو بن الجموح رضي الله عنه، فقد كان ابنه معاذ ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، وكانا شابين أسلما لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فكانا يعدوان على الأصنام ليلًا ويكسرانها ويعطيانها حطبًا للأرامل ليعتبر قومهما بذلك، فكان لعمرو بن الجموح سيد قومه صنم يعبده ويطيبه، فجاءا ليلًا فنكساه على رأسه ولطخاه بالعذرة، فلما جاء عمرو نهارًا ورأى ما بصنمه غسله وطيبه ووضع عنده سيفًا وقال له: انتصر من عدوك، ثم أخذاه في الليلة الثانية فقرناه مع كلب ميت ودلياه في بئر، فلما نظر عمرو إليه نهارًا اغتاظ منه وعلم أنه إله زائف وقال له:
تالله لو كنت إلهًا مستدن
…
لم تك والكلب جميعًا في قرن
ثم كسره وأسلم فحسن إسلامه واستشهد يوم أحد رضي الله عنه وأرضاه1.
وهذا الأعرابي يكسر صنمه عندما رأى ثعلبانًا يبول على رأسه وقال له:
أرب يبول الثعلبان برأسه
…
لقد ذل من بالت عليه الثعالب2
ب- عجز الأصنام في الآخرة
يقول تعالى: {أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ، قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 3، وقال تعالى:{مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} 4.
إن الأصنام عاجزة عن نفع عابديها في الآخرة، فلن يجدوا يوم القيامة ما كانوا
1 انظر القصة في تفسير ابن كثير 2/276.
2 انظر كتاب الأصنام ص47.
3 سورة الزمر آية 42-44.
4 سورة السجدة آية 4.
يتمنون من شفاعتها لهم، ولكن يجدوا منها العداء والتبرؤ، ويأمر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يتهكم بهم وبما ادعوه من شفاعتها؛ لأن ذلك محال غير واقع إذ كيف يزعمون شفاعتها والله يخير أنها لا تشفع؟ يقول تعالى:{وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1، والمعنى: أتنبئون الله بشفعاء لا يعلمهم في السماء والأرض وهو العالم بما فيهما المحيط علمه بكل شيء؟ إن عليكم إخلاص العبادة لله وحده وإفراده بالألوهية؛ لأنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه تعالى، وهذا وارد في قوله تعالى:{وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 2، فبهذا الاستثناء نفى سبحانه الشفاعة عن الأصنام وأثبتها لمن عُبد من دون الله من الموحدين كالمسيح وعزير والملائكة، إذا أراد الله ذلك، لأنهم ممن شهد بالحق ووحدانية الله تعالى3.
وبما أن الأصنام لا تملك الشفاعة في الآخرة فموقفها من عبادها سيكون موقف التبرؤ والعداء والتنكر لعبادتهم إياها، يقول تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا، فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا} 4، ويقول تعالى:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ، قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ، وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوْا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ} 5، وقال
1 سورة يونس آية 18.
2 سورة الزخرف آية 86.
3 انظر تفسير الطبري 25/104و11/98 و21/91 والكشاف 2/230.
4 سورة الفرقان آية 17-19.
5 سورة القصص آية 62-64.
تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} 1، وقال تعالى:{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} 2.
وهكذا يتبرأ المعبودون من عبدتهم يوم القيامة قائلين: يا ربنا ما أمرناهم بعبادتنا ونتبرأ إليك من عبادتهم لنا، فكلنا عبيدك ولا نتخذ وليًّا من دونك3.
وما مَثَلُ اتخاذ المشركين آلهة من دون الله يرجون نفعها وحمايتها لهم في الدنيا والآخرة، إلا كمثَل العنكبوت اتخذت بيتًا ليحميَها من الخطر، ولكنها فشلت في احتيالها لنفسها، فبيتها واهن ضعيف، وهكذا آلهة المشركين لن تغنيَ عنهم عند الخطر شيئًا لعجزها وضعفها4. وقال تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَاّ الْعَالِمُونَ} 5.
1 سورة فاطر آية 14.
2 سورة الأحقاف آية 6.
3 انظر تفسير الطبري 18/192 و19/16 و22/126.
4 انظر تفسير الطبري 20/152 والكشاف 3/206 وتفسير الطبري 13/345.
5 سورة العنكبوت آية 41-43.