الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ-
سلطان العقيدة على النفوس
كل عقيدة يحملها الفرد وتدين بها الأمة سواء أكانت صحيحة أم باطلة لا يقتصر أثرها على الناحية الفكرية استقامةً وانحرافًا، هدًى وضلالًا، بل لا بد وأن يظهر أثر هذه العقائد في جوانب الحياة المختلفة، ومن هنا جاءت الضرورة للعقيدة السليمة؛ لأنها الغذاء الروحي والضروري لسير الفرد والمجتمع في مضمار التقدم والحضارة.
وبمقدار تمسك الأمة وأفرادها بالعقيدة السليمة، بمقدار ما يكتب لهذه الأمة البقاء بشخصيتها المستقلة دون الذوبان في الأمم الأخرى.
وليس هناك عقيدة تحرر الإنسان من الشرك والعبودية لغير الله، كالعقيدة الإسلامية؛ لأنها عقيدة تصدر عن الله أولًّا، ولأنها تسيطر على جميع مجالات الحياة وعلى النفس الإنسانية بقوة أكثر من قوة القانون وسلطته، وبتكاليف أقل من تكاليف تنفيذ القانون.
والقانون وحده ما لم يستند إلى العقيدة فإنه يعتبر فاقدًا للقوة الروحية التي ينشأ عنها احترامه، فهو لن يضبط السلوك الإنساني في كل وقت ومكان، لإمكانية التحايل عليه والهرب من العقاب.
والعقيدة سارية المفعول على الحاكم والمحكوم؛ لأنها مستندة إلى سلطان الله، وأما القانون المستند لسلطان الحاكم فلا يسري عليه؛ لأنه هو منفذ هذا القانون ويفسره كما يشاء.
والعقيدة تمتاز عن القانون كذلك بأنها تنبع من الداخل، وتمتزج بضمير الإنسان ولا تفرض عليه من خارجه كالقانون، فهي تحكم التصرفات الظاهرة
والباطنة التي تقع خفية عن القانون، ولهذا فهي تملك أن تورث الأخلاق والفضائل، وتملك أن تقول للإنسان:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} 1، ولا يملك ذلك القانون إن لم يكن مستندًا إلى العقيدة والإيمان بالجزاء الآخروي؛ لأن سلطانه وجزاءه دنيوي جسدي، وسلطان العقيدة روحي وأخروي: روحي؛ لأنه ينفذ إلى روح الإنسان ويحكمه داخليًّا، وأخروي؛ لأنه يدفع صاحب العقيدة عند الزلل للتوبة والاستغفار وإن وجب عليه حد يدفعه ليكشف نفسه للحاكم ليقيم عليه الحد ولو كان حد الرجم حتى الموت، وهو مطمئن لهذا الحكم خوفًا من سخط الله وعقوبته في الآخرة، كما فعل ذلك ماعز الأسلمي والغامدية زمن الرسول صلى الله عليه وسلم2.
ومن هنا تبرز قيمة العقيدة كدافع وباعث نفسي داخلي للفرد لسلوك المسلك العملي والخلقي الصحيح؛ لأن صاحب العقيدة الصحيحة لا يخالف بعمله عقيدته، وإذا انفلت المرء من هذه العقيدة يكون قد ارتكس في حمأة الشهوات البهيمية التي لا يضبطها ضابط، ويضعف عقله وقوته باستمرار أمام نزواته وأهوائه؛ لأنه ليس له ركن شديد يأوى إليه.
وإذا استقرت العقيدة في النفوس أصبحت مستعدة للتلقى للتنفيذ في الشرائع والأعمال، ولذلك نجد القرآن دائمًا يربط بين العقيدة والتشريع في كل آياته، وعلى سبيل المثال لا الحصر: يقول تعالى في مسائل التحريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} 3، فربط تحريم الربا بالإيمان، ويقول تعالى في
1 سورة الزلزلة آية 7-8.
2 روي قصتهما مسلم في صحيحه في كتاب الحدود، عن جابر بن سمرة وابن عباس وأبي سعيد، مجلد3 حديث رقم 1692، وانظر كتاب الإيمان وآثاره والشرك ومظاهره. لزكريا يوسف ص11.
3 سورة البقرة آية 278.