المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ دليل نفي الولد عن الله تعالى - عقيدة التوحيد في القرآن الكريم

[محمد خليل ملكاوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌العقيدة ومكانتها

- ‌تمهيد الباب

- ‌تعريف العقيدة

- ‌تعريف العقيدة لغة

- ‌تمهيد

- ‌ تعريف العقيدة شرعًا

- ‌ مصدر العقيدة الإسلامية

- ‌مزايا العقيدة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌ عقيدة واضحة سهلة

- ‌ عقيدة فطرية

- ‌ عقيدة ثابتة محددة

- ‌ عقيدة مبرهنة

- ‌ عقيدة وسط

- ‌أثر العقيدة في سلوك الفرد والمجتمع

- ‌مدخل

- ‌ سلطان العقيدة على النفوس

- ‌ حالة العرب قبل الإسلام

- ‌ أثر هذه العقيدة في سلوك الفرد

- ‌ أثر العقيدة في سلوك المجتمع

- ‌ أمثلة لآثار العقيدة

- ‌ثبات عقيدة التوحيد وأنها أصل الرسالات

- ‌مدخل

- ‌مذاهب التطوريين والرد عليها

- ‌مدخل

- ‌ المذهب الطبيعي:

- ‌ المذهب الروحي:

- ‌ المذهب التوتمي:

- ‌أسباب القول بفكرة التطور

- ‌مدخل

- ‌ المصدر الأول: الكنيسة:

- ‌ المصدر الثاني: المبشرون:

- ‌ المصدر الثالث: الكتاب المعاصرون:

- ‌ بيان أسباب خطئهم في المنهاج الذي سلكوه

- ‌ الرد الإجمالي على نظرية التطور

- ‌حقيقة التوحيد

- ‌تمهيد الباب

- ‌معنى كلمة الإله، الرب، الدين، العبادة

- ‌مدخل

- ‌ معنى كلمة "الإله

- ‌تمهيد:

- ‌الله" علم على الذات الواجب الوجود

- ‌ أصل لفظ الجلالة "الله

- ‌ معنى لفظ الجلالة "الله" والاشتقاقات التي يرجع إليها

- ‌ سبب تسمية الأصنام آلهة

-

- ‌ معنى كلمة "الرب

- ‌الأصل الأول:

- ‌الأصل الثاني:

- ‌الأصل الثالث:

- ‌ معنى كلمة "الدين

- ‌معنى كلمة "العبادة

- ‌معنى كلمة عبد

- ‌ انقسام العبودية إلى عبودية عامة وعبودية خاصة

- ‌ الفرق بين العبودية العامة والخاصة:

- ‌ دعوة الرسل جميعًا إلى عبادة الله:

- ‌ شروط صحة العبادة وأنواعها:

-

- ‌ أنواع التوحيد وفي أيها وقع النزاع بين الرسل وأممهم

- ‌ أقسام التوحيد

- ‌ شبهة المنكرين لهذا التقسيم والرد عليها

- ‌ معاني أنواع التوحيد الثلاثة وكيف يحصل الإشراك بكل نوع منها

- ‌ توحيد الربوبية:

- ‌ توحيد الألوهية:

- ‌ توحيد الأسماء والصفات

- ‌ العلاقة بين أنواع التوحيد

-

- ‌ الضرورة إلى عقيدة التوحيد

- ‌ الحاجة للتوحيد في الآخرة:

- ‌ الحاجة للتوحيد في الدنيا:

- ‌فأما بالنسبة للحياة العامة:

- ‌وأما بالنسبة للمجتمع:

- ‌وأما بالنسبة للفرد:

- ‌المنهج القرآني في تقرير عقيدة التوحيد

- ‌تمهيد الباب

- ‌الفصل الأول: تقرير القرآن للتوحيد بالأدلة الكونية

- ‌تمهيد

- ‌اشتمال الآيات القرآنية الكونية على دليلي الخلق والعناية

- ‌مدخل

- ‌ دليل الخلق

- ‌ شبهة الطبيعة

- ‌ دليل العناية:

- ‌ شبهة المصادفة

- ‌آية السماء والأرض

- ‌ آية الشمس والقمر والليل والنهار

- ‌ آية الرياح والمطر والنبات

- ‌تمهيد

- ‌ الأمثال المضروبة لله ولما يعبد من دونه:

- ‌ المثل المضروب لكلمة التوحيد وكلمة الشرك

- ‌ المثل للحق والباطل

- ‌ أمثلة عجز آلهة المشركين

- ‌الأمثال المضروبة لوصف حالة المشرك والموحد

- ‌ مثل قلب الموحد وقلب المشرك

- ‌ أمثلة وصف حواس الموحد وحواس المشرك

- ‌ مثلان لبيان فساد أعمال المشركين

- ‌الفصل الثالث: تقرير القرآن للتوحيد بالقصص القرآني

- ‌تمهيد

- ‌القسم الأول: قصص أربعة من أولي العزم من الرسل

- ‌ قصة نوح عليه السلام مع قومه

- ‌ قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه

- ‌ قصة موسى عليه السلام

- ‌قصى عيسى بن مريم عليهما السلام

- ‌القسم الثاني: قصص رسل من غير أولي العزم

- ‌ قصة هود عليه السلام مع قومه

- ‌ قصة صالح عليه السلام مع قومه

- ‌ قصة شعيب عليه السلام مع قومه

- ‌ قصة يونس عليه السلام

- ‌ قصة يوسف عليه السلام

- ‌قصة سليمان عليه مع بلقيس

- ‌القسم الثالث: قصتان لغير الرسل من الموجودين

- ‌قصة أصحاب الكهف

- ‌ قصة أصحاب الأخدود مع الموحدين

- ‌الفصل الرابع: تقرير القرآن للتوحيد بالتذكير بنعم الله

- ‌تمهيد:

- ‌نعمة الشمس والقمر والليل والنهار

- ‌مدخل

- ‌ نعمة الشمس والقمر:

- ‌ نعمة الليل والنهار:

- ‌نعمة الأرض والجبال

- ‌مدخل

- ‌ نعمة الأرض:

- ‌ نعمة الجبال:

- ‌نعمة البحر

- ‌مدخل

- ‌نعمة تيسير الفلك فيه

- ‌ نعمة استخراج اللحم الطري

- ‌ نعمة استخراج الحلي

- ‌ نعمة عدم اختلاط الماءين المالح والحلو

- ‌نعمة الرياح والمطر والنبات

- ‌مدخل

- ‌ نعمة الرياح:

- ‌ نعمة المطر:

- ‌ نعمة النبات:

- ‌نعمة الأنعام

- ‌مدخل

- ‌ نعمة التذليل:

- ‌ نعمة الركوب والحمل:

- ‌ نعمة الجلد وما فيه من صوف وشعر ووبر:

- ‌ نعمة اللبن:

- ‌ نعمة اللحم:

- ‌ نعمة السمع والبصر:

- ‌ نعمة الأمن

- ‌الفصل الخامس: تقرير القرآن للتوحيد بالأدلة العقلية

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: الكلام على الأدلة العقلية المتعلقة بالله

- ‌ دليل الخلق والملك:

- ‌ دليل عدم فساد الكون

- ‌ دليل نفي الولد عن الله تعالى

- ‌ دليل الرزق:

- ‌ دليل النوائب:

- ‌المبحث الثاني: الكلام على الأدلة العقلية المتعلقة بالأصنام

- ‌ دليل النقص:

- ‌ دليل العجز

- ‌مميزات طريقة القرآن الكريم على طريقة المتكلمين والفلاسفة في تقرير عقيدة التوحيد

- ‌تمهيد الباب

- ‌ميزة طريقة المتكلمين

- ‌مدخل

- ‌ طريقة المتكلمين في الاستدلال على وجود الله

- ‌مميزات طريقة المتكلمين

- ‌مدخل

- ‌جعل المتكلمون هدفهم الأول هو إثبات توحيد الربوبية

- ‌تقديم العقل على الشرع وجنوحهم إلى التأويل وإيجابهم النظر

- ‌ طريقتهم طويلة متعبة

- ‌ بُعد طريقتهم عن التوحيد الحقيقي المبعوث به الرسل:

- ‌ طريقتهم غير عملية ولا تناسب جميع الناس، لاعتمادها على ألفاظ مستوردة:

- ‌ طريقتهم نهايتها الشك والحيرة وندم أصحابها لسلوكها وذمها السلف:

- ‌ مميزات طريقة الفلاسفة

- ‌تمهيد

- ‌ طريقة الفلاسفة في الاستدلال على واجب الوجود

- ‌مميزات طريقة الفلاسفة

- ‌مدخل

- ‌ جواز أن يكون الممكن قديمًا:

- ‌ طريقتهم لا تفيد علمًا ولا عملًا

- ‌ طريقتهم تناقض التوحيد

- ‌طريقتهم غير عملية وليس لها رسالة في الأرض

- ‌ طريقتهم التبس فيها الحق بالباطل

- ‌ مميزات طريقة القرآن الكريم

- ‌تمهيد

- ‌ضم الأدلة إلى بعضها والاستدلال بها كلها

- ‌ الرد على جميع المخالفين

- ‌ مناسبتها لجميع فئات الناس

- ‌ ملاءمتها للفطرة وخلوها من التعقيد

- ‌ طريقة القرآن عملية لا تكتفي بمجرد النظريات والتقريرات

- ‌ طريقة القرآن تنفي الشكوك والشبهات

- ‌طريقة القرآن أصل كل الطرق الصحيحة

- ‌مدخل

- ‌ الأسلوب التلقيني

- ‌ أسلوب الاستفهام الإنكاري

- ‌ أسلوب التكرار

- ‌ أسلوب الترغيب والترهيب

- ‌ أسلوب التحدي والتهكم:

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ دليل نفي الولد عن الله تعالى

3-

‌ دليل نفي الولد عن الله تعالى

وهذا الدليل تحته فرعان:

أ- نفي الولد عن الله نفيًا عامًّا، ومحله الآيات الدالة على أن الله تعالى خالق كل شيء ومالكه.

ب- نفي البنت ومحله الآيات الدالة على أن الله تعالى له المثل الأعلى.

أ- الفرع الأول: نفي الولد عن الله نفيًا عامًّا

نفى القرآن الكريم ما ينسبه المشركون لله من اتخاذه الولد عن طريق دليل الخلق والملك، وهو أن الله سبحانه غني عن الولد؛ لأنه هو وحده خالق السموات والأرض، وهما مملوكتان لله، ومن كان هذا خلقه وملكه كان مستغنيًا عن الولد لأنه ليس بحاجة إليه.

يقول تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 1، ويقول تعالى:{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} 1، ويقول تعالى:{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} 2، ويقول تعالى:{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 3.

من هذه الآيات نرى أن الله سبحانه وتعالى ينفي عن نفسه اتخاذ الولد بدليل أنه خالق السموات والأرض -أي مبدعهما ومحدثهما على غير مثال سابق وهما

1 سورة البقرة آية 116- 117.

2 سورة النساء آية 171.

3 سورة يونس آية 68.

ص: 276

تشهدان له بالوحدانية، وفي هذا تنبيه لعباده أن مما يشهد له بذلك: المسيح الذي زعموا بنوته لله، وأن الذي ابتدع السموات والأرض على غير مثال: هو الذي ابتدع المسيح من غير والد بقدرته.

يقول الطبري: "لله ما في السموات والأرض من الأشياء كلها ملكًا وخلقًا وهو يرزقهم ويقوتهم ويدبرهم فكيف يكون المسيح ابن الله وهو في الأرض أو في السموات غير خارج من أن يكون في بعض هذه الأماكن، وقوله: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} يقول وحسب ما في السموات وما في الأرض بالله قيمًا ومدبرًا ورازقًا من الحاجة معه إلى غيره"1.

ويترتب على كون الله تعالى خالقًا ومالكًا لكل ما في السموات والأرض نقطتان: ـ

النقطة الأولى: أنه مادام أن كل شيء مخلوق لله ومملوك له إذن فكل ما في السموات والأرض عبيد الله، وعليه فإن كل من زعموهم أنهم أبناء الله -كالمسيح والعزير والملائكة- هم عبيد الله يدعون لعبادته ولا يستنكفون عنها، كما قال تعالى:{لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} 2، وقال تعالى:{وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَاّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} 3، وقال تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} 4.

وكما أن المسيح والملائكة عبيد الله، فكل شيء مخلوق فهو عبد الله حتى

1 تفسير الطبري 6/37 وانظر 1/512، 11/140 وتفسير الكشاف 1/307.

2 سورة النساء آية 172.

3 سورة مريم آية 92-93.

4 سورة الأنبياء آية 26-27.

ص: 277

السموات والأرض والجبال، ولذلك تكاد السموات والأرض أن تتصدعا، وتكاد الجبال أن تتهدم من قول من زعم أن لله ولدًا، قال تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا، تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} 1، قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآيات: "أي يكاد يكون ذلك عند سماعهن هذه المقالة من فجرة بني آدم إعظامًا للرب وإجلالًا لأنهن مخلوقات ومؤسسات على توحيده وأنه لا إله إلا هو وأنه لا شريك له ولا نظير ولا ولد ولا صاحبة ولا كفء له، بل هو الله الأحد الصمد2.

النقطة الثانية: أن ادعاء الولد لله كذب بهتان ليس لقائليه دليل لأنه ليس لله صاحبة سبحانه وتعالى عما يصفون.

يقول تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ، قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} 3، ويقول تعالى:{وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَاّ كَذِبًا} 4.

ففي هذه الآيات نزه سبحانه وتعالى نفسه عما نسبه إليه المشركون من اتخاذ الولد، لأنه هو الغني عن خلقه جميعًا ولا حاجة به للولد؛ لأن الولد إنما يطلبه من كان ضعيفًا ليكون عونًا له في حياته، وذكرًا له بعد وفاته، والله تعالى غني عن ذلك فلا حاجة به لمعين يعينه على تدبيره، والله تعالى حي لا يموت فليس به

1 سورة مريم آية 88- 91.

2 تفسير ابن كثير 3/138 وانظر تفسير الطبري 6/37، 16/132 والكشاف 1/585.

3 سورة يونس آية 68-69.

4 سورة الكهف آية 4-5.

ص: 278

حاجة لخلف بعده، وعليه فمن نسب لله تعالى الولد فهو كاذب مفترٍ عليه، ليس عنده حجة على ذلك1.

وهؤلاء الجن الذين آمنوا بينوا أن سفيههم -وهو إبليس- قال قولًا جائرًا وباطلًا بنسبة الولد إلى الله تعالى، ويحتمل أن يراد بقولهم:"سفيهنا" اسم جنس لكل من زعم أن لله صاحبة وولدًا، وقد نفى الجن الولد عن الله بعد أن نفوا عنه الصاحبة؛ لأن الولد لا يكون إلا منها، والله ليس له صاحبة لأنها لو كانت لكانت من جنسه والله ليس كمثله شيء، وبناء عليه فليس له ولد2 كما قال تعالى:{أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} 3، فكلامهم فيه نفي الصاحبة والولد عن الله وبيان أن ادعاء ذلك لله كذب وشطط من القول، قال تعالى عنهم:{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} 4، يقول الطبري في تفسير هاتين الآيتين:"فقال النفر من الجن علا ملك ربنا وسلطانه ومقدرته وعظمته أن يكون ضعيفًا ضعف خلقه الذين تضطرهم الشهوة إلى اتخاذ الصاحبة أو وقاع شيء يكون منه ولد"5.

ب- الفرع الثاني: نفي البنت عن الله:

يعتمد هذا النفي على دليل المثل الأعلى، ومحله الآيات الدالة على أن الله تعالى له المثل الأعلى، والمعنى أن كل صفة كمال فالخالق أولى بالاتصاف بها، وكل صفة

1 انظر تفسير الطبري 11/140 و15/193 وتفسير ابن كثير 2/424 و3/71 والكشاف 2/244.

2 انظر تفسير الطبري 29/105 وتفسير ابن كثير 4/428 وتفسير الكشاف 2/41 و3/387.

3 سورة الإنعام آية 101.

4 سورة الجن آية 3-4.

5 تفسير الطبري 29/105 وانظر 16/131 و17/10.

ص: 279

نقص فالخالق أولى بالتنزه عنها، وقد كان العرب يكرهون نسبة البنات لأنفسهم ولكنهم لم يتورعوا عن نسبتهن إلى الله -بزعمهم أن الملائكة بنات الله- والخالق أولى بالتنزه عن البنات منهم.

قال تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ، وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ، لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 1، وقال تعالى:{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} 2، وقال تعالى:{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ، أَمْ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ، وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ، وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ، وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَاّ يَخْرُصُونَ، أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ، بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} 3، وقال تعالى:{فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُونَ، أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ، أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ، وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ، أَفَلا تَذَكَّرُونَ، أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ، فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ، وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} 4،وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ اللَاّتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى، أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى، تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى، إِنْ هِيَ إِلَاّ أَسْمَاءٌ

1 سورة النحل آية 57-60.

2 سورة النحل آية 62.

3 سورة الزخرف آية 15-22.

4 سورة الصافات آية 149-159.

5 اللات: صنم لأهل الطائف، والعزى: صنف لغطفان، ومناة: صنم لخزاعة وهذيل كما في تفسير الطبري 27/58 وتفسير ابن كثير 4/253 والكشاف 4/30.

ص: 280

سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى، أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى، فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى، وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى، إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى، وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} 1.

في هذه الآيات يخبر تعالى أن المشركين زعموا أن الملائكة إناث وأنهم بنات الإله فعبدوهم معه، وقد ضلوا في ذلك حيث نسبوا أقل القسمين من الأولاد -وهو البنات- إلى الله وهم لا يرضونهن لأنفسهم، بل يتغير وجه أحدهم إذا بشر بولادة الأنثى له، ويحزن ويكره أن يراه الناس يفكر بدفنها حية، فكيف أنف هؤلاء المشركون من ذلك ونسبوه إلى الله والله تعالى له الكمال المطلق من كل وجه؟ إن الإذعان بأنه لا إله غيره وأنه منزه عن سمات الحدوث والتوالد2.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فبين سبحانه أن الرب الخالق أولى بأن ينزه عن الأمور الناقصة منكم فكيف تجعلون له ما تكرهون أن يكون لكم وتستحيون من إضافته إليكم مع أن ذلك واقع لا محالة ولا تنزهونه عن ذلك وتنفونه عنه وهو أحق بنفي المكروهات المنقصات منكم؟ "3.

ولم يكتف المشركون بزعم بنوة الملائكة لله، بل عبدوا الملائكة زاعمين أن الله يرضى بهذه العبادة:{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} ، وهذا قول في غاية الكفر والكذب، وجعلهم الملائكة إناثًا: كفر واستهانة بمخلوق كريم مقرب إلى الله،

1 سورة النجم آية 19-28.

2 انظر تفسير الطبري 14/123 و25/55 والبحر المحيط 5/503 وتفسير ابن كثير 2/572.

3 موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول 1/19.

ص: 281

وزعمهم أن الملائكة بنات الله كفر، وفيه تمثيل لله بخلقه وتفضيل لأنفسهم على الله تعالى، وعبادتهم للملائكة من دون الله محتجين على ذلك بأن الله لو شاء لمنعهم من العبادة، فلما لم يمنعهم دل ذلك على رضاه بذلك -حسب زعمهم- هذه العبادة كذلك كفر وكذب، وكل واحدة من هذه الآراء الكافرة الكاذبة توجب الخلود في النار لصاحبها إذا مات وهو معتقد لها1.

ويوجه الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يسألهم على سبيل الإنكار عليهم {أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُون} ، ويقول تعالى منكرًا عليهم:{أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا} ، {أصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِين} {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى، تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} ، فيا أيها الجاعلون البناتِ لله ولكم الذكور، قسمتكم هذه ظالمة وجائرة، وناقصة غير تامة؛ لأنكم قسمتم لربكم من الولد ما تكرهون لأنفسكم وآثرتم أنفسكم بما ترضون، ثم كيف حكمتم بأنوثة الملائكة؟ هل أنتم شهدتم خلقهم؟ ستسألون يوم القيامة عن هذا الافتراء العظيم.

ثم أي شيء حمله تعالى على أن يختار البنات على البنين؟ أليس لكم عقول تفكرون بها؟ أي حجة لكم على دعواكم؟ هاتوا برهانًا مستندًا لأي كتاب منزل من عند الله على صحة ما تقولون، إنكم لن تجدوا دليلًا على قولكم؛ لأن قولكم هذا لا يستند إلى شرع ولا عقل وليس عندكم علم صحيح على ما قلتم، وأقوالكم هذه كذب وافتراء وكفر شنيع، وكلها صادرة عن ظن ووهم لا عن حقيقة وعلم، وأنى للظن أن يغني من الحق شيئًا2.

1 انظر تفسير ابن كثير 4/22 وص135 والكشاف 3/154.

2 انظر تفسير الطبري 23/105 و27/60 وتفسير ابن كثير 4/23 وص255 وتفسير الكشاف 3/354.

ص: 282