الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهو وإن لم يقسم هذا التقسيم لكنه لم يحصره في نوع واحد، واستقراء الأدلة من القرآن والسنة يدل على أن التوحيد ينقسم للأقسام التي ذكرناها.
ثانيًا: هذا التقسيم راجع للفرق بين معنى كلمتي الرب والإله، والخلق والقدرة على الإنشاء من معنى كلمة الرب، أما معنى كلمة الإله فهو المعبود، وغاية قول المنكرين أنهم فسروا الإله بالقادر على الاختراع فحصل عندهم الخلط وعدم التمييز، والقرآن لم ينزل ليقول للناس وحدوا الرب فحسب، بل أمرهم بتوحيد الإله المعبود1.
1 انظر العقائد السلفية شرح الدرر السنية 1/46.
جـ-
معاني أنواع التوحيد الثلاثة وكيف يحصل الإشراك بكل نوع منها
1-
توحيد الربوبية:
أ- معناه: هو الاعتقاد الجازم بأن الله وحده هو رب كل شيء ومليكه وهو الخالق الرازق المحيي المميت الضار النافع المعطي المانع المتصرف في هذا الكون بمشيئته المطلقة وليس معه رب آخر يشركه.
والقلوب مفطورة على الاعتراف بالرب سبحانه أكثر من اعترافها بأي شيء آخر، ولذلك أجاب الرسل أممهم بالاستفهام الإنكاري بقولهم:{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} 2.
وقد كان المشركون مقرين بتوحيد الربوبية، وذلك واضح في كثير من آيات القرآن الكريم، منها قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ
2 سورة إبراهيم آية 10.
السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} 1، ومنها قوله تعالى:{قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} 2، ومنها قوله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 3، ومنها قوله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} 4، ومنها قوله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون} 5.
وهكذا نرى أن مشركي العرب ومن سبقهم من الأمم كانوا مقرين بتوحيد الربوبية؛ لأن دلائل ربوبيته تعالى واضحة في كل شيء، فأشد الناس إلحادًا لا يصدق بأن يكون الأثر بلا مؤثر، وأن تكون الصدفة هي التي نظمت هذا الكون بما فيه أبدع تنظيم وأحكمه، ولهذا كان إقرار الخلق بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته6، فقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كثيرًا ما يتمثل بهذا البيت:
وليس يصح في الأذهان شيء
…
إذا احتاج النهار إلى دليل7.
1 سورة يونس آية 31.
2 سورة المؤمنون آية 84- 89.
3 سورة لقمان آية 52.
4 سورة الزخرف آية 9.
5 سورة الزخرف آية 87.
6 انظر شرح الطحاوية ص24 والتنبيهات السنية ص9 والعقائد السلفية 1/14 وتطهير الجنان ص5.
7 انظر الفتاوى 16/328 والتنبيهات السنية ص111 وشرح الطحاوية 31.
ومن هنا يتبين خطأ المتكلمين الذين بذلوا جهدهم وأتعبوا أنفسهم لتقرير توحيد الربوبية وأنكروا معرفة الله الفطرية -ومنهم الجهمية والقدرية الذين هم عند سلف الأمة من أجهل الطوائف وأضلهم- ظانين أن مشكلة البشرية من أول التاريخ أنها لا تعرف وجود الرب، وقد غفلوا عن هذه المعرفة الفطرية وأن المشكلة الحقيقية هي انحراف البشرية عن توحيد الألوهية1.
ب- الشرك في الربوبية: المثبتون للخالق نوعان: أهل توحيد وأهل إشراك في الربوبية، ولم يقع الشرك في الربوبية إلا من طوائف معدودة، والشرك في الربوبية نوعان:
أ- شرك التعطيل: وهو من أقبح أنواع الشرك كشرك فرعون عندما قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِين} 2 فهو أشهر مَن أنكر الصانع لكنه كان في الباطن مستيقنًا أن موسى أصدق منه في الدعوة لربوبية الله، قال تعالى عنه وعن قومه:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّا} 3، لذلك كان رد موسى عليه:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلَاّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} 4.
وكذلك القائلون بالصدفة والطبيعة، والدهريون الذين قالوا:{مَا هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَاّ الدَّهْر} 5، وهم الشيوعيون في زماننا
1 انظر الفتاوى 14/14 و 2/14 وصيانة الإنسان ص147 وتيسير العزيز الحميد ص17.
2 سورة الشعراء آية 23.
3 سورة النمل آية 14.
4 سورة الإسراء آية 102.
5 سورة الجاثية آية 24.
وكذلك الفلاسفة القائلون بقدم العالم وأبديته وأن العقل الفعال هو الخالق المدبر لكل ما تحته، ومنهم الذين يقولون بأن النجوم أحياء فاعلة مؤثرة بالخلق، وكذلك من أهل شرك التعطيل القائلين بوحدة الوجود كابن عربي وابن سبعين.
ب- النوع الثاني من شرك الربوبية يكون باعتقاد أكثر من صانع للعالم كالثنوية من المجوس الذين يقولون بوجود أصلين خالقين للعالم وهما: يزدان إله النور ويخلق الخير، وأهرمن: إله الظلمة ويخلق الشر، لكن إله الخير عندهم أحسن من إله الشر.
وكذلك شرك النصارى الذين يقولون بالآب والابن والروح القدس، ولكنهم لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب منفصلة بل يقولون بأن صانع العالم واحد وهم مضطربون جدًّا في تعبيرهم بالأقانيم الثلاثة لأنهم يفسرون الأقنوم تارة بالخواص وتارة بالأشخاص وأخرى بالصفات1.
مما سبق يتبين لنا أن العباد جميعًا حتى المشركون في الربوبية هم مفطورون على فساد شرك الربوبية؛ لأن المعطلة كفرعون والدهريين الطبيعيين والشيوعيين والفلاسفة وأهل وحدة الوجود وأمثالهم من المعطلين للصانع هم مقرون في الباطن بالرب سبحانه بدليل رجوع فرعون وماركس ولينين إلى الإيمان عند موتهم.
وأما الذين قالوا بأكثر من صانع للعالم كالثنوية والنصارى، فإنهم لم يسووا بينهم كما بينا، بل يفاضلون بينهم، فيكون شركهم شركًا في بعض الربوبية.
وبهذا يتبين أنه ليس في طوائف العالم قط من يثبت صانعين خالقين متماثلين في
1 انظر الفتاوى 3/96 ودعوة التوحيد للهراس ص33 وتيسير العزيز الحميد ص27.