الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
قصة شعيب عليه السلام مع قومه
1
أرسل الله شعيبًا عليه السلام إلى قومه وكانوا يسكنون المدينة الواقعة على طريق الحجاز قرب معان من جهة الأردن واسمها "مدين"، وكانوا قومًا مشركين بالله ويتلاعبون بالكيل والميزان ويقطعون الطريق، فدعاهم شعيب عليه السلام إلى عبادة الله وحده ونبذ عبادة الأصنام وترك باقي المنكرات، قال تعالى:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} 3.
وذكّرهم شعيب عليه السلام بنعمة الله عليهم حيث كانوا قليلين فكثّر نسلهم وذكرهم بتدمير المشركين من قبلهم فقال: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} 4.
وكل هذا التذكير بالنعم والتخويف من النقم لم يزدهم إلا عنادًا وسخرية بشعيب ودعوته والمؤمنين معه حتى هددوه بالطرد أو الرجم لولا عزة قومه: {قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} 5.
1 انظر السور التالية: الأعراف 85-93، هود 84-95، الحجر 78-79، الشعراء 176-191، العنكبوت 36-37، والقصة مفصلة بتفسير الطبري 8/37 و 12/98.
2 انظر تفسير ابن كثير 2/131.
3 سورة الأعراف آية 85.
4 سورة الأعراف آية 86.
5 سورة الأعراف آية 88.
فيحييهم شعيب عليه السلام جواب الواثق بدينه المتوكل على ربه بأنه لن يترك دينه وتوحيده لله إلى الشرك والوثنية، وهذا ما يريده المشركون من الموحدين في كل زمان: إما أن يتبعوهم على كفرهم وشركهم بالله أو يخرجوهم ويطردوهم، وجواب شعيب هو الجواب الحق لكل موحد:{قَدْ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} 1.
وهذا فيه بيان صريح أن ملة الشرك ملة كاذية باطلة، وفيه إشارة كذلك لمشركي قريش أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لن يستجيب لطلبهم عبادة أوثانهم سنة على أن يعبدوا إلهه سنة2.
ويزداد قوم شعيب تهكمًا به وسخرية بدينه: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} 3.
ويظل شعيب يستعطف قلوبهم للتوحيد دون أن يؤذيهم بكلمة قاسية، وأن لا تكون عداوتهم له سببًا في إصرارهم على الشرك، ويذكرهم بما حل بالأمم المشركة لاستكبارها عن التوحيد:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَاّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَاّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ، وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} 4.
وما زادهم كل هذا التلطف والتودد إلا سخرية ونفورًا من التوحيد، عندها
1 سورة الأعراف آية 89.
2 انظر تفسير ابن كثير 4/560.
3 سورة هود آية 87.
4 سورة هود آية 88-90.
استحقوا عذاب الله ففتح الله عليهم بابًا من أبواب جهنم، فاشتد الحر فلم ينفعهم ظل ولا ماء، فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح فتنادوا: الظلة عليكم بها، فلما اجتمعوا تحت السحابة انطبقت عليهم 1.
هذا هو مصير الشرك وأهله؛ ولذلك لم يحزن عليهم، وهل يحزن على قوم جحدوا وحدانية الله وسخروا بنبيه ودعوته والموحدين، قال تعالى:{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} 2.
فلتحذروا أيها المشركون أن يحل بكم ما حل بقوم شعيب إن عصيتم محمدًا وكذبتموه، وها أنتم تمرون على منطقة قوم شعيب لأنها في طريق أسفاركم وتجارتكم إلى الشام، إنهم قد دمروا بشركهم ونجى شعيب والمؤمنون بتوحيدهم.
1 انظر تفسير الطبري 8/237.
2 سورة الأعراف آية 93.