الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د-
آية الرياح والمطر والنبات
ذكرت الكلام عن هذه الآيات معًا لارتباطها ببعضها ولأنه يرد في القرآن اقتران الرياح بإنزال المطر ثم إنبات المزروعات والثمار، وهي من الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى، وفيما يلي البيان:
1-
يقول تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} 1.
في هذه الآية وصف الله تعالى الرياح بأنها لواقح؛ لأنها تلقح السحاب فتدر ماء، وتلقح الشجر فتفتح عن وأوراقها وأكمامها فيبعث الله الرياح المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر، أليس ذلك آية دالة على وحدانية الله المتصرف في هذا الكون؟ 2.
2-
يقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} 3، ويقول تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ، يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ} 4.
1 سورة الحجر آية 22.
2 انظر تفسير الطبري 14/19 وتفسير ابن كثير 2/549 ومفتاح دار السعادة 1/200 والتبيان ص206.
3 سورة الحج آية63
4 سورة النور آية 43.
هذا تنبيه من الله تعالى لعباده على آية السحاب الحامل للماء الكثير، حيث ينزل الله منه الأمطار بالحكمة البالغة بحيث لا تختلط قطرة بأخرى، ثم انظر كيف تعم الأمطار الأرض سهولها ووعورها وشعابها لينبت العشب للأنعام وسائر الهوام ويسقي المزروعات وتنبت الأشجار ويمد البحار والأنهار والآبار، وما يزيد منه يودعه الله في الأرض ليستخرجه الناس وقت الحاجة إليه.
يقول ابن القيم: "فتأمل كيف يسوقه سبحانه رزقًا للعباد والدواب والطير والذر والنمل، يسوقه رزقًا للحيوان الفلاني في الأرض الفلانية بجانب الجبل الفلاني فيصل إليه على شدة الحاجة والعطش، وفي الوقت كذا وكذا ثم كيف أودعه في الأرض فأخرج به أنواع الأغذية والأدوية والأقوات"1.
3-
في هذه الآية نبهنا الله تعالى إلى أنه هو وحده الذي يشق الحب والنوى في الثرى، فتنبت منه الزروع والثمار على اختلاف ألوانها وأشكالها وطعومها، ثم قال مشيرًا إلى وحدانيته تعالى:{ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} : أي فاعل ذلك هو الله وحده لا شريك، فكيف تصرفون عن الحق وتعدلون عنه إلى الباطل بعبادتكم غير الله تعالى.
يقول الطبري: "وهذا تنبيه من الله جل ثناؤه هؤلاء العادلين به الآلهة والأوثان على موضع حجته عليهم وتعريف منه لهم خطأ ما هم عليه مقيمون من إشراك الأصنام في عبادتهم إياهم، يقول تعالى ذكره: إن الذي
1 مفتاح دار السعادة 1/202 وانظر تفسير ابن كثير 3/297.
2 سورة الأنعام آية 95.
له العبادة أيها الناس دون كل ما تعبدون من الآلهة والأوثان هو الله الذي فلق الحب يعني شق الحب من كل ما ينبت من النبات فأخرج منه الزرع والنوى من كل ما يغرس مما له نواة فأخرج منه الشجر.."1.
4-
الخضر: هو الزرع والشجر الأخضر. والمتراكب: هو الحب والثمر لأنه يركب بعضه بعضًا. والمشتبه وغير المتشابه: أي متشابه في الورق والشكل وهو مختلف في الطعم واللون.
إن التفكير في النبات والثمار وكيفية تكونها من البذرة حتى صارت زرعًا أخضرَ وثمرًا طيبًا بعد جفافها، واختلاف ألوان الثمار وطعومها مع كونها متشابهة في الشكل والورق لا شك يؤدي لمعرفة الله ووحدانيته، ولذلك حثنا الله على النظر للثمار فقال:{انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} فهي تدل دلالة واضحة على وحدانية الله، لذلك ذم الله تعالى المشركين بعد هذه الآية مباشرة فقال:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ} إلى قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} 3.
قال الطبري في تفسيره لهذه الآية: "يا أيها الناس إذا نظرتم إلى ثمره
1 تفسير الطبري 7/280، وانظر تفسير ابن كثير 2/158.
2 سورة الأنعام آية 99.
3 سورة الأنعام من آية 100- 102.
عند عقد ثمره وعند ينعه وانتهائه، فرأيتم اختلاف أحواله وتصرفه في زيادته ونموه، علمتم أن له مدبرًا ليس كمثله شيء ولا تصلح العبادة إلا له دون الآلهة والأنداد"1.
وقد استنكرالهدهد على قوم بلقيس سجودهم للشمس من دون الله، مستدلًا على وحدانية الله ووجوب إفراده بالعبادة بأنه خلق الماء والنبات وأخرجه بعد أن كان مخبوءًا في السماء والأرض وجعل ذلك حجة على المخالفين2. حيث قال تعالى عنه:{أَلَاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 3.
1 تفسير الطبري 7/292 وانظر تفسير ابن كثير 2/159 ومفتاح دار السعادة 1/141.
2 انظر تفسير ابن كثير 3/361.
3 سورة النمل آية 25-26.