الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسدتهم، ومنه قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام:{مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَاي} 1.
وقوله تعالى عنه: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} 2، وقوله تعالى عنه:{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك} 3، وقوله تعالى عنه:{ارْجِعْ إِلَى رَبِّك} 4، ومعنى كلمة رب في هذه الآيات: السيد الذي له عليه الطاعة، وفي حديث أشراط الساعة
…
"أن تلد الأمة ربتها" 5: أي سيدتها.
1، 2، 3، 4 سورة يوسف آيات رقم 23/41/42/50.
5 رواه البخاري في تفسير سورة لقمان ورقمه 4777، وفي كتاب الإيمان رقم 50، ومسلم في الإيمان1.
الأصل الثالث:
وتطلق كلمة "رب" في اللغة كذلك على المصلح للشيء المدبر له، القائم على تربيته، حتى أن بعض العلماء قال بأن كلمة رب مشتقة من التربية؛ لأنه سبحانه مدبر الخلق ومربيهم1.
قال أحمد بن فارس: "والرب المصلح للشيء، يقال: ربَّ فلانٌ ضيعته: إذا قام على إصلاحها"2 انتهى بلفظه.
وقال القرطبي: "والرب المصلح والمدبر والجابر والقائم، قال الهروي وغيره: يقال لمن قام بإصلاح شيء وإتمامه: قد ربه يرُّبه فهو ربٌّ له ورابٌّ، ومنه سمي الربانيون لقيامهم بالكتب"3 انتهى بلفظه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "هل لك نعمة تَرُّبَها.."4 أي تحفظها وتراعيها وتقوم بها وتصلحها وتربيها كما يربى الرجل ولده5.
1 رواه البخاري في تفسير سورة لقمان ورقمه 4777، وفي كتاب الإيمان رقم 50، ومسلم في الإيمان1.
2 انظر تفسير القرطبي 1/137.
3 معجم مقاييس اللغة 2/381.
4 تفسير القرطبي: 1/137.
5 رواه أحمد بن حنبل في مسنده 2/292.
10 انظر لسان العرب 1/400 وتفسير القرطبي 1/137.
قال الزبيدي: "ربَّ ولده والصبي يربُه ربا: أحسن القيام عليه ووليه حتى أدرك وفارق الطفولية كان ابنًا أو لم يكن"1. انتهى بلفظه.
وقال الفيومي: "ومنه قيل للحاضنة: رابة. ورابية أيضًا - فعيلة بمعنى فاعلة. وقيل لبنت امرأة الرجل ربيبة: فعلية بمعنى مفعوله، لأنه يقوم بها غالبًا تبعًا لأمها، والجمع ربائب، وجاء: ربيبات على لفظ الواحدة والابن ربيب"2 انتهى بلفظه.
ومنه قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللَاّتِي فِي حُجُورِكُم} 3: فسمى بنت الزوجة: ربيبة لتربية الزوج لها، فالزوج رابٌّ؛ لأنه قام على أمر الربيبة.
ويقال للصبي والفرس: مربوب. والمربوب: المربَّى.
وتطلق كلمة الربيبة أيضًا على الغنم التي يربيها الناس في البيوت لألبانها، وغنمٌ ربائب وهي التي تربط قريبًا من البيوت وتعلف لا تُسام، وواحدتها ربيبة: بمعنى مربوبة؛ لأن صاحبها يربيها4.
قال الطبري: ومنه قول علقمة بن عبدة:
فكنت أمرأً أفضت إليك ربابتي
…
وقبَلك ربَّتْني فضِعتُ رَبُوبُ
يعني يقول: أفضت إليك: أي أوصلت إليك ربابتي فصرت أنت الذي ترب أمري فتصلحه لما خرجت من ربابة غيرك من الملوك الذين كانوا قبلك عليّ فضيعوا أمري وتركوا تفقده، وهم الربوب واحدهم رب"5 انتهى بلفظه.
1 تاج العروس 1/261.
2 المصباح المنير 1/229.
3 سورة النساء آية 23.
4 انظر لسان العرب 1/400 وتفسير القرطبي 1/137.
5 تفسير الطبري 1/62.
هذه المعاني الثلاثة لكلمة رب "وأعني بها: المالك الصاحب، والسيد المطاع، والمربي المصلح للشيء" هي التي أقرها العلماء والمفسرون لأنها هي الأصول اللغوية لمعنى الكلمة، وأي معنى آخر فهو مندرج تحت أصل من هذه الأصول الثلاثة.
قال ابن منظور: قال ابن الأنباري: الرب: ينقسم على ثلاثة أقسام: يكون الرب: المالك، ويكون الرب: السيد المطاع، {فَيَسْقِيْ رَبَّهُ خمرًا} ، والرب: المصلح، ربَّ الشيء: إذا أصلحه"1 ا. هـ.
وقال الطبري بعد أن ذكر هذه الوجوه الثلاثة: "وقد يتصرف أيضًا معنى الرب في وجوه غير ذلك، غير أنها تعود إلى بعض هذه الوجوه الثلاثة، فربنا جل ثناؤه السيد الذي لا شبه له ولا مثل في سؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمة، والمالك الذي له الخلق والأمر"2 أ. هـ.
وكلمة رب لا تطلق على المخلوق إلا مقيدة بالإضافة، كأن نقول: زيد رب الدار. وإذا خلت من قيد الإضافة، فتنصرف إلى الله وحده، ولكن إذا جاءت قبل كلمة "رب" الألف واللام فقلنا الرب؛ فلا تدل إلا على الله سبحانه وتعالى، وفي هذا يقول ابن منظور:
"الرب" هو الله عز وجل، هو رب كل شيء: أي مالكه، وله الربوبية على جيمع الخلق لا شريك له، وهو رب الأرباب وملك الملوك والأملاك.. ولا يطلق غير مضاف إلا على الله عز وجل، وإذا أطلق على غيره أضيف فقيل رب كذا"3 أ. هـ.
وقال القرطبي: "متى دخلت الألف واللام على "رب" اختُصَّ الله تعالى به،
1 لسان العرب 1/400.
2 تفسير الطبري 1/62.
3 لسان العرب 1/399.
لأنها للعهد، وإن حذفتا صار مشتركًا بين الله وبين عباده، فيقال: الله رب العباد، وزيد رب الدار"1 أ. هـ.
وعلى هذا انعقد إجماع أهل اللغة والمفسرون ولم يؤثر عن العرب أنهم استعملوا كلمة الرب المعرفة بالألف واللام لغير الله تعالى، وأما بيت الحارث بن حلزة الذي استعمل فيه كلمة الرب معرفة بالألف واللام حيث يقول:
فهو الرب والشهيد على يو
…
م الحِيَارَيْنِ والبلاءُ بلاءُ2
فأجيب عنه بأن اللام فيه جاءت عوضًا عن الإضافة لأن كلمة رب في هذا البيت بمعنى السيد3.
فاختصاص الله سبحانه بإطلاق لفظ الرب معرفًا بالألف واللام عليه وحده وعدم إطلاق ذلك على المخلوق هو الحق الذي لا مرية فيه، لأن اللام للعموم، والمخلوق لا يملك جميع المخلوقات وليس بسيد عليها كلها، ولا هو يصلحها ويربيها، لكن الله تعالى والمالك لجميع الخلائق والسيد العالي والمدبر المربي المصلح لشئون الخلق كلهم، وعلى معنى الملك والسيادة يكون لفظ الرب لله سبحانه صفة ذات، وعلى معنى التدبير والتربية يكون لفظ الرب لله سبحانه صفة فعل4.
وأما بالنسبة لكلمة "رب" بغير الألف واللام إذا خلت من قيد الإضافة فإنها
1 تفسير القرطبي جـ1 ص 137 وانظر البحر المحيط ط 1/19 وتفسير ابن كثير 1/23.
2 انظر تاج العروس 1/260 والمصباح المنير 1/229 وتفسير القرطبي 1/137.
3 انظر المصباح المنير 1/229.
4 انظر تفسير القرطبي 1/137.
تدل على الله سبحانه، وتكون شاملة لجميع معانيها، ولكنها إذا أطلقت على المخلوق فلا بد من أن تكون مقيدة بالإضافة، ويكون معناها حينئذ حسب المضاف إليه، فإن أضيفت لما لا يعقل، فتكون بمعنى مالك الشيء وصاحبه، كأن نقول: رب الدين، ورب المال، ورب الإبل، ورب الدار، وإن أضيفت إلى العاقل فتكون بمعنى السيد، ومنه الحديث في علامات الساعة:"حتى تلد الأمة ربتها" أي سيدتها، وفي التنزيل حكاية عن يوسف عليه السلام:{فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} أي سيده.
وأما استعمالها بمعنى المصلح المربي القائم على الشيء فتطلق على العاقل وغيره، كأن نقول: فلان يرب المزرعة، والغنم والصبي، أي يقوم بشئونهم ويربيهم ويصلح أمرهم ويتعاهدهم.
مما تقدم يتبين لنا أن كلمة الرب لا تطلق إلا على الله تعالى؛ لأنه هو الخالق الرازق المحيي المميت المالك للخلق كلهم، المدبر أمرهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"والرب هو الذي يربي عبده فيعطيه خلقه ثم يهديه إلى جميع أحواله، من العبادة وغيرها"1.
وقال محمد صديق حسن: "فالرب مصدر رب يربُّ ربًّا فهو رابٌّ، فمعنى قوله: رب العالمين: أي رابّهم، وهو الرب الخالق الموجد لعباده، القائم بتربيتهم وإصلاحهم، المتكفل لهم من خلق ورزق وعافية وإصلاح دين ودنيا"2 أ. هـ.
ويقول ابن القيم رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ} وقدم الربوبية لعمومها وشمولها لكل مربوب.
1 مجموع الفتاوى 1/22.
2 الدين الخالص 1/18.
وأخّر الإلهية لخصوصها؛ لأنه سبحانه إنما هو إلهُ مَنْ عبده وحده واتخذه دون غيره إلهًا، فمن لم يعبده ويوحده فليس بإلهه، وإن كان في الحقيقة لا إله له سواه، ولكن المشرك ترك إلهه الحق واتخذ إلهًا غيره باطلًا.
ووسّط صفة الملك بين الربوبية والإلهية؛ لأن الملك هو المتصرف بقوله وأمره، فهو المطاع إذا أمر، وملكه لهم تابع لخلقه إياهم، فملكه من كمال ربوبيته، وكونه إلههم الحق من كمال ملكه، فربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه، وملكه يستلزم إلهيته ويقتضيها، فهو الرب الملك الحق، الإله الحق، خلقهم بربوبيته وقهرهم بملكه، واستعبدهم بإلهيته.
فتأمل هذه الجلالة، وهذ العظمة التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام وأحسن سياق {رَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ} .
وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاثة على جميع قواعد الإيمان، وتضمنت معاني أسمائه الحسنى.
أما تضمنها لمعاني أسمائه الحسنى: فإن الرب هو القادر الخالق البارئ المصور، الحي القيوم، العليم السميع البصير، المحسن المنعم، الجواد المعطي المانع، الضار النافع المقدم المؤخر، الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويسعد من يشاء ويشقي من يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى.
وأما الملك: فهو الآمر الناهي، المعز المذل، الذي يصرف أمور عباده كما يحب ويقلبهم كما يشاء، وله من معنى الملك ما يستحقه من الأسماء الحسنى كالعزيز الجبار المتكبر، الحكم العدل، الخافض الرافع، المعز المذل، العظيم الجليل الكبير، الحسيب المجيد، الوالي المتعالي، مالك الملك المقسط الجامع -إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى الملك.