الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جـ-
آية الشمس والقمر والليل والنهار
ذكرت آية الشمس والقمر مع آية الليل والنهار لورودها مجتمعة في بعض المواضع من آيات القرآن الكريم:
1-
في هاتين الآيتين تنبيه على أن الله وحده هو الذي خلق الشمس والقمر والليل والنهار بغير معين ولا شريك، فقوله:"هو" دلالة على الوحدانية أي هو الذي جعل الشعاع الصادر عن الشمس ضياء وجعل الشعاع الصادر عن القمر نورًا، وفاوت بينهما بأن جعل سلطان الشمس نهارًا وسلطان القمر ليلًا وقدر القمر منازل.
فالمتدبر لذلك يعلم حقيقة الوحدانية، قال الطبري:"لقوم يعلمون إذا تدبروها حقيقة وحدانية الله"2 ا. هـ.
وانظر كيف وضعت الشمس في مكانها الخاص بها والقمر في مكانه الخاص به ووضعت الكواكب في أمكنتها الخاصة بها ودوران ذلك كله، كما قال تعالى:{كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون} 3. قال ابن عباس: "أي يدورون كما يدور المغزل في الفلكة" قال مجاهد: فلا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا
1 سورة يونس آية 5-6.
2 تفسير الطبري 11/86 وانظر تفسير ابن كثير 2/407.
3 سورة الأنبياء آية 33 وسورة يس آية 40.
الفلكة إلا بالمغزل، كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به ولا يدور إلا بهن"1.
وانظر هذا التقدير الحكيم بأن جعل الله الليل والنهار مرتبطين بدورة الشمس، فلا يستطيع أحد إيقاف الشمس عن دورتها، أو حبس الليل والنهار عن جزء من الأرض؛ لأن الله وحده هو الذي يتولى ذلك كما قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 2.
يقول الطبري في تفسيره لهذه الآية: "فعلت هذا الفعل من إيلاجي الليل والنهار وإيلاجي النهار في الليل؛ لأني أنا الحق الذي لا مثل لي ولا شريك ولا ند، وأن الذي يدعوه هؤلاء المشركون إلهًا من دونه هو الباطل الذي لا يقدر صنعة شيء بل هو المصنوع"3.
2-
في هذه الآية يبين تعالى أن الليل والنهار والشمس والقمر من دلائل وحدانيته ووجوب عبادته، ولا تستحق الشمس أو القمر العبادة، إنما يستحق ذلك خالقها دون كل شيء سواه.
يقول ابن كثير: "يقول تعالى منبهًا خلقه على قدرته العظيمة، وأنه الذي
1 انظر تفسير الطبري 17/22 وتفسير ابن كثير 3/178.
2 سورة الحج آية 61-62.
3 تفسير الطبري 17/196 وانظر تفسير ابن كثير 3/232.
4 سورة فصلت آية 37.
لا نظير له وأنه على ما يشاء قدير: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} أي أنه خلق الليل بظلامه والنهار بضيائه وهما متعاقبان لا يفتران، والشمس ونورها وإشراقها، والقمر وضياءه وتقدير منازله في فلكه واختلاف سيره في سمائه؛ ليعرف باختلاف سيره وسير الشمس مقادير الليل والنهار والجمع والشهور والأعوام، ويتبين بذلك حلول الحقوق وأوقات العبادات والمعاملات، ثم لما كان الشمس والقمر أحسن الأجرام المشاهدة في العالم العلوي والسفلي، نبه تعالى على أنهما مخلوقان عبدان من عبيده تحت قهره وتسخيره فقال:{لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} أي لا تشركوا به، فما تنفعكم عبادتكم له مع عبادتكم لغيره، فإنه لا يغفر أن يشرك به"1.
إذا نظرنا إلى العلم وجدناه يقول بأن مجموعتنا الشمسية ليست إلا جزءًا من أجزاء المجموعة المجرية، ومجرتنا هذه واحدة من مجرات عديدة، ويقول العلم بأن هناك نجومًا كثيرة أكبر من الشمس وأشد حرارة منها، وأن الشمس التي يستفيد من حرارتها كل نبت وحيوان درجة حرارة سطحها 12000 درجة فهرنهايت، وأن الأرض موضوعة بالمكان المناسب لاستمرار الحياة عليها، ولو زادت درجة الحرارة أو نقصت عن حد معين قدره الله تعالى لمات كل الأحياء على سطح الأرض حرقًا أو تجمدًا، وأن مسار القمر له علاقة بالمد والجزر الذي يحصل في البحار مرتين في العام، ولو كان القمر في غير هذا المسار الذي رسمه له خالقه لعم الماء جميع اليابسة وفاض عليها بحيث تصبح الحياة مستحيلة على ظهرها2.
إن هذا الخلق العظيم والتنظيم الدقيق يدل دلالة قاطعة على وحدانية الله، وأنه المستحق أن يفرد بالعبادة دون كل شيء سواه.
1 تفسير ابن كثير 4/102 وانظر تفسير الطبري 7/286 والتبيان لابن القيم ص208 ومفتاح دار السعادة 1/198-212.
2 انظر كتاب العلم يدعو للإيمان لكريسي موريسون ص50-59.