الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلام المحدث المبتدع ضربوا له الأمثال الباطلة فضلوا؛ لأن ضرب المثل تشبيه حال بحال، والله تعالى لا يمثل بخلقه لأن له المثل الأعلى أي الصفة العليا التي هي كلمة الإخلاص وشهادة التوحيد: لا إله إلا الله1.
وقد اقتصرت في هذا الفصل على أمثال القرآن التي سيقت لتقرير وحدانية الله تعالى ومهاجمة الشرك، فقمت باستقصائها وجمعها من آيات القرآن ثم رتبتها حسب موضوعها وهي كما يلي:
1-
إما مضروبة لله من جهة، وللأصنام من جهة أخرى.
2-
وإما مضروبة لكلمة التوحيد وكلمة الشرك.
3-
وإما مضروبة للحق والباطل.
4-
وإما مضروبة لبيان عجز آلهة المشركين.
5-
وإما مضروبة لحالة المشرك وحالة الموحد.
6-
وإما مضروبة لقلب الموحد وقلب المشرك.
7-
وإما مضروبة لحواس الموحد والمشرك وحياة الأول واستقامته وموت الثاني وانكبابه على وجهه.
8-
وإما مضروبة لأعمال المشركين.
وفيما يلي البيان:
1 انظر تفسير الطبري 1/123 والبحر المحيط 5/305 والبرهان للزركشي 1/487 والإتقان للسيوطي 2/131 والروضة الندية ص128 والتنبيهات السنية ص123.
1-
الأمثال المضروبة لله ولما يعبد من دونه:
أ- ضرب الله تعالى مثلًا لنفسه ولما يعبد من دونه بعدم قبول المشركين إشراك عبيدهم في ما يخصهم، فكيف يقبلون ذلك لله تعالى؟
قال تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} 1، وقال تعالى:{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 2.
بين سبحانه وتعالى أنه فضل بعض الناس على بعض في الرزق، فما الذين فضلهم الله بالرزق على غيرهم بمشركي غيرهم، وهم المماليك فيما رزقوا من الأموال والأزواج حتى يستووا هم وعبيدهم في ذلك، فلا يرضون بأن يكونوا هم ومماليكهم فيما رزقوا سواء، بينما هم قد جعلوا مخلوقات الله شركاء له في ملكه وعبادته.
وقد أجمع المفسرون على أن المثل في هذه الآية هو نفس المثل في الآية الأخرى وهي قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا} ، ولذلك جعلت الكلام عنهما معًا3، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: قال تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ} بين سبحانه بالمثل الذي ضربه لهم أنه لا ينبغي أن يجعل مملوكه شريكه فقال: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} يخاف أحدكم مملوكه كما يخاف بعضكم بعضًا فإذا كان أحدكم لا يرضى أن يكون مملوكه شريكه فكيف ترضونه لله؟ "4.
1 سورة النحل آية 71.
2 سورة الروم آية 28.
3 انظر تفسير الطبري 14/142 و21/38 والبحر المحيط 5/514 وتفسير القرطبي 10/141 و14/23 وتفسير ابن كثير 3/431 والكشاف 2/419.
4 الفتاوى 1/156.
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "وهذا دليل قياس احتج الله سبحانه به على المشركين حيث جعلوا له من عبيده وملكه شركاء، فأقام عليهم حجة يعرفون صحتها من نفوسهم، ولا يحتاجون فيها إلى غيرهم، ومن أبلغ الحجاج أن يؤخذ الإنسان من نفسه ويحتج عليه بما هو في نفسه مقرر عندها معلوم لها فقال: هل لكم من ما ملكت أيمانكم من عبيدكم وإمائكم شركاء في المال والأهل؟ أي هل يشارككم عبيدكم في أموالكم وأهليكم، فأنتم وهم من ذلك سواء تخافونهم أن يقاسموكم أموالكم؟ فكيف تستجيزون مثل هذا الحكم في حقي مع أن من جعلتموهم لي شركاء عبيدي وملكي وخلقي؟ "1، انتهى باختصار.
ب- وضرب الله كذلك مثلين لنفسه ولما يعبد من دونه في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 2.
هذان مثلان ضربهما لنفسه ولما يعبد من دونه، قال مجاهد:"ضرب الله هذا المثل والمثل الآخر بعده لنفسه وللآلهة التي من دونه"3.
والمثل الأول هو قصة عبد في ملك غيره عاجز عن التصرف وحر غني متصرف فيما آتاه الله، فإذا كان هذان لا يستويان عندكم مع كونهما من جنس واحد مشتركين في الإنسانية، فكيف تشركون بالله وتسوون به من
1 إعلام الموقعين 1/159.
2 سورة النحل آية 75- 76.
3 الطبري 48/14 والبحر المحيط 5/518.