الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د-
نعمة عدم اختلاط الماءين المالح والحلو
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً} 1، وقال تعالى:{وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 2، وقال تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} 3.
هذه نعمة عظيمة من الله على خلقه إذ بدونها لا تصلح الحياة للكائنات، فهذا الحاجز حتى لا يختلط الماءان فيفسد كل منهما الآخر، والماء الحلو هو ماء الأنهار والعيون وهو العذب الفرات، وقد فرقه الله بين خلقه لاحتياجهم إليه أنهارًا وعيونًا بحسب حاجتهم وكفايتهم لأنفسهم وأراضيهم ودوابهم.
وأما الماء المالح الأجاج فهو البحار المعروفة ولا تستساغ للشرب، وملوحتها نعمة من الله، فلو كانت حلوة لفسد الهواء وأنتن وماتت جميع الحيوانات في البر والبحر، فلما كان ماؤها مالحًا كان الهواء دائمًا نقيًّا وكانت ميتتها طيبة.
وهذا الحاجز بين الماءين قد يكون جزءًا من الأرض، وقد لا يكون كذلك، فقد يمر النهر من البحر المالح ويخرج من جانب آخر كما هو محافظ على عذوبته وصلاحيته للاستعمال بأمر الله، فيستفيد منه الناس على جانبي البحر، فأي نعمة فوق هذه النعمة، ولولا هذا الحاجز بقدرة الله لفسدت الأنهار الحلوة بدخولها البحر ولتعطلت مصالح الخلق من الطبخ والشرب وغيرها؛ ولذلك امتن الله في كتابه بهذه النعمة على خلقه.
1 سورة الفرقان آية 53.
2 سورة النمل آية 61.
3 سورة الرحمن آية 19-21.
هذه النعم جميعًا في البحر توجب على الناس أن يفكروا بالمنعم وكيف سخر لهم هذا البحر مستودعًا لهذه النعم الكثيرة، وهيأ لهم سبل استخراجها رغم مخاطره الكثيرة، فيجب على الخلق إذن توحيد الله وعبادته ونبذ الأصنام والأوثان التي لا تنعم عليهم بشيء.
ولذلك يقول تعالى في سورة النمل بعد تعداد نعمه: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 1، أي هل فعل هذا إله غير الله فتعبدوه؟ ولذلك يجب على العباد شكر الله وتوحيده وعبادته، وإن كان أكثر الناس يعبدون غيره ويصرفون شكرهم لغير المنعم2.
1 سورة النمل آية 61.
2 انظر تفسير الطبري 14/88 و19/24 وتفسير ابن كثير 2/564 و3/50 وص 322 وص370 وص 436 وص 452 وص550 و4/117، وقد تكلم ابن القيم على نعمة البحر في مفتاح دار السعادة 1/204 تركنا ذكره اختصارًا.