الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جميع الصفات. فالشرك في الربوبية إذن بهذا الاعتبار معلوم الامتناع عند جميع طوائف أهل الأرض من الموحدين والمشركين1.
1 انظر الفتاوى 3/97 ومدارج السالكين 1/62 وشرح الطحاوية ص25 والدين الخالص 1/71.
2-
توحيد الألوهية:
أ- معناه: وهو المسمى بتوحيد العبادة أو التوحيد العملي، ومعناه الاعتقاد الجازم بأن الله وحده هو المستحق لجميع أنواع العبادة، مع القيام بصرف هذه العبادات له وحده ولا يصرف منها شيء لغيره، والكلمة المعبرة عن هذا المعنى أدق تعبير هي كلمة الشهادة: لا إله إلا الله، فمعناها أنه لا معبود بحق إلا الله1.
وهذا التوحيد هو الذي جاءت به الرسل ودعوا إليه أقوامهم، فالرسل مقررون لتوحيد الربوبية داعون لتوحيد الألوهية كما أخبر الله عنهم2، فقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} 3، وقال تعالى: عن نوح عليه السلام: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَاّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} 4، وقال تعالى عن هود عليه السلام:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَاّ مُفْتَرُونَ} 5 وقال تعالى عن صالح عليه السلام: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا
1 انظر الفتاوى 1/104 و19/106 ومدارج السالكين 1/25 واجتماع الجيوش الإسلامية ص47 وشرح الطحاوية ص23 والعقائد السلفية ص23 ودعوة التوحيد ص47.
2 انظر تيسير العزيز الحميد ص20 ودعوة التوحيد ص37.
3 سورة الأنبياء آية 25.
4 سورة هود 25- 26.
5 سورة هود آية 50.
إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} 1، وقال تعالى عن شعيب عليه السلام:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 2، وقال تعالى عن موسى عليه السلام قوله لقومه:{أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً} 3، وقال تعالى عن عيسى عليه السلام قوله لقومه:{إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} 4 وقال تعالى آمرًا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} 5 وقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} 6، وقوله تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} 7 ، وهذه السورة قد اختصت بتوحيد الإلهية أو التوحيد العملي وهو توحيد العبادة، كما اختصت سورة الإخلاص بتوحيد الأسماء والصفات8.
وبالجملة: فكل الرسل بعثوا بالدعوة لتوحيد الألوهية وإفراد الله بالعبادة وترك عبادة الطواغيت والأصنام كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 9، فكان كل رسول أول ما يقرع به سمع قومه:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه} . وافتتاح الدعوة بهذا النداء دليل أكيد على أن الرسل لم يبعثوا لتعريف الخلق بخالقهم وإثبات وجوده؛ لأن معرفته والإيمان بوجوده فطري
1 سورة هود آية 61.
2 سورة هود آية 84.
3 سورة الأعراف آية 140.
4 سورة آل عمران آية 51.
5 سورة الزمر آية 14.
6 سورة يونس آية 104.
7 سورة الكافرون
8 انظر الصراط المستقيم ص464.
9 سورة النحل آية 36.
إنما بعثوا لتعبيد الخلق لإلههم ومعبودهم الحق ونبذ كل ما يعبد من دونه من الآلهة المزعومة1.
وفي هذا النوع من التوحيد -توحيد الألوهية- وقع النزاع بين الرسل وأممهم حيث أنكر المشركون الدعوة لتوحيد الإله المعبود بقولهم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 2، ولهذا كان سياق الآيات الدالة على الربوبية يأتي بالاستفهام التقريري لأنهم مقرون بالرب كقوله تعالى:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 4، وقوله تعالى:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} 5.
ويتضح هذا المعنى تمامًا إذا علمنا أن مبدأ انحراف البشرية عن حقيقة التوحيد لم يكن شركًا في الربوبية إنما كان شركًا في الألوهية، وهكذا كل انحراف خلال التاريخ البشري إنما كان عن طريق الانحراف في العبادة، قال تعالى عن قوم نوح عليه السلام:{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} 6. وهي أسماء رجال صالحين ماتوا فصورهم قومهم ثم جاء مَن بعدهم فعبدوهم7. وكذا شرك كل قوم كان مبدؤه من عبادة غير الله، كذلك العرب
1 انظر الفتاوى 16/332 ومدارج السالكين 3/443 ومفتاح دار السعادة 1/212، وانظر تطهير الاعتقاد للصنعاني ص6.
2 سورة ص آية 5.
3 سورة النحل آية 17.
4 سورة لقمان آية 11.
5 سورة فاطر آية 3.
6 سورة نوح آية 23.
7 انظر إغاثة اللهفان 2/209 وفتح الباري 8/667 كتاب التفسير.
الذين كانوا على بقية من دين إبراهيم حتى جاء عمرو بن عامر الخزاعي بأصنام من الشام إلى الجزيرة فنصب هبل وعبده وعظمه وتبعه الناس في ذلك1.
ب- الشرك في الألوهية:
هذا أدق أنواع الشرك وأكثرها شيوعًا بين الناس، فمن صرف أي نوع من أنواع العبادات لغير الله أو صرفها لله ولغيره، فهو مشرك في الألوهية2، ولذلك حارب القرآن هذا النوع من الشرك وهدم كل وسائله، فقال تعالى في عبادة الحب:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} 3، وقال تعالى في عبادة التوكل:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِين} 4، وقال تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُون} 6، وقال تعالى في عبادة الرجاء:{أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّه} 7، وقال:{وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه} 8، وقال تعالى في عبادة الدعاء:{وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} 9. وقال: {وَالَّذِينَ تَدْعُون
1 فتح الباري 8/383 كتاب التفسير وانظر إغاثة اللهفان 2/221 وشرح الطحاوية ص26 وتطهير الاعتقاد ص13 والتحفة المهدية 2/68 وصيانة الإنسان ص465. والعقائد السلفية ص37.
2 انظر الفتاوى 1/91 واقتضاء الصراط المستقيم ص357 والدين الخالص 1/69.
3 سورة البقرة آية 165.
4 سورة المائدة آية 23.
5 سورة المجادلة آية 10.
6 سورة التوبة آية 13.
7 سورة البقرة آية 218.
8 سورة الزمر آية 9.
9 سورة يونس آية 106.
مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} 1، وقال في عبادة الصلاة والذبح:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر} 2، وقال:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} 3، وقال في عبادة الصلاة والزكاة:{فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} 4، وقال في عبادة الطواف والنذر:{ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} 5، وقال في عبادة الاستغفار:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللَّهُ} 6، وقال:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 7، وقال في عبادة الاستعاذة:{فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم} 8، وقال:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق} 9، وقال:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس} 10،وقال:{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 11، وقال في عبادة الاستغاثة:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} 12، والأمثلة في القرآن كثيرة جدًّا.
1سورة فاطر آية 13- 14.
2 سورة الكوثر آية 2.
3 سورة الأنعام آية 162-163.
4 سورة الحج آية 78.
5 سورة الحج آية 29.
6 سورة آل عمران آية 135.
7 سورة النور آية 31.
8 سورة النحل آية 98.
9 سورة الفلق.
10 سورة الناس.
11 سورة الأعراف آية 200.
12 سورة الأنفال آية 9.
وبهذا نرى أن القرآن قد ركز تركيزًا شديدًا على توحيد الألوهية وإخلاص العبادة لله بجيمع أنواعها، وهذا التركيز يتمثل من جانبين:
إما بالدعوة لعبادة الله وحده، وإما بنفي استحقاق غير الله للعبادة؛ لأنه لا يتم توحيد الألوهية إلا بهذين الجانبين المتلازمين، وهذا كما سبق أن بينا أن كل رسول دعا قومه إليه، وتمثل ذلك بدعوة نوح عليه السلام لقومه فقال تعالى عنه:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 1، وقال عنه:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَاّ اللَّهَ} 2، فهو عليه السلام دعا قومه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما دونه وهذا هو المقصود بقوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} 3، وبقوله تعالى:{فَإِيَّايَ فَاعْبُدُون} 4 أي تخصيص الله بالعبادة دون غيره؛ لأن تقديم إياك على العبادة لا يفيد إلا هذا، حيث إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر5، وهذا هو مدلول كلمة الشهادة لا إله إلا الله، ففيها نفي وإثبات، أي نفي استحقاق ما سوى الله للعبادة وحصر استحقاق الله -وحده لا شريك له- للعبادة؛ولذلك كانت هذه الكلمة أعظم واجب وأول واجب على الإنسان على الإطلاق؛ لأن إلهية ما سواه من أبطل الباطل وأظلم الظلم فلا يستحق العبادة سواه، كما لا تصلح الإلهية لغيره، فكما نفت الإلهية عما سواه وإثباتها له وحده، كذلك نفت استحقاق ما سواه للعبادة، وإثباتها له وحده، وهذا يفهمه المخاطب من هذا النفي والإثبات6.
1 سورة الأعراف آية 59.
2 سورة هود آية 25-26.
3 سورة الفاتحة آية 4.
4 سورة العنكبوت آية 56.
5 انظر تطهير الاعتقاد ص13.
6 انظر تيسير العزيز الحميد ص54.