الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7-
نعمة الأمن
يقول تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 1، ويقول تعالى:{وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 3، ويقول تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} 3، ويقول تعالى:{لإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} 4
إن من نعم الله الجليلة على أهل مكة نعمة الأمن التي خصهم الله بها ونبههم سبحانه وتعالى بها إلى وجوب عبادته وتوحيده وشكره على هذه النعمة؛ لأنه وحده هو الذي حرّم مكة فصارت بلدًا حرامًا بتحريمه إياها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها، ولا يختلى خلاها" 5
فالله إذن رب هذه البلدة الحرام ورب كل شيء ومليكه، يستحق أن يفرد بالعبادة والإخلاص له تجاه هذه النعمة.
1 سورة النمل آية 91.
2 سورة القصص آية 57.
3 سورة العنكبوت آية 67.
4 سورة قريش.
5 رواه البخاري في الحج 42 وفي الصيد 8 وفي اللقطة 7 ورواه مسلم في الحج باب 82 حديث رقم 445.
قال الطبري: "وإنما قال جل ثناؤه {رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} فخصها بالذكر دون سائر البلدان وهو رب البلاد كلها؛ لأنه أراد تعريف المشركين من قوم رسوله الله صلى الله عليه وسلم الذين هم أهل مكة بذلك نعمته عليهم وإحسانه إليهم، وأن الذي ينبغي أن يعبدوه هو الذي حرم بلدهم فمنع الناس منهم وهم في سائر البلاد يأكل بعضهم بعضًا ويقتل بعضهم بعضًا، لا مَن لم تجر له عليهم نعمة ولا يقدر لهم على نفع ولا ضر"1.
وأما السبب الذي تعلل به المشركون لعدم الإيمان فهو خوفهم من حولهم من الأمم، فبدل أن يشكروا الله ويوحدوه كفروا وقالوا:"إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا" فخشي بعض المشركين إن اتبعوا محمدًا صلى الله عليه وسلم على ما جاء به من الهدى والتوحيد أن يقصدهم من حولهم من أحياء العرب بالأذى والمحاربة ويتخطفوهم، والله تعالى قد حرم مكة على الناس أن يدخلوها بغارة وحرب، فكان أهلها في أمن والناس من حولهم في قتل وسبي، فكان موقفهم من هذه النعمة أن آمنوا بالشرك وعبدوا الأصنام وكفروا بالله وخافوا أن يذهب توحيدهم لله بأمنهم واستقرارهم، فأجابهم القرآن بأن هذا الاعتذار باطل؛ لأن الله جعلهم آمنين به من كفرهم فمن باب أولى أن يكونوا كذلك في حال إيمانهم.
عن قتادة قال: "كان أهل الحرم آمنين يذهبون حيث شاءوا وإذا خرج أحدهم فقال: "إني من أهل الحرم، لم يتعرض له وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قتل"2.
ويقول الطبري في تفسيره لقوله تعالى: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} : أو لم ير هؤلاء المشركون من قريش ما خصصناهم به من نعمتنا عليهم دون سائر
1 تفسير الطبري 20/25 وانظر تفسير ابن كثير 3/378.
2 تفسير الطبري 20/94.
عبادنا فيشكرونا على ذلك وينزجروا عن كفرهم بنا وإشراكهم ما لا ينفعهم ولا يضرهم في عبادتنا"1.
ويقول ابن كثير في تفسيره لنفس الآية: "أي أفكان شكرهم على هذه النعمة العظيمة أن أشركوا به وعبدوا معه غيره من الأصنام والأنداد وبدلوا نعمة الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار فكفروا بنبي الله وعبده ورسوله، فكان اللائق بهم إخلاص العبادة وأن لا يشركوا به، وتصديق الرسول وتعظيمه وتوقيره، فكذبوه وقاتلوه فأخرجوه من بين أظهرهم"2.
وكذلك امتن الله على أهل مكة بإهلاك أصحاب الفيل وتسييره لهم رحلتي الشتاء والصيف طالبًا منهم عبادتهم وحده لا شريك له: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} 3.
ويقو ابن كثير: "وآمنهم من خوف أي تفضل عليهم بالأمن والرخص فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدون من دونه صنمًا ولا ندًّا ولا وثنًا"4.
1 تفسير الطبري 21/14.
2 تفسير ابن كثير 3/421.
3 تفسير الطبري 30/306.
4 تفسير ابن كثير 4/553.