الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الإله: فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال، فيدخل في هذا الإسم جميع الأسماء الحسنى، ولهذا كان القول الصحيح أن "الله" أصله الإله، كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم، وأن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى، فقد تضمنت هذه الأسماء الثلاثة جميع معاني أسمائه الحسنى"1 أ. هـ.
واختلفوا في الرِّبى والرَّباني -وهو العالم المتبحر في العلم، القائم على الكتب- لماذا سمي بهذا الاسم؟ قال تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّون} 2 وقال تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} 3.
فقال جماعة: لأنه منسوب إلى الرب تعالى فهو عارف بالرب عابد له، فسمي ربيًّا، وزيدت الألف والنون للمبالغة، فهو رِبي ورَبَّاني: أي فيه ربانية4.
وقال سيبويه بأن زيادة الألف والنون ليست للمبالغة، ولكنها لإفادة تخصيصه بعلم الرب دون غيره، كأن معناه: صاحب علم بالرب دون غيره من العلوم5.
1 التفسير القيم ص598- ص599- والبدائع ص248جـ1.
2 سورة آل عمران آية 146.
3 سورة آل عمران آية 79.
4 انظر تاج العروس 1/260 ومعجم مقاييس اللغة 2/381 وأساس البلاغة ص214.
5 معجم مقاييس اللغة 2/319.
3-
معنى كلمة "الدين
"
قال أحمد بن فارس: الدال والياء والنون أصل واحد إليه ترجع فروعه كلها. وهو جنس من الانقياد والذل"1 أ. هـ.
1 معجم مقاييس اللغة 2/319.
وكلمة الدين تطلق في اللغة على معانٍ عديدة منها:
1-
القهر والاستعلاء والغلبة من ذي سلطة عليا: يقال: دِنتهم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا، والديان القهار من دان القوم: إذا ساسهم وقهرهم فدانوا له، ومنه قول ذي الأصبع العدواني:
لاه ابنُ عمك لا أفضلتَ في حسب
…
فينا ولا أنت ديّاني فتخزوني
أي لست بقاهر علي فتسوس أمري، وفسرت كلمة دان بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"الكيس من دان نفسه" 1 بالقهر أي قهر نفسه وذللها، ومن ذلك أن يقال: ديان للقاهر الغالب على قطر أو أمة أو قبيلة والحاكم عليها، كما قال الأعشى الحرمازي مخاطبًا النبي صلى الله عليه وسلم: يا سيد الناس وديان العرب.
ومنه سمى الله الديان؛ لأنه يقهر الناس على الطاعة ويحكمهم، قال ابن منظور "الديان من أسماء الله عز وجل معناه: الحكم القاضي، والديان القهار"2.
2-
وتطلق كلمة الدين لغة كذلك على الطاعة والانقياد والخضوع والذل، يقال: دان له يدين دِينًا: إذا أصحب وانقاد له وأطاعه وخضع وذل له، قال الزبيدي:"والدين الطاعة وهو أصل المعنى وقد دنته ودنت له أي أطعته"3 أ. هـ.
1 الحديث رواه الترمذي في صفة القيامة جـ9 ص282 طبعة دار الكتاب العربي ببيروت.
2 لسان العرب 13/167 وتاج العروس 9/208 وأساس البلاغة ص200.
3 تاج العروس 9/208.
والدين لله: إنما هو طاعته والتعبد له، ودانه دِينًا: أي أذله واستعبده يقال: دنته فدان وقوم دِين: أي دائنون مطيعون منقادون قال الشاعر:
ويوم الحزن إذ حشَدتْ مَعدٌّ
…
وكان الناس إلا نحن دِينا
يعني بذلك مطيعين على وجه الذل1.
والمدينة: مفعلة: سميت بذلك لأنها تقام فيها طاعة ذوي الأمر، والمدينة الأمة، والعبد: مدين، سميا بذلك لأنهما أذلهما العمل.
وقد فسر الخطابي كلمة الدين بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية"2. بالطاعة والخضوع: أي أنهم يخرجون من طاعة الإمام المفترض الطاعة وينسلخون منها ولا يخضعون له3.
ومن النظر في المعنيين السابقين نرى أن كلمة الدين استعملت في الضدين العزة والقهر والاستعلاء، وضدها الذل والطاعة والخضوع. قال القرطبي:"قال ثعلب: دان الرجل: إذا أطاع، ودان: إذا عصى، ودان، إذا عز، ودان: إذا قهر، فهو من الأضداد"4 أ. هـ.
3-
وتطلق كلمة الدين لغة كذلك على الجزاء والمكأفأة والحساب، ومنه دنته بفعله دَِينا "بفتح الدال وكسرها": أي جزيتة، يوم الدين يوم الجزاء، وفي المثل: كما تدين تدان: أي كما تجازي تجازى، ودانه دِينا: أي جازاه وحاسبه، ومن ذلك قول الشاعر:
1 انظر لسان العرب 13/170 ومعجم مقاييس اللغة 2/319 والطبري 3/211.
2 رواه البخاري في فضائل القرآن 26 والأنبياء 6 والمناقب 25 والمغازي 61 عن علي بن أبي طالب ورواه مسلم في الزكاة.
3 انظر لسان العرب 13/170 وتاج العروس 9/208.
4 تفسير القرطبي 1/144.
واعلم وأيقِن أن ملكك زائل
…
واعلم بأنك ما تدين تدان1
قال القرطبي: "الدين، والجزاء على الأعمال والحساب بها.. يدل عليه قوله تعالى:{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَق} 2: أي حسابهم
…
ومنه: الديان في صفة الرب تعالى: أي المجازي. وفي الحديث: "الكيس من دان نفسه": أي حاسبها3.
وقوله تعالى: {أَئِنَّا لَمَدِينُون} 4: أي هل نحن مجزيون محاسبون، وقوله تعالى:{وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِع} 5.
4-
وتطلق كلمة الدين في اللغة كذلك على العادة والشأن والسيرة والطريقة، يقال: دِينَ: أي عُوِّد، ويقال: ما زال ذلك ديني وديدني، أي دأبي وعادتي، وعدّه الزبيدي بأنه هو أصل المعنى، وكان صلى الله عليه وسلم على دين قومه: ليس معناه على الشرك وعبادة الأصنام، إنما معناه: على عادتهم من الكرم والشجاعة وغير ذلك من أخلاقهم الحميدة.
فكأن الدين أطلق على العادة؛ لأن النفس إذا اعتادت شيئًا مرنت معه وانقادت له6.
1 تفسير الطبري 1/68.
2 سورة النور آية 25.
3 تفسير القرطبي 1/143 وانظر لسان العرب 13/169 ومعجم مقاييس اللغة 2/220 وتاج العروس 9/208 والمصباح المنير 1/221.
4 سورة الصافات آية 53.
5 الذاريات 6.
6 انظر معجم مقاييس اللغة 2/319 ولسان العرب 13/167وتاج العروس 9/208.
5-
وتطلق كلمة الدين في اللغة أيضًا على ما يتدين به الرجل، ومنه: دان بالإسلام ديِنًا وتدين به: أي تعبد به واتخذه دينا، ودَيِّن: مثل سيد أي صاحب دين وديّنته: بالتثقيل: وكلته إلى دينه وتركته وما يدين به، قال الزبيدي: "والدين: اسم لما يتعبد الله عز وجل به عباده، والدين الملة، يقال اعتبارًا بالطاعة والانقياد للشريعة، قال الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلام} 1 2 أ. هـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والدين يتضمن الخضوع والذل، يقال: دِنته فدان: أي ذللته فذل، ويقال: يدين الله ويدين لله: أي يعبد الله ويطيعه ويخضع له، فدين الله عبادته وطاعته والخضوع له"3 أ. هـ.
وقد ذكر الزبيدي، عدة معان لكلمة الدين في اللغة منها: الجزاء، والمكافأة والإسلام، والعادة والشأن، والعبادة، والطاعة والذل، والانقياد، والحساب والقهر، والغلبة، والاستعلاء، والسلطان، والملك والحكم والسيرة والتوحيد والدين اسم لما يتعبد به، والدين الملة، والدين الورع، والمعصية، والإكراه، والحال، والقضاء4.
هذه المعاني الكثيرة التي تدخل تحت مفهوم الدين، متقاربة حسب ارتباط بعضها ببعض، ونستطيع حصرها حسب اشتقاقات الكلمة، وبالنظر إلى تعديتها بالباء أو باللام أو بنفس الكلمة بثلاثة وجوه5.
1 سورة آل عمران آية 19.
2 تاج العروس 9/208 وانظر لسان العرب 13/170 والمصباح المنير 1/221.
3 الفتاوى 1/43.
4 تاج العروس 9/208.
5 الدين لدراز 25-27.
1-
إذا عديت الكلمة بنفسها فقلنا: "دانه دينا": شملت معاني: الملك والحكم والقضاء والقهر والمحاسبة والجزاء والأمر والإكراه والغلبة والاستعلاء والسلطان وما في معناها.
2-
وإذا عديت الكلمة باللام فقلنا: "دان له" شملت معاني: الطاعة والخضوع والعبادة والذل والانقياد وما في معناها.
ونلاحظ هنا أن بين المعنيين تلازمًا، وكلاهما مرتبط بالآخر: فقولنا: "دانه فدان له": أي قهره فخضع له وأطاع وذل.
3-
وإذا عديت بالباء فقلنا: "دان به"، شملت معاني: العادة والشأن والملة والطريقة والسيرة ومافي معناها، لأن كل من دان بشيء فقد اتخذه مذهبًا ودينًا واعتاده وتخلق به، وعلى هذا فكل طريقة يسير عليها المرء في حياته نظرية كانت أو عملية تسمى دينًا، وهذا المعنى الأخير مرتبط بما قبله كذلك، لأن من دان بالشيء يكون قد خضع له وانقاد والتزم طاعته واتباعه، وقد بين كيفية التلازم بينها الدكتور محمد عبد الله دراز فقال:"وجملة القول في هذه المعاني اللغوية: أن كلمة الدين عند العرب تشير إلى علاقة بين طرفين يعظم أحدهما الآخر ويخضع له، فإذا وصف بها الطرف الأول، كانت خضوعًا وانقيادًا. وإذا وصف بها الطرف الثاني، كانت أمرًا وسلطانًا وحكمًا وإلزامًا، وإذا نظر بها إلى الرباط الجامع بين الطرفين، كانت هي الدستور المنظم لتلك العلاقة والمظهر الذي يعبر عنها، ونستطيع الآن أن نقول: إن المادة كلها تدور على معنى لزوم الانقياد، فإن الاستعمال الأول: الدين هو إلزام الانقياد، وفي الاستعمال الثاني: هو التزام الانقياد، وفي الاستعمال الثالث: هو المبدأ الذي تلتزم الانقياد له "1. انتهى بلفظه.
1 الدين لدراز 25- 27.
وقد عرف العلماء المسلمون الدين بتعاريف مختلفة منها تعريف ابن الكمال بأنه: وضع إلهي يدعو أصحاب العقول إلى قبول ما هو عن الرسول، وقال غيره بأنه: وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إلى الصلاح في الحال والفلاح في المآل، وعرفه الدكتور محمد عبد الله دراز: بأنه ما شرعه الله على لسانه نبيه من الأحكام، وسمى دينًا لأننا ندين به وننقاد له1.
إن مفهوم الدين في الإسلام واسع لا يقتصر على النواحي الاعتقادية والتعبدية فهو يشمل نظام الحياة الكامل الشامل لنواحيها الاعتقادية والتعبدية والفكرية والخلقية والعلمية والعملية والاقتصادية وغيرها، فإن كان هذا النظام مستندًا إلى شرع الله وسلطته، فهو دين الله الحق، وإن كان هذا النظام مستندًا إلى شرع البشر والحكام وسلطانهم فهو دين الحكام، وهو دين باطل، ويجب البراءة منه كما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوجيه الله تعالى له أن يقول للكفار الذين عبدوا الأصنام وشرعوا من عند أنفسهم ما لم يأذن به الله:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين} 2، وقد بين ابن القيم رحمه الله3: بأن هذه الآية ليست إقرارًا من الرسول صلى الله عليه وسلم لدين الكفار ورضًا به، بل هو أمرَ بالبراءة من دينهم وكلِّ دين باطل، والمعنى أن الدين الذي أدين به غير دينكم الباطل الزائف.
وقال تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} 4، فواضح في هذه الآية أن الدين يشمل النظام العام في البلاد وفي جميع مناحي الحياة؛ لأن نظام الملك وشرعه، ما كان يجعل عقوبة السارق هو أخذه جزاء سرقته، إنما كان هذا نظام يعقوب وشريعة دينه، فالدين هنا هو النظام والشرع،
1 انظر الدين 28.
2 سورة الكافرون آية 6.
3 انظر كتاب بدائع الفوائد 1/138-141.
4 سورة يوسف آية 76.
وإن كثيرًا من الناس يقصرون مفهوم الدين على الاعتقاد والشعائر، ويعتبرون أن كل من يعتقد وحدانية الله وصدق رسوله ويؤمن بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ويؤدي الشعائر المكتوبة، داخلًا في دين الله وإن كان خاضعًا بالطاعة لغير الله من الأرباب والآلهة المتفرقين في الأرض، وإنما سمى الله الأحبار والرهبان أربابًا من دون الله، لإعطائهم لأنفسهم حق التشريع في الحلال والحرام، فقال تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 1.
إن هذا الانكماش في مفهوم الدين حتى أصبح لا يعني في تصور كثير من الناس إلا الاعتقاد والشعائر، لم يكن كذلك يوم جاء هذا الدين منذ آدم ونوح إلى محمد عليهم السلام، لقد كان هذا الدين يعني دائمًا الالتزام بشرع الله في العقائد والشعائر والشرائع، ورفض ما يشرعه غيره وإفراده تعالى بالألوهية، وهذه هي الصورة الوحيدة التي تدخل الناس في دين الله، وأما إذا حكموا في حياتهم نظامًا وشرعًا من عند غير الله من الحكام والرؤساء، فهم في دين الحاكم الذي قبلوا نظامه وشرعه، ولا يجوز لمسلم أن يجهل هذه الحقيقة، وجهله لا يعفيه من أنه قد أشرك بالله غيره، وخرج من دينه لدين غيره من الأرباب والآلهة، لأن دين الله منهج شامل لجزئيات الحياة اليومية وتفصيلاتها، وكل جزئية من جزئيات الحياة اليومية وتفصيلاتها فضلًا عن أصولها وكلياتها داخلة في دين الله، وهي الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينًا غيره، وأن الشرك بالله لا يتمثل فحسب في الاعتقاد بألوهية غيره معه، ولكنه يتمثل ابتداء في تحكيم أرباب غيره، وأن عبادة الأصنام لا تقتصر على الأحجار والأشجار، بل تتمثل في إقامة شعارات ومبادئ ونظم لها كل ما لتلك الأصنام من نفوذ، يقول ابن تيمية رحمه الله: وجماع الدين أصلان: أن لا نعبد إلا الله، ولا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بالبدع، وكما قال تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} 2، ففي الأولى:
1 سورة التوبة آية 31.
2 سورة الكهف آية 110.