الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: تقرير القرآن للتوحيد بالقصص القرآني
تمهيد
لقد أكثر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم من القصص التي تتحدث عن الأنبياء وما جرى بينهم وبين أقوامهم، وقصص أخرى تتحدث عن غير الأنبياء، وكلها فيها عبر ودلائل على وحدانية الله، وأن الله يؤيد عباده الموحدين ويدمر المشركين به.
والقصص القرآني له أهداف كثيرة من الصعب حصرها إلا أني أذكر منها على سبيل المثال:
1-
إثبات الوحي والرسالة.
2-
إثبات وحدة الدين من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
3-
تثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم.
4-
إثبات البعث.
5-
إثبات وحدانية الله تعالى.
6-
العظة والاعتبار بمصير المكذبين.
7-
عاقبة الصبر والجزع والشكر والبطر وغيرها.
ونلاحظ أن كثيرًا من القصص وردت أكثر من مرة، وقد استغل أعداء الله الذين تأثروا بالزنادقة قديمًا وبالملحدين والمستشرقين حديثًا -استغلوا هذا التكرار للطعن في قصص القرآن ليتوصلوا إلى أن القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم وليس هو من وحي الله.
وهذا الطعن قد يكون منشؤه قياسهم قصص القرآن بالقصص الأدبية التي يؤلفها البشر، ولكنهم لو نظروا إلى العظات والعبر التي في القصة الواحدة والتي تختلف من موضع لآخر، وأنه قد يذكر في موضع غير ما ذكر في المواضع الأخرى من نفس القصة، لعرفوا السر في هذا التكرار وأن فيه فوائد ولما كان مطعنًا في رأيهم.
وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذا المطعن بما فيه الكفاية والإقناع لمن أراد الحق وتجرد عن الهوى؛ حيث يقول في كلامه عن قصة موسى: "وقد ذكر الله هذه القصة في عدة مواضع من القرآن يبين في كل موضع منها من الاعتبار والاستدلال نوعًا غير النوع الآخر كما يسمي الله رسوله وكتابه بأسماء متعددة كل اسم منها يدل على معنى لم يدل عليه الاسم الآخر، وليس في هذا تكرار بل فيه تنويع الآيات
…
وليس في القرآن تكرار أصلًا، وأما ما ذكره بعض الناس من أنه كرر القصص مع إمكان الاكتفاء بالواحدة، وكان الحكمة فيه أن وفود العرب كانت ترد على رسول صلى الله عليه وسلم فيقرؤهم المسلمون شيئًا من القرآن فيكون ذلك كافيًا، وكان يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة، فلو لم تكن الآيات والقصص متناثرة متكررة لوقعت قصة موسى إلى قوم وقصة عيسى إلى قوم وقصة نوح إلى قوم، فأراد الله أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض، وأن يلقيها إلى كل سمع، فهذا كلام من لم يقدر القرآن قدره"1 انتهى باختصار.
وإنني في هذا الفصل لن أتكلم عن قصص القرآن من جهة السرد التاريخي لما جرى لكل رسول مع قومه، كما أنني لن أتكلم عن كل أهداف القصص القرآني، لأن ذلك يطول بي البحث حيث أن قصة واحدة من قصص الرسل، وهدفًا واحدًا من أهداف القصص القرآني كفيل بأن يستغرق مئات الصفحات وليس
1 الفتاوى 19/166 - 167.
هذا هو موضوع الفصل، ولكني أقتصر على الإشارة بما يحصل به المقصود من عنوان الفصل، وكيف ورد تقرير التوحيد على لسان الرسل وإبطال الشرك، وما آل إليه أمر من كذبهم؛ لأن التوحيد هو رأس الأمر بل هو الغاية العظمى من هذه القصص.
وقد اقتصرت في هذا الفصل على ذكر اثنتي عشرة قصة من قصص القرآن وفي مقدمتها قصص أولي العزم من الرسل وتركت بقية القصص اكتفاءً بما ذكر وخوف إطالة الموضوع. وقد جاءت هذه القصص على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: قصص أربعة من أولي العزم من الرسل.
القسم الثاني: قصص رسل من غير أولى العزم.
القسم الثالث: قصتان لغير الرسل من الموحدين.
وفيما يلي التفصيل.