الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: تقرير القرآن للتوحيد بالأدلة العقلية
تمهيد:
خلق الله الإنسان وركب فيه العقل، وأمره أن يستخدم هذا العقل في طاعة الله تعالى وأن يفكر في مخلوقاته.
وقد نبه القرآن الكريم إلى أهمية العقل في آيات كثيرة، وكان يصف الكفار بأنهم لا يعقلون ولا يفقهون، وكان ينبه إلى أن آياته لا يستفيد منها إلا أولو النهى والألباب وهي العقول السليمة.
ولا أعني بهذا الفصل ما عناه المعتزلة من إسناد كل شيء إلى العقل حتى جعلوا العقل حاكمًا على الشرع مقدمًا عليه وقالوا بالتحسين والتقبيح العقليين، بل جعلوا التوحيد والثواب عليه والعقاب على تركه ثابت بالعقل1.
كما أنني لا أعني بهذا الفصل ما عناه أرباب الكلام من الإتيان بالمسائل المعقدة من الفلسفة اليونانية، لأن القرآن منزه عن مثل ما وصلت إليه الفلسفة اليونانية من الطرق الجدلية العقيمة والسفسطة الذميمة.
وإنما عنيت بهذا الفصل إبراز الأدلة السمعية التي نبهت العقل وأيقظته بكل بساطة ووضوح وبعد عن الجدل العقيم، والتي سلكت بالعقل أقرب الطرق وأيسرها لبيان حقيقة وحدانية الله ووجوب إفراده بالعبادة لا شريك له.
1 انظر مدارج السالكين 3/488.
وأما من تنكر للعقل وأهمله وجعل دلالة القرآن سمعية خبرية لم ينبه فيها على الأدلة العقلية، فهو مخطئ كذلك أشد الخطأ، وفي هذا موافقة للمتهجمين على أدلة القرآن من الفلاسفة الذين يقولون بأنها أدلة تعرف بالخبر المجرد دون استناد إلى العقل الصحيح، فليس في القرآن أدلة عقلية على رأيه لأنه يقدح في الدلائل العقلية مطلقًا معتبرًا أنها هي الكلام المبتدع الذي أحدثه المتكلمون وأن القرآن إنما يدل على الخبر فقط.
والسبب الذي أوقع هؤلاء في هذا الفهم ظنهم أن كون الدليل شرعيًّا يقابل بكونه عقليًّا، وهذا خطأ واضح، فالدليل الشرعي يقابله البدعي، والدليل الشرعي قد يكون سمعيًّا وقد يكون عقليًّا1.
وكل دليل سمعي جاء في القرآن فإنما يكون تدبره وفهمه والتفكير فيه بالعقل، فالأدلة الكونية مثلًا هي أدلة سمعية ولكن النظر في السماوات ونجومها والأرض وجبالها والتنظيم الدقيق بين أجزاء الكون لا يكون إلا بالعقل.
وكذلك الأمثال المضروبة في القرآن هي أدلة سمعية، وللعقل دور كبير في ترتيب المقدمات والنتائج والاتعاظ بما جرى للأقوام السابقين والنظر في آثارهم الباقية.
وكذلك عندما يذكّر القرآن في آياته بنعم الله على الإنسان ووجوب شكر المنعم وتوحيده وعبادته، فهي آيات سمعية، لكن بغير العقل لا نستطيع التفكير في عظمة هذه النعم وكثرتها، والعقل مقر بأن الإنسان لم ينعم على نفسه بهذه النعم؛ لأنه يفرق بين المنعم والمنعم عليه.
1 انظر موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول 1/116-117 والفتاوى 3/296 و14/137 والنبوات ص48 وانظر مدارج السالكين 3/488-492.
وبهذا يتبين أن أدلة القرآن كلها سمعية عقلية، سمعية: لورودها في القرآن، وعقلية: لأن للعقل قدرة على التفكير فيها والنظر والاعتبار إذا سلك المسلك الصحيح لانتفاء الفرق بين نتيجة العقل الصريح والمنقول الصحيح.
وقد أفردت هذا الفصل للأدلة العقلية في القرآن لا لأن الفصول التي تقدمت في هذا الباب ليست عقلية، إنما لأذكر في هذا الفصل كل دليل على وحدانية الله لم يدخل تحت فصل من الفصول السابقة.
والكلام على هذا الفصل في مبحثين:
المبحث الأول: الكلام على الأدلة العقلية المتعلقة بالله وهي خمسة أدلة:
1-
دليل الخلق والملك.
2-
دليل عدم فساد الكون.
3-
دليل نفي الولد عن الله.
4-
دليل الرزق.
5-
دليل النوائب.
والمبحث الثاني: الكلام على الأدلة العقلية المتعلقة بالأصنام وهما دليلان:
1-
دليل النقص.
2-
دليل العجز.
وفيما يلي التفصيل: