الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فانظر كيف تتجلى النعمة العظمى بإنزال المطر بالقدر المطلوب، لا كثيرًا فيفسد الأرض والعمران ولا قليلًا فلا يكفي الزروع والثمار، وكيف جعل في الأرض قابلية خزنه للاستفادة منه فيما بعد، ولو شاء الله أن لا تمطر السماء لفعل، ولو شاء جعله أجاجًا لفعل، ولو شاء ذهابه في أعماق الأرض بحيث لا ينال لفعل، فامتن الله على عباده إذن بكل هذه النعم منبهًا إياهم لوجوب شكره.
جـ-
نعمة النبات:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} 1، وقال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنَ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} 2.
وقال تعالى: {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} 3، وقال تعالى:{وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ، وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ، لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ، سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} 4.
ينبه سبحانه وتعالى عباده إلى نعمة جليلة من نعمه، وهي نعمة النبات والثمار
1 سورة الأنعام آية 95.
2 سورة الأنعام آية 99.
3 سورة النمل آية 60.
4 سورة يس آية 33-36 وانظر سورة الأعراف 57 وسورة إبراهيم 32 وسورة النحل 10-13 وسورة المؤمنون آية 19-20 وسورة الواقعة آية 63-65 وسورة النبأ آية 15-16 وسورة عبس آية 26-32.
لأن الله وحده خالق الحب والنوى الذي يخرج منه الزروع والثمار على اختلاف أصنافها، وهو وحده كذلك يخرج الحب المتراكب والقنوان الدانية وجنات الأعناب والزيتون والرمان، وليس ذلك من فعل أحد غير الله، فالعبد يشق الأرض ويضع فيها الحب، والزارع المنبت هو الله دون الأنداد والأوثان، ولو شاء الله أن يجعل هذا الزرع حطامًا يابسًا قبل موعد حصاده ما استطاع أحد إنباته، وأقصى ما يعمله الإنسان هو التعجب والتفجع والحزن على ما فاته من الزرع والثمر.
هذه النعم السابقة كلها تدل على وحدانية الله واستحقاقه لأن يشكر ويفرد بالعبادة، لأنه هو وحده المنعم المستحق علينا الطاعة والعبادة لا من لا يقدر على الإنعام ولا يضر ولا ينفع، فهذه النعم كلها تنبيه منه تعالى لخلقه على حججه عليهم في توحيده وأنه لا ينبغي الألوهية إلا له، ولا تصلح العبادة لشيء سواه. ولذلك نعى الله على المشركين الذين أشركوا به ونسبوا له البنات مع تعريفهم نعمه عليهم، فبعد أن ذكر جملة من النعم في سورة الأنعام قال تعالى:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ} إلى قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} 1. فبدل أن يشكروا الله على نعمه ويوحدوه أشركوا به.
وكذلك في سورة النمل يقول تعالى في نهاية تعداده نعمه على عباده: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} أي هل فعل هذا إله آخر غير الله فتعبدوه؟ وهو استفهام إنكار على المشركين الذين يعبدون غيره مع وضوح الأدلة، قال ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى بعد ذكره نعمة النبات:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} 2، قال:"أي دلالة وحجة على أنه لا إله إلا الله"3.
1 سورة الأنعام آية 100- 102.
2 سورة النحل آية 11.
3 تفسير ابن كثير 2/564 وص 222 وص 539 وص 574 و3/242 وص 321 وص369 وص 436 وانظر تفسير الطبري 3/255 و8/210 و14/130 و18/12 و19/22 و20/3 و21/52 وانظر هذه النعم بتوسع في مفتاح الدار السعادة 15/201-224.