الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
قصة يوسف عليه السلام
1
قصة يوسف عليه السلام ذكرت متكاملة في سورة واحدة، والذي يهمنا منها في هذا الفصل هو دعوته إلى التوحيد داخل السجن وتعريفه السجناء بالله الواحد الأحد.
بينما يوسف عليه السلام في السجن إذ جاءه فتيان سجينان معه يسألانه عن تعبير الرؤى، فطمأنهما أولًا بأنه سيعبر لهما ما رأيا بل يخبرهما بما سيحمل إليهما من طعام، ليزيد اهتمامها بكلامه فيشتاقا لسماعه، وأراد يوسف استغلال الموقف لنشر التوحيد، فبدأ بإسناد ذلك العلم إلى الله وحده، وهذا بداية التنبيه على الوحدانية ونبذ الشرك والأصنام حيث بين لهم أولًا أن هذا العلم الذي حصل عنده هو من تعليم الله إياه:{قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَاّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} 2.
ثم زادهما معرفة وترقى في الطعن بأصنامهم، فبين أنه ليس على ملة أهل مصر الذين يعبدون الأصنام، وإنما هو على ملة آبائه وأجداده ملة التوحيد الخالص:{إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ، وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ} 3، ثم بين لهما أن الهداية إلى التوحيد ونبذ الأصنام إنما هو من فضل الله، وجدير بمن هداه الله أن يشكره، وأول نتائج شكره إخلاص التوحيد له دون الأنداد والأوثان:{مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} 4
1 انظر سورة يوسف كاملة.
2 سورة يوسف آية 37.
3 سورة يوسف آية 37-38.
4 سورة يوسف آية 38.
ثم ترقى أكثر في الدعوة إلا أنه لم يطلب منهما طلبًا صريحًا ترك الشرك وإعلان التوحيد، بل وجه ذلك لهما بشكل سؤال فيه غاية الحب والمودة وهو سؤال يقرع الفطرة: أيهما أفضل عبادة رب واحد أم التوجه لأرباب كثيرة؟ {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} 1.
ثم وجه يوسف عليه السلام ضربته الصريحة لعقيدة الشرك والوثنية السائدة في مصر آنذاك، والتي كان عليهما حاكم مصر والبيت الذي نشأ فيه يوسف والشعب بكامله، فبين أن هذه الآلهة المنتشرة في مصر في المعابد الفرعونية ليست إلا مجرد أسماء لا مسميات تحتها؛ لأنها من اختراع المصريين القدامى وليس لهم حجة على عبادتها، وإن الحكم الحقيقي والتصرف المطلق في الكون كله هو لله الواحد القهار المستحق للعبادة دون ما يعبدون، وهذا الدين الذي صرح به ودعاهما إليه هو الدين القيم الصحيح وإن جهله أكثر الناس، فجهل الناس بالحق لا يقلبه باطلًا، واستمساك الناس بباطلهم لا يقلبه حقًّا، قال تعالى عنه:{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 2.
فلتعلموا يا كفار مكة إذن أن هذا الدين الذي يدعوكم إليه محمد صلى الله عليه وسلم دين التوحيد الخالص وهو دين الأنبياء جيمعًا من يوم أن خلق الله آدم، وأن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل يعلن بكل وضوح أنه على دين آبائه وجده إبراهيم دين الحنيفية السمحة الخالي من الشرك، فأين زعمكم إذن أنكم على دين إبراهيم وأنتم مشركون تعبدون الأصنام، وإبراهيم كان مائلًا عن الشرك.
1 سورة يوسف آية 39.
2 سورة يوسف آية 39-40.