الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: القيم الأخلاقية ومعاييرها في الإسلام
الفصل الأول: المعايير الأخلاقية
مدخل
…
الباب الثالث: القيم الأخلاقية ومعاييرها في الإسلام
الفصل الأول: المعايير الأخلاقية
سنعالج في هذا الفصل المعايير الأخلاقية التي نستطيع أن نميز بها بين السلوك الأخلاقي وغير الأخلاقي وتقييم1 الأخلاق بصورة عامة.
1 نستخدم هنا كلمة تقييم بمعنى بيان قيمة الأخلاق لا بمعنى التقويم.
الاتجاهات الفكرية في المعايير الأخلاقية
مدخل
…
أولا: الاتجاهات الفكرية في المعايير الأخلاقية:
ولعل مشكلة المعايير تعد من أعقد المشكلات في التفكير الأخلاقي، وإذا رجعنا إلى الدراسات الفلسفية لنرى الحلول التي قدمتها، والمعايير التي حددتها، وجدنا فيها اتجاهين عامين ورأينا كل اتجاه يتضمن عدة آراء معيارية لحل هذه المشكلة وتحديد هذا الحل.
الاتجاه الأول: الاتجاه الخارجي:
وهو بوجه عام يقيس الأعمال الأخلاقية بالمعايير الخارجية التي لا تمت إلى باطن الإنسان بصلة، وقد انقسم أنصار هذا الاتجاه إلى مذاهب مختلفة فمنها: المذهب البراجماتي الأمريكي الذي يقيس الأعمال الأخلاقية بمدى ما يقدم من نفع أو نجاح عملي، ماديا أو معنويا، وسواء أكان هذا النفع خاصا بالفرد أم بالمجتمع، وكلما عاد النفع إلى أكبر قدر ممكن من الناس زادت درجة أخلاقية الفعل النافع1، وهذا الاتجاه بوجه عام يقيس الأعمال بآثارها ونتائجها، ومنها مذهب الوسطية الذي قال به "أرسطو"، فالعمل الأخلاقي هو العمل الذي يكون وسطا بين فعلين كلاهما رذيلة، فالشجاعة مثلا وسط بين الجبن والتهور،
1 الفلسفة الخلقية. د. توفيق الطويل، ص 273.
والسخاء وسط بين الإسراف والبخل، والحلم وسط بين الشراسة والفتور وهكذا1، ولقد أخذ بهذا الرأي معظم المفكرين الإسلاميين الذين درسوا الأخلاق.
غير أننا نلاحظ أن هذا المعيار لا يمكن أن يكون عاما بحيث ينطبق على جميع الأعمال الأخلاقية؛ لأننا نجد أعمالا أخلاقية ليست وسطا لأعمال أخرى مثل: الصدق له مقابل واحد وهو الكذب وكذلك الحق والباطل إذن ليس من الضروري أن تكون كل فضيلة وسطا بين فعلين كلاهما رذيلة، على أن "أرسطو" قد أدرك عدم شمول هذا المعيار لجميع الأفعال الأخلاقية، ولهذا استثنى منه الأفعال التي لا وسط لها مثل: الحسد والصدق والزنا وما إلى ذلك من الأمور2.
ومنها مذهب التكيف البيئي الذي نادى به "اسبنسر"، ويرى أن المعيار الأخلاقي هو التوافق مع البيئة، فكلما كان الفعل أكثر اتفاقا مع البيئة كان أكثر أخلاقية؛ لأن التوافق خير وعدم التوافق شر، فالأول ينتج اللذة والسرور، والثاني ينتج الألم والشقاء3.
ومنها المذهب الواقعي والتجريبي الذي يرى أن معيار العمل الأخلاقي هو التجربة فهي التي تميز بين العمل الأخلاقي وغير الأخلاقي، أي: أننا لكي نعرف أن هذا العمل أو ذاك أخلاقي أو غير أخلاقي، نجربه عمليا، فإذا جلب لنا نفعا ماديا أو معنويا فهو أخلاقي، وإذا جلب لنا ألما حسيا أو معنويا فهو غير أخلاقي4.
1 علم الأخلاق لأرسطو جـ1 ص247 وما بعدها.
2 المرجع السابق، ص 247 وما بعدها.
3 الفلسفة الخلقية ص 235.
4 المرجع نفسه ص 165.