الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا:
أهمية الأخلاق:
ونذكر جوانب هذه الأهمية في النقط الآتية:
1-
أهمية الأخلاق باعتبارها من أفضل العلوم وأشرفها، ذلك أن علم الأخلاق- بالتعريف المختصر- هو علم الخير والشر والسلوك النافع والضار، والطيب والخبيث، ولهذا عندما يحاول بعض العلماء بيان قيمة علم الأخلاق بالنسبة للعلوم الأخرى فمنهم من يقول: إنه إكليل العلوم جميعًا، ومنهم من يقول: إنه تاج العلوم، ومنهم من يقول: إنه زبدة العلوم، ذلك أن العلوم الأخرى أساسا تساعد على الأخلاق في الكشف عن الخير والشر، وعن النافع والضار، وهما موضوع الأخلاق، ولهذا أيضًا فإن علم الأخلاق يستخدم العلوم الأخرى في الكشف عن مهمته وتحقيق أهدافه، وتعتبر تلك العلوم وسائل معينة لتحقيق هذا العلم.
2-
إن السلوكيات الأخلاقية وآدابها هي التي تميز سلوك الإنسان عن سلوك البهائم سواء في تحقيق حاجاته الطبيعية أو في علاقاته مع غيره من الكائنات الأخرى، فالآداب زينة الإنسان من حيث الجنس والأكل والشرب والنظافة، وتذوق السلوك الجميل وتمييزه عن السلوك القبيح، والبحث عن أفضل العلاقات وأحسنها في المعاشرة والمحادثة والتعاون والتآلف وتبادل المحبة والإكرام والإحسان والتراحم والتعاطف وغيرها.
ولهذا فالآداب الأخلاقية زينة الإنسان وحليته الجميلة، وبقدر ما يتحلى بها الإنسان يضفي على نفسه جمالا وبهاء، وقيمة إنسانية.
أهمية الأخلاق من حيث إن هدفها تحقيق السعادة في الحياة الفردية والجماعية.
ذلك أن الحياة الأخلاقية هي الحياة الخيرة البعيدة عن الشرور بجميع أنواعها وصورها، فكلما انتشرت هذه الحياة انتشر الخير والأمن والأمان الفردي والاجتماعي، وتنتشر أيضًا الثقة المتبادلة والألفة والمحبة بين الناس، وكلما غابت هذه الحياة انتشرت الشرور وزادت العداوة والبغضاء، والنفور والتناحر والتكالب من أجل المناصب، ومن أجل المادة والشهوات، والشرور أصلًا سبب التعاسة والشقاء في حياة الفرد والجماعة، ولذا قال أحد الأخلاقيين الغربيين: إن الحياة من غير قيم -وإن كانت حلوة على الشفاه- فإنها مرة على القلوب والنفوس؛ ولهذا أيضًا عندما يتكلم بعض علماء النفس عن عذاب الوجدان، يقولون: إنها لظى جحيم يعض قلوبنا ليلا ونهارا، ولهذا يرجع بعض علماء النفس الأمراض النفسية إلى عذاب الوجدان، ويقول: إن كل مرض نفسي يبدو وراءه نقص خلقي.
4-
أهمية الأخلاق من حيث إنها وسيلة لنجاح الإنسان في الحياة.
ذلك أن الإنسان الشرير والغاش والمعتدي على أعراض الناس وأموالهم أو على أنفسهم، أو الذي يؤذي الآخرين لا يكون محبوبًا أولًا بين الناس، ولا يثقون به، ولا يتعاملون معه، ثم أن الغشاش لا بد من أن ينكشف غشه وخداعه في يوم من الأيام إن عاجلا أو آجلا، وعندما يعلم أمره يعاقب أو يبعد عن وظيفته وإن كان تاجرًا لا يتعامل الناس معه وهذا يؤدي إلى فشله.
والطالب إذا غش فإنه لا بد من أن ينكشف أمره إما في أيام الامتحانات
أو بعد أن يتولى الوظيفة؛ لأن الغشاش يستخدم غشه ونيته السيئة أينما كان وسوف ينكشف أمره، ولهذا قال الشاعر:
ومهما تكن عند امرء من خليقة
…
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
ثم إن الطالب الذي يغش في الامتحان سوف يعتمد على الغش، وهذا يؤدي إلى ضعف تكوينه العلمي ويظهر ذلك بعد التخرج وبعد ما يتولى وظيفته.
5-
أهمية الأخلاق من حيث إنها وسيلة مهمة للنهوض بالأمة:
ذلك أن سقوط الأمم والحضارات كثيرًا ما ترجع أسبابها إلى الانهيار الأخلاقي فيها، كما قررها بعض المؤرخين مثل جيبون وابن خلدون.
الأخلاقيات الهدامة كثيرة منها: الظلم ونقض العهود والتناحر من أجل السلطة والعدوانية والتخريب، أما إذا انتشرت الروح الأخلاقية كالتضحية في خدمة الأمة وروح الإخاء والتعاون وتحقيق المساواة والعدالة الشاملة وتنفيذ العهود، سوف تؤدي إلى التقدم، ونجد أفراد الأمة يخترعون ويبدعون ويتفاخرون بتقدم أمتهم، ثم إن التقدم يكون نتيجة سيادة الأمن والاستقرار في المجتمع، ولا يتحقق هذا وأمثاله إلا بانتشار الأخلاق والروح الخيرة والتعاون المثمر والقيام بالواجبات والأعمال والصناعات كما ينبغي ويجب.
والحقيقة أني ما كنت أدرك سر أهمية الأخلاق في تقدم الأمم ونهضتها، وكان مفتاح الوقوف على السر هو قراءتي لحوار جرى مع وزير التعليم الياباني قبل عشرين سنة تقريبًا فيسأل الصحفي الوزير ويقول: ما سر تقدم اليابان هذا