الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجماعات بل كان عمليا حيث إن هذا التنظيم يتسق تمام الاتساق مع قوانين الحياة والطبيعة فهو قد امتاز بذلك كله على بعض الأخلاقيات الفلسفية مثل الأخلاق المادية الوضعية والأخلاق الكانطية والأرسطية التي تحصر الأخلاق على العلاقة بين الإنسان والإنسان فقط1، ويمتاز كذلك على بعض الأخلاق الدينية القديمة التي تقصر الأخلاق على ما بين الإنسان وبين الله. ويمتاز أخيرا على الأخلاق الاجتماعية التي تقصر الأخلاق على العلاقات الاجتماعية بين الفرد والمجتمع2.
وهكذا نرى أن الأخلاق الإسلامية قد جمعت بين الأخلاق الفلسفية والدينية والاجتماعية معا. ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم صادقا عندما قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" 3، وصدقه الله تعالى عندما قال:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 4.
1 علم الأخلاق لأرسطو، مقدمة بارتلمي ص 128-134.
2 التربية الأخلاقية. دور كايم، جـ 8-9.
3 منتخب كنز العمال في هامش مسند الإمام أحمد جـ1 ص 132.
4 القلم: 4.
2-
أصالة الأسس التي أقام عليها الإسلام نظامه الأخلاقي:
لقد أقام الإسلام صرح الأخلاق على أسس لا غنى عنها، ولننظر إلى مدى ضرورة كل واحد من الأسس السابقة، فقد كان الأساس الميتافيزيقي والاعتقادي ضروريا للأخلاق؛ لأنه يوجه الإنسان إلى طريق الحق في التفكير وطريق الخير في السلوك؛ ولأنه يعد أقوى إلزام للإنسان باتباع هذا الطريق أو ذاك.
وضرورة الأساس الواقعي والعلمي تظهر في أمرين أولها: أن مراعاة الواقع وقوانين الطبيعة الكونية عامة شرط أساسي حتى تكون الأخلاق واقعية، وصالحة للتطبيق العملي في ظروف وأزمان مختلفة. وثانيهما: أن هذا الأساس الواقعي دافع إلى الالتزام بالأخلاق على أساس أنها أسلم طريق يحقق المطالب الأساسية للإنسان ويوجهه إلى حياة فاضلة تتناسب مع مكانته ومركزه في الكون.
ولا يخفى علينا أيضا مدى ضرورة الأساس القائم على مراعاة الطبيعة الإنسانية لدوام النظام الأخلاقي، ذلك أن أي نظام لا يراعي هذه الطبيعة من حيث متطلباتها الضرورية وإمكاناتها العملية فلا بد من أن يكون منبوذا ومنافيا لهذه الطبيعة ولا بد من أن يبوء بالفشل أخيرا.
والنظام الأخلاقي في الإسلام لم يكتفِ -كما رأينا- بمراعاة تلك الطبيعة من حيث حاجاتها وإمكاناتها بل وجهها نحو أفضل وأسمى حياة، فيها سعادتها وفلاحها في العاجل والآجل.
وكذلك لا يمكن الاستغناء عن أساس الإلزام والالتزام، وخاصة إذا كان هذا الأساس قد جمع جميع عناصر الإلزام وكان مراعيا في ذلك طبيعة الإنسان وكرامته.
أما أساس الحرية والمسئولية فيحتمه التفكير الأخلاقي من ناحية، ووضع الإنسان أمام خالقه من ناحية ثانية ثم تحمل الإنسان مسئولياته بنفسه عن جدراة وقبوله لأداء تلك الأمانة الأخلاقية عن اختيار وحرية، وتوافر هذه الأمور مجتمعة في هذين الأساسين يوحي إلى الإنسان بالشجاعة الأدبية لتحمل