الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا:
مجالات الأخلاق في الإسلام:
كما ألمحنا إليه سابقا فهو مجال الحياة كلها؛ لأن الأخلاق إذا كانت نمطا للعمل وللسلوك في الحياة فإن عمل الإنسان لمساعدة الآخرين أخلاق، وعمله لكسب قوته وقوت من يعوله أخلاق وإيمانه بالله وعبادته له أخلاق؛ لأنه بر كما جاء في الآية التي ذكرناها، بل لا يتحقق البر دون الإيمان والعبادة، والبر هو الأخلاق والأخلاق هي البر، والأعمال العلمية سواء كانت للتكامل الذاتي أو لخدمة الحياة الإنسانية -أخلاق- ثم إن معاملة الإنسان للكائنات الحية الأخرى بالرفق أخلاق، وإيذاءه لها ليس بأخلاق، كذلك تحمله أعباء الحياة والصبر على ما يصيبه من المصائب فيها أخلاق أيضا.
وإذن فإن كل سلوك إنساني يحقق الخير والبر للذات الفاعلة أو لغيرها يعد أخلاقا، طالما كانت الذات الفاعلة تريد بسلوكها هذا عمل الخير لوجه الله قبل كل شيء، ومصداق ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" 1، ثم إن هناك مبادئ أخلاقية عامة مثل الصدق والأمانة والإخلاص وإتقان العمل لا بد من مراعاتها في جميع الأقوال والأفعال.
ولم يكتف الإسلام بإضفاء الصفة الأخلاقية على نوع السلوك ذي الطابع النفعي والضروري للحياة فحسب، بل أضفى تلك الصفة على كل سلوك ولو لم يتسم بصفة النفع أو الضرورة؛ لأن الأخلاق في نظر الإسلام لا تحمل معنى النفع فحسب، بل تحمل إلى جانب ذلك المعنى التحسيني والجمالي والإرادة والخيرة.
1 رياض الصالحين، باب الصبر ص25 للإمام النووي، وجاء في صحيح مسلم حديث بهذا المعنى، انظر صحيح مسلم جـ 4 كتاب البر والصلة باب 14.
- جامع الأصول في أحاديث الرسول، ابن الأثير الجزري جـ 9 ص 396.
ومن ثم فلم يكن هدفه تحقيق النفع للإنسان فقط، بل تحقيق الحياة الأدبية له، التي تمتاز بها حياة الإنسان على حياة الحيوان، ومن هنا نرى الإسلام يحاول أن يطبع كل سلوك صادر من الإنسان بالطابع الأدبي، بصرف النظر عن مكان هذا السلوك وزمانه، وبصرف النظر عن صلته بالناس الآخرين، ولهذا نرى الإسلام يأمر بالأدب في المأكل والمشرب والملبس والمجلس والمشي والتحدث ومعاشرة الناس، ففي المأكل أمر -مثلا- أن يبدأ الإنسان بالبسملة، وأن يأكل بيمينه ومما يليه، فقد روي عن أبي سلمة رضي الله عنه قال: كنت غلاما في حجر رسول الله، وكانت يدي تطيش في الصَّحْفَة* فقال لي رسول الله:"يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" 1، وقال في الشرب:"إذا شرب أحدكم فليشرب في ثلاثة أنفاس يحمد الله في كل منها"، وفي الملبس أمر بالتستر والاحتشام، ولو في السر حتى ولو في الحمام، فقال الرسول:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام بغير إزار" 2؛ لأن الحياء جزء هام في الأدب الإسلامي، بل إنه جزء من الإيمان كما جاء من الرسول، فإنه قال:"فإن الحياء من الإيمان" 3، وليس الحياء من الناس فحسب بل من الله والملائكة، ولهذا كان أمره بالتستر ولو في الخلاء الذي لا يراه فيه أحد من الناس، والاستحياء من الله له دور هام في تجنب المعاصي، ولهذا قال الرسول:"إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت"4.
وفي المجلس أمر مثلا بالجلوس المتواضع الرزين، فقد روي عن الشريد بن
* وهي ما تشبع خمسة ونحوها، وهي أكبر من القصعة.
1 فتح الباري بشرح البخاري جـ11، كتاب الأطعمة، ص 451.
2 التاج جـ5، كتاب الأدب ص 243.
3 شعب الإيمان للبيهقي، الحديث الرابع والخمسون ص 997.
4 مختصر شعب الإيمان للبيهقي، باب الحياء، ص 98.
سويد قال: مر بي رسول الله وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي، فقال:"أتقعد قعدة المغضوب عليهم" 1، أي: القعود المتكبر، وروي عن أحد الصحابة أنه قال: أصابني رسول الله نائما في المسجد على بطني فركضني برجله، وقال:"ما لك ولهذا النوم، هذه نومة يبغضها الله" 2، "وكان نائما مضجعا على وجهه"، وفي المشي أمر بالاقتصاد والتواضع، فقال تعالى:{وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} 3، وقال أيضا:{وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً، ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} 4.
وعند الكلام أمر مثلا بعدم رفع الصوت، وعدم التكلف أو التشدق في الكلام، فقال تعالى:{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} 5، وقال الرسول:" إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل البقرة بلسانها"6.
وعند معاشرة الناس دعا بصفة خاصة إلى مراعاة الشعور والإحساس الأدبيين لدى الآخرين في الحركات، فدعا مثلا إلى بسط الوجه عند المقابلة، ونهى عن تصعير الخد فقال تعالى:{وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} 7، وقال الرسول:"إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط وجوه وحسن خلق" 8
1 التاج جـ5 كتاب الأدب ص 266.
2 ابن ماجه جـ2 ص 1227.
3 لقمان: 18-19.
4 الإسراء: 37-39.
5 لقمان: 19.
6 التاج جـ5، كتاب الأدب ص 285.
7 لقمان: 18.
8 تفسير ابن كثير، جاء في صدد تفسير قوله تعالى:{لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} جـ3 ص 449.
ودعا إلى عدم التناجي بين الاثنين دون الثالث، فقال الرسول:"إذا كنتم ثلاثا فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما"1.
كما دعا إلى احترام كل إنسان بما يليق به من التقدير حسب دينه وعلمه ومنزلته بين الناس، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"أنزلوا الناس منازلهم من الخير والشر"2.
كما دعا إلى الظهور بالمظهر الجميل أمام الناس، فقد روي أن رجلا جاء إلى الرسول ثائر الرأس، فأشار إليه بإصلاح شعره، وجاء آخر وشعره جمة وأشار بقصه، ثم قال:"هذا أحسن"3، وعندما سأله رجل هل من الكبر أن يكون ثوب الإنسان حسنا ونعله حسنا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس"4. وكان ينصح دائما بتحسين الهندام وتجميل الظاهر وتطهير الثياب5.
ولم يفرض الإسلام المبادئ الأخلاقية على سلوك الإنسان الظاهري فقط، بل فرضها أيضا على السلوك الباطني؛ لأن الحياة قسمان: قسم منها ظاهر محسوس والآخر باطن غير محسوس، وأهمية الأخير لا تقل عن أهمية الأول، بل إن مظاهر الأول ما هي إلا انعكاس للأخير، ولهذا كانت الأخلاق الإسلامية مركزة على الحياة الباطنة في الدرجة الأولى؛ لأنها إذا صلحت واستقامت صلحت الأخرى واستقامت، وصلاح هذه وتلك واستقامتها هما الطريق إلى السعادة
1 التاج جـ5، كتاب الأدب ص 266.
2 المصدر نفسه، كتاب الأدب ص 256، كشف الخفاء جـ1 ص 241.
3 أ- مسند الإمام أحمد جـ4 ص 180، ب، المستدرك على الصحيحين جـ4 ص 186.
4 التاج جـ5، كتاب البر والأخلاق ص32.
5 المستدرك على الصحيحين جـ4 ص 186.
الإنسانية، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"1.
ويجمع بين الأمرين قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} 2.
ومن هنا دعا الإسلام إلى تجميل الباطن وتحسينه، فدعا إلى حسن الظن بالخالق كما دعا إلى حسن الظن بالمخلوق أو الناس بصفة خاصة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"حسن الظن من حسن العبادة" 3، وقال راويًا عن ربه:"أنا عند ظن عبدي بي إن خيرا فخير، وإن شرا فشر" 4، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} 5، ثم دعا إلى الفأل ونهى عن التشاؤم والتطير، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا طيرة ويعجبني الفأل الصالح أو الكلمة الحسنة" 6؛ لأن التشاؤم والتطير وسوء الظن من العوامل التي تؤدي إلى الكآبة والقلق وعدم راحة البال.
ثم إلى جانب دعوته نهى عن الأمور التي تجعل الحياة النفسية ظلاما قاتما، وتزيل عنها كل البشاشة والبهجة كالتباغض والتحاسد والحقد وما إلى ذلك من الرذائل النفسية، ولهذا قال:"لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا" 7، وقد عد بعض علماء النفس هذه الرذائل الأخلاقية من الأمراض النفسية والاجتماعية.
1 فتح الباري بشرح البخاري جـ1، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه ص 134.
2 الأعراف: 33.
3 التاج جـ5، كتاب البر والأخلاق، ص72.
4 الجامع الصغير جـ1 حرف الألف ص 77.
5 الحجرات: 12.
6 التاج جـ3، كتاب الطب، ص 221.
7 رياض الصالحين، كتاب الأمور المنهي عنها، ص 558.
ثم دعا إلى المحبة؛ لأنها تضفي على حياة الناس البهجة والنشاط والفاعلية، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله"، قالوا يا رسول الله تخبرنا ما هم، قال:"هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"1.
ومن التوجيهات الخلقية للحياة الداخلية:القناعة والرضا، القناعة بما في يدك وعدم التطلع لما في أيدي الناس؛ لأن الغنى كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس" 2؛ لأن النفس بغير القناعة لا تشبع بالمال والعرض ولو ملكت الدنيا، وما دام المرء لم يشبع فإنه يشعر بالضيق والكآبة كأنه لا يملك شيئا، إذن ليس هناك وسيلة لإشباع النفس إلا امتلاك القناعة، ثم رضى المرء بما هو فيه له دور كبير في طمأنينة الحياة الداخلية؛ لأن عدم الرضا يؤدي إلى التبرم والضجر، وكما أن الرضا وسيلة لتهدئة النفس من الملمات والمصائب التي لا مخرج منها، فهو وسيلة أيضا للشعور بالغنى إذا رضي الإنسان بما في يده، ولهذا قال الرسول:"ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس"3.
1 التاج جـ 5، كتاب البر والأخلاق، ص 83.
2 المصدر نفسه، كتاب الزهد والرقائق، ص 166، صحيح مسلم جـ2 ص 326.
3 المصدر نفسه ص 167.
ووسيلة امتلاك الشعور بالرضا هي: أن ينظر الإنسان في المال والصحة إلى من هو دونه، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم"1.
ولا ينبغي أن يفهم من هذا أن في الأخلاق الإسلامية دعوة إلى الاتكال والتكاسل والدعة وإسقاط الهمم العالية، إذ أن هناك فرقا في التنافس بين ميدان وآخر.
ففي ميدان الصحة والمال لا ينبغي التنافس والتباهي، بينما الأمر ممدوح في ميدان الفضائل الإنسانية ومكارم الأخلاق، فالمبدأ المذكور في حديث الرسول السابق ضروري لترضية النفس وتهدئتها، ولا يمنع ذلك من السعي إلى معالى الأمور مثل: الأعمال العلمية وعمل الخيرات ومكارم الأخلاق التي يمدح فيها الناس {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} ،2 وفي ذلك فليتقدم من يشاء، وفيه قال تعالى:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} 3.
ومن تلك التوجيهات أيضا دعوته إلى جعل الإرادة العاقلة الخيرة مسيطرة على أعمال النفس ونزعاتها وأهوائها، هذه الإرادة هي التي ينبغي أن تحكم قوى النفس ونزعاتها الأخرى مثل: قوة الغضب وقوة الشهوة، ومثل نزعة الانتقام والشح والأنانية.
ومن هنا نرى الإسلام يدعو إلى تحكم الإرادة في هذه القوى، فدعا إلى
1 المصدر نفسه ص 166.
2 المطففين: 26.
3 المدثر: 37.
التحكم في الغضب، فقال الرسول:"ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" 1، ودعا إلى التحكم في الشهوة، فقال تعالى:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} 2، كما أمر بالتغلب على نزعة الانتقام وذلك بكظم الغيظ والعفو، وعلى نزعة الأثرة وذلك بالإنفاق على الفقراء في السراء والضراء، فقال تعالى:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 3.
وليس معنى سيادة الإرادة الخيرة الوقوف أمام نزعات الهوى والشر والقوى الأخرى في النفس فحسب، بل إن معناها أيضا استخدام هذه القوى وتسخيرها في سبيل تحقيق الخير، إن هذه الإرادة إذا سيطرت تصبح روحا توحي دائما بالخير، وتدفع الإنسان باستمرار إلى تحقيق الخير للناس بكل ما يستطيع، ومن ثم تصبح قوة موجهة نحو الخير ونورا يضيء جوانب النفس المظلمة، ثم يفيض منها فيستفيد منه الناس.
عند ذلك يشعر الإنسان بأنه خيِّر، وذلك هو سبيل السعادة والطمأنينة النفسية، ولقد أدرك تلك الحقائق كثير من علماء النفس، فيقول مثلا الدكتور فيكتور بوشيه4: "إن السعادة الحقة في أن تكون راضيا عن كل شيء، وألا ترى من الأشياء إلا أجمل جوانبها، وألا تسيء بالقول إلى أحد من الناس، وألا تكره أي شخص أو تحسده على ما آتاه الله من فضله وأن تتقبل
1 صحيح مسلم جـ4، كتاب البر والآدب، باب 30 حديث 106 ص 2014.
2 النازعات: 40-41
3 آل عمران: 134.
4 طريق السعادة للدكتور فيكتور بوشيه ص134.
الأحداث في غير سخط أو تبرم، وأن تبدو على الدوام باسم الثغر، وأن تسعى بجهدك إلى أن تنشر البهجة والسرور من حولك"1.
ومن هذا كله نرى أن الإسلام قد جاء بمبادئ وجَّه بها النفوس البشرية إلى ما فيه سعادتها، وشفى ما فيها من أمراض هي سبب شقائها وتعاستها، وصدق الله العظيم إذ يقول:{قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} 2، {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} 3.
وأخيرا يتبين لنا بوضوح أن الأخلاق الإسلامية تحاول إخضاع كل سلوك، ما ظهر منه وما بطن لروح الأخلاق التي جاء بها، وهي تستهدف من وراء ذلك صلاح الإنسان وسعادته في هذه الحياة، وإذا كان الأمر كذلك فإن مجال الأخلاق هو هذه الحياة كلها من حيث هي موضوع الأخلاق وغايتها معا؛ لأن من الأعمال الباطنية هي النيات والغايات، وهي إما تكون خيرة أو شريرة، والأعمال الظاهرة إما تكون خيرة أو شريرة، حسنة أو سيئة، نافعة أو ضارة، وعلى هذا الأساس فإن كل سلوك إما أن تدخل في الأخلاق الحسنة أو تدخل في الأخلاق السيئة من هذه المنطلقات، ولهذا يمكن القول بكل تأكيد: إن كل سلوك مجال أخلاقي وميدان من ميادينها.
1 طريق السعادة للدكتور فيكتور بوشيه ص 134.
2 يونس: 57.
3 طه: 123.