المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مِقْداد يالجن

- ‌الفكر التربوي عند مقداد يالجن

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة عامة للموسوعة

- ‌مدخل

- ‌أهداف تعليم الأخلاق

- ‌مدخل

- ‌ أهمية الأخلاق:

- ‌التربية الأخلاقية

- ‌أهمية التربية الأخلاقية:

- ‌أهمية النظام الأخلاقي الإسلامي

- ‌المنهج وتطبيقه

- ‌مدخل

- ‌ أن تكون البداية من الإسلام

- ‌ أن نفهم موضوعات الفلسفة الإسلامية بالفلسفة الإسلامية نفسها، وتحقيق هذه النقطة يتطلب ثلاثة أمور:

- ‌ أن نحدد موقفنا من دراسات السابقين باتخاذها وسيلة من وسائل الفهم والتقويم

- ‌ أن يكون هدفنا الأساسي هو معالجة المشكلات الفلسفية المتصلة بحياتنا الراهنة

- ‌أن نميز السنة التشريعة من السنة غير التشريعة عند معالجتنا

- ‌ التحقق من صدق النصوص الإسلامية التي نعتمد عليها في تقرير الأفكار

- ‌التطبيق

- ‌الباب الأول: علم الأخلاق الإسلامية مفهومة، غايته، مجالاته، مدى ضرورته في نظر الإسلام

- ‌الفصل الأول: تحديد مفهوم علم الأخلاق الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌تحديد مفهوم كلمة العلم

- ‌مدخل

- ‌أقسام العلوم وموقع علم الأخلاق منها

- ‌ مفهوم كلمة الأخلاق

- ‌ مفهوم علم الأخلاق الإسلامية:

- ‌الفصل الثاني: غاية الأخلاق

- ‌الاتجاهات العامة في غاية الأخلاق

- ‌مدخل

- ‌ الاتجاه الروحي:

- ‌ الاتجاه العقلي

- ‌ الاتجاه المادي:

- ‌ اتجاه الإسلام في غاية الأخلاق:

- ‌الفصل الثالث: مجالات الأخلاق

- ‌مدخل

- ‌ الاتجاهات العامة في مجالات الأخلاق:

- ‌ مجالات الأخلاق في الإسلام:

- ‌الفصل الرابع: مدى ضرورة الأخلاق للحياة الإنسانية

- ‌مدخل

- ‌ مدى علمية الأخلاق

- ‌مكانة الأخلاق وأهميتها لدى العلماء

- ‌ مدى ضرورة الأخلاق ومكانتها في نظر الإسلام:

- ‌الباب الثاني: أسس الأخلاق في نظر الإسلام

- ‌الفصل الأول: الأساس الغيبي والاعتقادي

- ‌أركان الأساس الاعتقادي

- ‌الركن الأول

- ‌الركن الثاني

- ‌ الركن الثالث:

- ‌ أهمية الأساس الاعتقادي

- ‌الفصل الثاني: الأساس الواقعي والعلمي

- ‌أساس الاعتدال بين الواقعية والمثالية

- ‌ مراعاة قوانين الطبيعة والحياة:

- ‌الفصل الثالث: مراعاة الطبيعة الإنسانية

- ‌مدخل

- ‌ رأي العلماء في الطبيعة الإنسانية:

- ‌رأي الإسلام في الطبيعة الإنسانية

- ‌مدخل

- ‌بطلان نظرية داروين علميا:

- ‌ صلة الطبيعة الإنسانية بالأخلاق

- ‌الفصل الرابع: الاعتداد بالحرية الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌الاتجاهات الفكرية والفلسفية في حرية الإنسان

- ‌الاتجاه الجبري

- ‌ اتجاه حرية الإرادة:

- ‌ اتجاه الوسط بين الاتجاهين السابقين:

- ‌رأي الإسلام في حرية الإنسان والحرية الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌الدرجة الأولى جبرية مطلقة:

- ‌الدرجة الثانية جبرية طبيعية:

- ‌الدرجة الثالثة جبرية القوانين الأخلاقية

- ‌خلاصة الدراسة:

- ‌الفصل الخامس: تقرير مبدأ الإلزام والالتزام الأخلاقي

- ‌مدخل

- ‌ الاتجاهات المختلفة في الإلزام الأخلاقي:

- ‌ رأي الإسلام في الإلزام الأخلاقي:

- ‌ مجالات الالتزام الأخلاقي ودرجاته:

- ‌خصائص الالزام الأخلاقي في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ الإلزام بقدر الاستطاعة:

- ‌ سهولة التطبيق:

- ‌ مراعاة الحالات الاستثنائية:

- ‌ قوة الإلزام:

- ‌الفصل السادس: تأكيد المسئولية الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌ تحديد مفهوم المسئولية الأخلاقية

- ‌ مجال المسئولية وأقسامها وأبعادها

- ‌ أبعاد قياس المسئولية الأخلاقية:

- ‌ أقسام المسئولية بحسب جزاءاتها:

- ‌الفصل السابع: إثبات الجزاء الأخلاقي

- ‌مدخل

- ‌أنواع الجزاء الأخلاقي في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ الجزاء الإلهي:

- ‌ الجزاء الوجداني:

- ‌ الجزاء الطبيعي:

- ‌ الجزاء الاجتماعي:

- ‌ خصائص الجزاءات الأخلاقية الإسلامية

- ‌الباب الثالث: القيم الأخلاقية ومعاييرها في الإسلام

- ‌الفصل الأول: المعايير الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌الاتجاهات الفكرية في المعايير الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌الاتجاه الأول: الاتجاه الخارجي:

- ‌الاتجاه الثاني: الاتجاه الداخلي الباطني:

- ‌المعايير الأخلاقية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ المعايير الأخلاقية الموضوعية:

- ‌ المعايير الأخلاقية الذاتية أو الداخلية:

- ‌وجهة نظر الإسلام:

- ‌ خلاصة المعايير الأخلاقية الإسلامية

- ‌الفصل الثاني: حقيقة القيم الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌تحديد القيمة الأخلاقية خارج إطار الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ الاتجاه الطبيعي:

- ‌ اتجاه الطبيعة النفسية الفاعلة:

- ‌ الاتجاه العقلي أو فاعلية الفكر الفردي:

- ‌ الاتجاه الواقعي:

- ‌ اشتراك الذات الفاعلة مع الواقع الراهن

- ‌تصنيف القيم:

- ‌ تحديد القيمة الأخلاقية في إطار الإسلام:

- ‌أهمية القيم الأخلاقية في الحياة العملية

- ‌الأولى: المعرفة والإبداع والاختراع وإتقان العمل

- ‌الثانية: توجيه الذات الإنسانية وتوحيدها:

- ‌الثالثة: اكتساب تنمية القيمة الإنسانية:

- ‌الرابعة: القيمة المادية:

- ‌الخامسة: القيمة المعنوية:

- ‌الفصل الثالث: القيم الأخلاقية بين الفرد والمجتمع

- ‌أهم الاتجاهات الفلسفية والاجتماعية في الموضوع

- ‌ اتجاه الإسلام في الموضوع:

- ‌أنواع الأخلاقيات في إطار الأخلاق الإسلامية

- ‌النوع الأول: ينزع منزعاً فردياً

- ‌النوع الثاني: ينزع منزعا اجتماعيا:

- ‌النوع الثالث: أخلاقيات الحاكم المسلم

- ‌خاتمة أهم النتائج والتوصيات

- ‌مدخل

- ‌ أهم النتائج:

- ‌ توسيع الإسلام نطاق مفهوم الأخلاق وميدان العمل بها

- ‌ أصالة الأسس التي أقام عليها الإسلام نظامه الأخلاقي:

- ‌ وضع الإسلام معايير متعددة لقياس الأخلاق ولبيان قيمتها:

- ‌ تقويم الإسلام للأخلاق تقويما متكاملا

- ‌ الاتجاه الأخلاقي في الإسلام يجمع وينسق بين الفردية والاجتماعية:

- ‌ التقاء التفكير الأخلاقي والديني في الاتجاه الإسلامي:

- ‌ قدرة الأخلاق الإسلامية على مسايرة تطور الحياة وأشكالها المختلفة

- ‌ الأخلاق الإسلامية أكمل وأصلح أخلاق للحياة الإنسانية

- ‌أهم التوصيات

- ‌مدخل

- ‌ التوصيات الموجهة إلى الأسرة:

- ‌ التوصيات الموجهة إلى الإعلام:

- ‌التوصيات الموجهة إلى المدرسة

- ‌مدخل

- ‌الأهداف العامة لتعليم علم الأخلاق:

- ‌ التوصيات الموجهة إلى مراكز البحوث:

- ‌مصادر ومراجع الكتاب

- ‌الفهارس

- ‌فهرس أطراف الحديث

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ الجزاء الإلهي:

‌الفصل السابع: إثبات الجزاء الأخلاقي

‌مدخل

الفصل السابع: إثبات الجزاء الأخلاقي

إذا كانت المسئولية هي نتيجة طبيعية للإلزام، فإن الجزاء نتيجة طبيعية لها، والجزاء من حيث إنه أساس أخلاقي له أهمية الأسس الأخرى، بل إن أهميته مزدوجة فهو مهم باعتباره دافعاً إلى التمسك بالقيم الأخلاقية، وهو مهم أن العدالة تقتضيه؛ لأنها تفرق بين إنسان يبني وآخر يهدم، بين إنسان يخدم الناس وآخر يقتل الناس، فالجزاء يقتضي العدالة والعدالة تقتضي الجزاء وهما يجعلان للأخلاق معنى وقيمة، وبدونهما تفقد الأخلاق معناها فتصبح أمراً لا قيمة له.

ص: 268

‌أنواع الجزاء الأخلاقي في الإسلام

‌مدخل

أولاً: أنواع الجزاء الأخلاقي في الإسلام

والجزاء الأخلاقي أنواع: منها الجزاء الإلهي والوجداني والطبيعي والاجتماعي، وسنتكلم عن كل واحد منها بالتفصيل. وهنا أحب الإشارة إلى نقطة وهي أننا بتقسيمنا هذا لا ندعي وجود حدود طبيعية حاسمة بين هذه الأنواع بل نرى بينها بعض الصلات المشتركة.

ص: 268

1-

‌ الجزاء الإلهي:

ينقسم هذا الجزاء بحسب النوع إلى ثواب وعقاب فالثواب في حالة الاستقامة والعقاب في حالة الانحراف.

وينقسم بحسب الوقت إلى دنيوي وأخروي وبحسب درجة المسئولية إلى قلة وكثرة، وإلى قطعي وغير قطعي.

هذه الأمور بوجه عام واضحة، وإذا كان هناك أمر يحتاج إلى الشرح فهو هذا التقسيم الأخير وهو الجزاء القطعي وغير القطعي وهنا أتعرض للنقط الأخرى،

ص: 268

ومعالجة هذه النقطة الأخيرة سوف تضطرني إلى التعرض للمذاهب الكلامية إلا أنني -لما لم أكن مقلداً لمذهب معين منها- فسوف أقتصر على بيان رأيي، خوف الإطالة بذكر آراء هذه المذاهب ومناقشتها.

ولا يهمني بعد ذلك أن يوافق رأيي مذهباً ما أم يخالفه، وقد أتفق مع مذهب في نقطة وأختلف معه في أخرى دون قصد مبيت للمخالفة.

فمن حيث الإثابة فقد قطع الله على نفسه بإثابة المحسن على إحسانه قليلا كان إحسانه أم كثيراً، ووعد الله حق لا يتخلف {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} 2، ولا يكتفي بإثابة المحسن بقدر إحسانه بل يضاعفه إلى ما شاء الله {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} 3.

أما عقاب المسيء ففيه تفصيل؛ لأن هناك ذنوباً لا بد من أن يعاقب عليها صاحبها مثل: الكفر والإشراك بالله {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 5.

ولا يغفر الله كذلك إذا كانت الإساءة إلى العباد؛ لأن هذا حق الناس لا حق الله في الدرجة الأولى، ولا يغفر الله ما للناس على الناس ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم

1 الروم: 6.

2 الزمر: 20.

3 البقرة: 261.

4 محمد: 34.

5 النساء: 48.

ص: 269

: "من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" 1، وقال تعالى:{وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} 2.

وهناك مساوئ ترك الله غفرانها لمشيئته مثل: الكبائر في حق الله؛ لأنها دون الشرك إلا أن هذا ليس وعداً، ويدخل هذا في قوله تعالى:{لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} 3، وهذه الآية مخصصة بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} ، وبناء على ذلك فلا يدخل الشرك في ضمن هذه الذنوب.

وهناك ذنوب صغيرة يسميها القرآن أحياناً بالسيئات وأحياناً أخرى بالصغائر وثالثة بالعصيان ورابعة باللمم، لقد وعد الله بغفرانها إذا تجنب صاحبها الكبائر فقال تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَاّ اللَّمَمَ} 5.

وأخيراً هناك مسيء لا بد من أن يعاقب بناء على وعيده تعالى وهو الإنسان الذي قد أحاطت به خطيئاته بسبب استمراره على تعدي حدود الله وارتكابه كبائر الذنوب والفواحش مع عدم التوبة توبة نصوحاً أو تاب عندما احتضر، وقد سماهم القرآن وأمثالهم بالفجار {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ

1 التاج جـ 5 أعظم الظلم وأضراره الخلق ص 20.

2 إبراهيم: 42.

3 الزمر: 53.

4 النساء: 31.

5 النجم: 32.

ص: 270

لَفِي جَحِيمٍ} 1، {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار} {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 3، وإن كانت هذه الآية الأخيرة قد نزلت في حق اليهود فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

مصداق ذلك قوله تعالى: {وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} 4، ولا يخالف غفران الله بعض الذنوب قوله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} 5؛ لأنه يعبر عن حالة الحساب في الآخرة فهناك حساب لكل عمل ولو كان مقدار ذرة، أما إذا غفر في هذه الحياة فلا يدخل في نطاق الحساب في الآخرة.

وبعد فهل غفران الله لبعض ذنوب المؤمنين أو كلها لأسباب داعية بناء على وعده بذلك يعتبر إخلافاً لوعده أو لوعيده وتبديلاً لكلامه كما يدعى بعض المتكلمين؟.

فقد رأينا المواضيع التي أوعد الله فيها بالعقاب والتي وعد فيها بالغفران والتي ترك فيها لنفسه حرية الاختيار بين عقاب إن لم يصدر من العبد ما يسبب الغفران، وبين الغفران إن صدر منه أسبابه.

وبناء على ذلك فليس هناك إخلاف للوعد ولا للوعيد بل كل ما فيها تنفيذ لما وعد ولما أوعد، وأخيراً تنفيذ لمشيئته المختارة، وبناء على ذلك فالجدال الطويل العريض الذي دار بين المتكلمين قد دار في فراغ لا على مادة حقيقية.

1 الانفطار: 13-14.

2 ص: 28.

3 البقرة: 81.

4 النساء: 18.

5 الزلزلة: 7-8.

ص: 271

وفي ختام بيان الجزاء الأخروي نرى ضرورة التعرض لمسألة متصلة به وهي مدة الجزاء الأخروي، سواء كان نعيما أو عذاباً، لقد بين الله تعالى تلك المدة عندما ذكر جزاء السعداء والأشقياء فقال:{يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} 1، وبيَّن الله تعالى أن الذين يخلدون في العذاب الكفار {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 2، وأن الذين يخلدون في النعيم هم المؤمنون الصالحون فقال تعالى:{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا، جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} 3، أما المؤمن المجرم الذي يرتكب الكبائر فإنه في مشيئة الله إن شاء غفر له إذا تاب قبل موته وإلا عذبه بقدر ما يستحق من العذاب ولا يخلد في النار كالكفار؛ لأن رحمة الله تشمله لاعترافه بربوبيته ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"أتاني جبريل فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة" 4، وهذا الحديث يخصص ما ورد من الآيات التي تنص بخلود أهل الكبائر، مثل قوله تعالى:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} 5.

1 هود: 105-108.

2 البقرة: 217.

3 طه: 75 - 76.

4 التاج جـ 1، كتاب الإيمان ص 31.

5 النساء: 14.

ص: 272

وقد بينا سابقاً أن الله يمكن أن يغفر كل ذنب إلا ذنب الكفر والإشراك به، إذن يتبين لنا مما سبق أن هناك أمرين مقطوعاً بهما وهما أن الداخلين في الجنة يخلدون فيها وأن الكفار يخلدون في النار، لكن العلماء اختلفوا في خلود أهل النار وخاصة خلود الكفار أو دوام عذابهم إلى مالا نهاية، فمنهم من تأخذهم الرأفة مثل ابن عربي وغيره1 فيحاول إنقاذهم ومنهم من تأخذهم القسوة فيحاول إخلاد الكفار حتى أصحاب الكبائر في النار مثل: الخوارج والمعتزلة2، وكل يحاول تأييد وجهة نظره بالأدلة العقلية والنقلية لكن في كلا الاستدلالين تغلبه إحدى النزعتين ويؤدي الأمر إلى الاقتصار على الأدلة المؤيدة لنزعته، ولو استعرضنا آراء هؤلاء وأدلتهم لطال بنا المقام ولهذا أرى أنه من الأولى أن اقتصر على بيان رأيي.

بعد أن استعرضت تلك النصوص الواردة في هذا الموضوع ودراستها دراسة مستقلة من غير أن أخضع لاتجاه معين، وجدت نصوصاً محكمة الدلالة واضحة المعنى وهي تؤيد الخلود، وقد قال الأصوليون إنه إذا ورد في قضية نص أو نصوص محكمة، ونصوص أخرى متشابهة نحكم بالمحكمة ونترك المتشابهة3 عملاً بقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} 4.

ولا أريد هنا الإكثار من الآيات المحكمة التي تنص على الخلود مثل

1 تفسير المنار جـ 8 ص 70.

2 انظر الآراء المختلفة في تفسير المنار جـ 8 ص 70 وما بعدها. والأصول الخمسة ص 666.

3 انظر كتاب الموافقات للإمام الشاطبي جـ 3 ص 68.

4 آل عمران: 7.

ص: 273

{خَالِدِينَ فِيهَا} ، {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار} ، {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} ، {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} ، فما ذكرته من النصوص حتى الآن يكفي في نظري.

وإنما أريد إزالة الشبهات والغموض أو أقلل منها؛ لأنها كانت سبباً للحيرة وللتأويلات البعيدة، فمن أسباب الشبهة ورود الاستثناء مباشرة بعد بيان خلود أهل النار. قالوا: إن وجود الاستثناء يدل على عدم أبدية النار أو عدم أبدية عذاب الكفار مع أن صيغة الاستثناء لا تفيد معنى الاستثناء دائماً، وكذلك صيغة المشيئة لا تفيد الاحتمال دائماً مثل:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} ، وقد علم أنهم سيدخلونه، ولهذا قال القرطبي: إن الاستثناء في آية الفتح السابقة لا يوصف بمتصل ولا بمنقطع1، وفسر تلك الآية كالآتي "إنه لو شاء أن يخرجهم لأخرجهم ولكنه قد أعلمهم أنهم خالدون فيها". ويقول إن مثله كمثل قولك:"أردت أن أفعل ذلك إلا أن أشاء غيره وأنت مقيم على ذلك الفعل"2.

ثم إننا إذا أخذنا وجود الاستثناء دليلا لانتهاء النار بعد أحقاب، فيجب أن نقول بانتهاء الجنة أيضاً؛ لأن الاستثناء نفسه ورد أيضاً بعد ذكر خلود أهل الجنة مباشرة كما جاء في آية الفتح السابقة.

ومن تلك الأسباب أيضاً منطق التفكير الخاطئ وهو أنهم يقولون: كيف يقع ذلك الخلود في النار لمجرد إنكار هؤلاء وجود الله وإذا كان تعذيبهم مدة تساوي مدة حياتهم في الدنيا فكيف يمكن أن يدخل في العدل الإلهي تعذيبهم

1 القرطبي جـ 9 ص 10، طبعة دار الكاتب العربي.

2 نفس المرجع ص 100.

ص: 274

إلى الأبد فالعذاب أكثر من الذنب وقد وصف الله نفسه بالعدالة، وبناء على ذلك يحاولون تأويل الآيات والنصوص الواردة في هذا الموضوع ويحاولون تأييد تأويلاتهم بآية الرحمة ويقولون: إن الله تعالى وصف نفسه بالرحمة الشاملة لجميع خلقه بقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء} ، مع أنهم ينسون بقية الآية وهي قوله تعالى:{قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} 1، إن رحمة الله تشمل كل من اعترف بربوبيته أما الذين لم يعترفوا به خالقاً ورباً وأنكروا وجوده بتاتاً فكيف ينتظرون الرحمة من الخالق المعدوم في نظرهم وإذا حرمهم هذا الخالق من رحمته فهل يمكن أن يوصف بأنه ظالم؟ فالخالق في نظرهم معدوم ورحمته كذلك معدومة لا ينالونها أبداً ماداموا في دار الجزاء أو الحياة الأخرى؛ لأن تلك الحياة مقابل لهذه الحياة ولا ينبغي أن ينتظروا الرحمة والنعمة ممن لم يعترفوا بوجوده.

ومن أسباب الحيرة والتشابه: اعتمادهم على بعض أقوال الصحابة وآرائهم الخاصة في خروج الكفار من النار، وبالرغم من وجود خلاف في صحة إسناد تلك الأقوال فإنهم يؤيدون آرائهم بأقوالهم.

ولنفرض صحة إسناد تلك الآراء إليهم فإن أقوال الصحابة لا تؤخذ بها إذا تعارضت مع النصوص القطعية؛ لأنها ظنية2 والنصوص الأخرى من الآيات والأحاديث قطعية كالآيات التي ذكرناها، وكقول الرسول عندما دعا قومه إلى الإسلام: "والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما

1 الأعراف: 156.

2 يقول الأصوليون هنا: "إذا خالف الدليل الظني دليلاً قطعياً وجب رده"، انظر الموافقات في أصول الأحكام للشاطبي جـ 3 ص 9.

ص: 275

تعملون ولتجزون بالإحسان إحساناً وبالسوء سوءاً وإنها للجنة أبداً أو النار أبداً" 1، وقال أيضاً: "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم" 2.

تبقى بعد ذلك نقطة أخيرة وهي معنى الخلود يقول بعضهم: إن معناه مدة حياة الدنيا؛ لأن الله وصف الخلود بدوام السماء والأرض وهذا تعبير عن مدة حياة الدنيا، ويقول بعضهم الآخر إن المراد دوام سموات وأرض الجنة والنار، ودوام السموات والأرض تعبير يستعمل في اللغة العربية لإفادة الدوام والأبدية، وبناء عليه فالجنة والنار أبديتان3.

لكن الخلود قد يفيد معنى الدوام على نوع من الحياة وقد جاء هذا المعنى في قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} 4، كما يفيد معنى الخلود البقاء مدة الحياة جاء هذا المعنى في قوله تعالى:{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} 5، وقوله تعالى:{الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ، يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} 6.

ومن كل ما سبق يبدو لي أن معنى خلود الكفار في النار وخلود أهل الجنة في الجنة هو مدة دوام حياة الجنة والنار أو مدة دوام الجزاء وهي الحياة الأخرى.

لكن لا نستطيع أن نحدد مدة هذه الحياة عن طريق النصوص الواردة- في هذا الشأن- تحديداً زمنياً؛ لأن الآخرة لا تقاس بالدنيا، ولا نستطيع أن نؤكد عن

1 الكامل لابن الأثير جـ 2 ص 27.

2 اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان جـ 3 ص 292، كتاب الجنة.

3 تفسير القرطبي جـ 9 ص 100.

4 الأعراف: 176.

5 الشعراء: 129.

6 الهمزة: 2-3.

ص: 276

طريق النصوص أن لتلك الحياة نهاية أو لا نهاية لها، أو أن هناك حياة أخرى بعد تلك الحياة؛ لأنه لا توجد هناك نصوص صريحة في هذا الشأن، لكن لا نستبعد أن تكون لتلك الحياة نهاية؛ لأن الله تعالى ترك لنفسه المشيئة بعد ذكر الخلود، وهذا يمكن أن يفيد أنه إذا أراد أن يمد مدة تلك الحياة إلى ما يشاء أو أن ينهيها أو يبدلها بعد انتهاء مدتها له أن يفعل؛ لأنه فعال لما يريد قادر على كل شيء وأنه إذا قال: كن فيكون.

لكن لا يحق لنا القول بأن للنار نهاية وليست للجنة نهاية؛ لأننا إذا قلنا: إن المراد من الاستثناء هنا معناه الحقيقي فإنه قد ورد في كلا الطرفين، كما أن معنى التأبيد قد ورد كذلك في كلا الطرفين أو الحياتين مثل قوله تعالى في حق أهل النار:{فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً، إِلَاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} 2، وقال تعالى في حياة أهل الجنة:{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 4، ثم إن كلمة التأبيد لا تدل دائماً على اللا نهاية في الزمن بلا تدل أحياناً على نهاية زمن ما والدليل على ذلك قوله تعالى:{قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً} {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً} 6، فإنها تدل هنا على عدم وجود الهداية إلى نهاية حياتهم الدنيا، إذن لا يحق لهؤلاء أن يجعلوا للنار أو لأهلها نهاية دون الجنة وأهلها، فذلك ترجيح بلا مرجح.

والآن في ضوء هذه الفكرة نستطيع تفسير جميع النصوص الواردة في هذا

1 الجن: 23.

2 النساء: 168-169.

3 النساء: 57.

4 التغابن: 9.

5 الكهف: 35.

6 الكهف: 20.

ص: 277

الشأن تفسيرا يخضع للمنطق واللغة، فنقول مثلا في تفسير قوله تعالى في حق أهل النار:{وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} ، لا يخرجون من النار مدة دوام النار أو حياة الآخرة وكذلك أهل الجنة فهم خالدون فيها مدة دوام الحياة الآخرة أو مدة دوام دار الجزاء دون القول بانتهاء إحدى الدارين أو كليهما؛ لأن الأمر في ذلك متروك لله يفعل في ملكه ما يشاء وهو على ذلك لقدير.

وما يهمنا هنا هو أن نعرف أن هناك دارا للجزاء يجازى فيها كل واحد بما عمل من خير أو شر في هذه الحياة الدنيا، وأن الكافر يجازى أسوأ الجزاء مدة دوام دار الجزاء تلك، وكذلك المؤمن الصالح يجازى أحسن الجزاء مدة دوام دار النعيم أو الجنة أو بتعبير آخر فكل واحد منهما خالد في داره أو جزائه ما دامت الجنة والنار.

هذا فيما يتعلق بالجزاء الأخروي، لكن جزاء الله لا يقتصر على الآخرة بل يكون في الدنيا أيضا وإن كان الأول هو الجزاء الكامل القطعي، أما الأخير فإنه قد يكون مكافأة للمحسنين {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِم} 3، وقد يكون عقابا للمسيء {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً} 4، {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي

1 الأعراف: 96.

2 النحل: 97.

3 الفتح: 18.

4 نوح: 25.

ص: 278

الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ، فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ} 1، {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} 2.

وقد يكون عقابا على عدم مقاومة الفساد وقد بيناه في المسئولية: كيف أن الله يعاقب الذين يرون الفساد ولا يقاومونه

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يكون في قومه يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه، فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعقاب من قبل أن يموتوا"3.

ولقد كانت سنة الله في الذين خلوا أنهم كانوا إذا فسدوا أهلكهم الله، ولقد ضرب لهذه الألوان من الإهلاك والعذاب أمثلة مختلفة منها قوله تعالى:{وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} {كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ، وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} 6.

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} {أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِين} 8.

1 القصص: 76-81.

2 النمل: 52.

3 التاج جـ5 كتاب الزهد والرقائق 224.

4 الكهف: 59.

5 الأنفال: 54.

6 الحاقة: 5-6.

7 الأنعام: 6.

8 الدخان: 37.

ص: 279