المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بطلان نظرية داروين علميا: - علم الأخلاق الإسلامية

[مقداد يالجن]

فهرس الكتاب

- ‌مِقْداد يالجن

- ‌الفكر التربوي عند مقداد يالجن

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة عامة للموسوعة

- ‌مدخل

- ‌أهداف تعليم الأخلاق

- ‌مدخل

- ‌ أهمية الأخلاق:

- ‌التربية الأخلاقية

- ‌أهمية التربية الأخلاقية:

- ‌أهمية النظام الأخلاقي الإسلامي

- ‌المنهج وتطبيقه

- ‌مدخل

- ‌ أن تكون البداية من الإسلام

- ‌ أن نفهم موضوعات الفلسفة الإسلامية بالفلسفة الإسلامية نفسها، وتحقيق هذه النقطة يتطلب ثلاثة أمور:

- ‌ أن نحدد موقفنا من دراسات السابقين باتخاذها وسيلة من وسائل الفهم والتقويم

- ‌ أن يكون هدفنا الأساسي هو معالجة المشكلات الفلسفية المتصلة بحياتنا الراهنة

- ‌أن نميز السنة التشريعة من السنة غير التشريعة عند معالجتنا

- ‌ التحقق من صدق النصوص الإسلامية التي نعتمد عليها في تقرير الأفكار

- ‌التطبيق

- ‌الباب الأول: علم الأخلاق الإسلامية مفهومة، غايته، مجالاته، مدى ضرورته في نظر الإسلام

- ‌الفصل الأول: تحديد مفهوم علم الأخلاق الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌تحديد مفهوم كلمة العلم

- ‌مدخل

- ‌أقسام العلوم وموقع علم الأخلاق منها

- ‌ مفهوم كلمة الأخلاق

- ‌ مفهوم علم الأخلاق الإسلامية:

- ‌الفصل الثاني: غاية الأخلاق

- ‌الاتجاهات العامة في غاية الأخلاق

- ‌مدخل

- ‌ الاتجاه الروحي:

- ‌ الاتجاه العقلي

- ‌ الاتجاه المادي:

- ‌ اتجاه الإسلام في غاية الأخلاق:

- ‌الفصل الثالث: مجالات الأخلاق

- ‌مدخل

- ‌ الاتجاهات العامة في مجالات الأخلاق:

- ‌ مجالات الأخلاق في الإسلام:

- ‌الفصل الرابع: مدى ضرورة الأخلاق للحياة الإنسانية

- ‌مدخل

- ‌ مدى علمية الأخلاق

- ‌مكانة الأخلاق وأهميتها لدى العلماء

- ‌ مدى ضرورة الأخلاق ومكانتها في نظر الإسلام:

- ‌الباب الثاني: أسس الأخلاق في نظر الإسلام

- ‌الفصل الأول: الأساس الغيبي والاعتقادي

- ‌أركان الأساس الاعتقادي

- ‌الركن الأول

- ‌الركن الثاني

- ‌ الركن الثالث:

- ‌ أهمية الأساس الاعتقادي

- ‌الفصل الثاني: الأساس الواقعي والعلمي

- ‌أساس الاعتدال بين الواقعية والمثالية

- ‌ مراعاة قوانين الطبيعة والحياة:

- ‌الفصل الثالث: مراعاة الطبيعة الإنسانية

- ‌مدخل

- ‌ رأي العلماء في الطبيعة الإنسانية:

- ‌رأي الإسلام في الطبيعة الإنسانية

- ‌مدخل

- ‌بطلان نظرية داروين علميا:

- ‌ صلة الطبيعة الإنسانية بالأخلاق

- ‌الفصل الرابع: الاعتداد بالحرية الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌الاتجاهات الفكرية والفلسفية في حرية الإنسان

- ‌الاتجاه الجبري

- ‌ اتجاه حرية الإرادة:

- ‌ اتجاه الوسط بين الاتجاهين السابقين:

- ‌رأي الإسلام في حرية الإنسان والحرية الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌الدرجة الأولى جبرية مطلقة:

- ‌الدرجة الثانية جبرية طبيعية:

- ‌الدرجة الثالثة جبرية القوانين الأخلاقية

- ‌خلاصة الدراسة:

- ‌الفصل الخامس: تقرير مبدأ الإلزام والالتزام الأخلاقي

- ‌مدخل

- ‌ الاتجاهات المختلفة في الإلزام الأخلاقي:

- ‌ رأي الإسلام في الإلزام الأخلاقي:

- ‌ مجالات الالتزام الأخلاقي ودرجاته:

- ‌خصائص الالزام الأخلاقي في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ الإلزام بقدر الاستطاعة:

- ‌ سهولة التطبيق:

- ‌ مراعاة الحالات الاستثنائية:

- ‌ قوة الإلزام:

- ‌الفصل السادس: تأكيد المسئولية الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌ تحديد مفهوم المسئولية الأخلاقية

- ‌ مجال المسئولية وأقسامها وأبعادها

- ‌ أبعاد قياس المسئولية الأخلاقية:

- ‌ أقسام المسئولية بحسب جزاءاتها:

- ‌الفصل السابع: إثبات الجزاء الأخلاقي

- ‌مدخل

- ‌أنواع الجزاء الأخلاقي في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ الجزاء الإلهي:

- ‌ الجزاء الوجداني:

- ‌ الجزاء الطبيعي:

- ‌ الجزاء الاجتماعي:

- ‌ خصائص الجزاءات الأخلاقية الإسلامية

- ‌الباب الثالث: القيم الأخلاقية ومعاييرها في الإسلام

- ‌الفصل الأول: المعايير الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌الاتجاهات الفكرية في المعايير الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌الاتجاه الأول: الاتجاه الخارجي:

- ‌الاتجاه الثاني: الاتجاه الداخلي الباطني:

- ‌المعايير الأخلاقية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ المعايير الأخلاقية الموضوعية:

- ‌ المعايير الأخلاقية الذاتية أو الداخلية:

- ‌وجهة نظر الإسلام:

- ‌ خلاصة المعايير الأخلاقية الإسلامية

- ‌الفصل الثاني: حقيقة القيم الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌تحديد القيمة الأخلاقية خارج إطار الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ الاتجاه الطبيعي:

- ‌ اتجاه الطبيعة النفسية الفاعلة:

- ‌ الاتجاه العقلي أو فاعلية الفكر الفردي:

- ‌ الاتجاه الواقعي:

- ‌ اشتراك الذات الفاعلة مع الواقع الراهن

- ‌تصنيف القيم:

- ‌ تحديد القيمة الأخلاقية في إطار الإسلام:

- ‌أهمية القيم الأخلاقية في الحياة العملية

- ‌الأولى: المعرفة والإبداع والاختراع وإتقان العمل

- ‌الثانية: توجيه الذات الإنسانية وتوحيدها:

- ‌الثالثة: اكتساب تنمية القيمة الإنسانية:

- ‌الرابعة: القيمة المادية:

- ‌الخامسة: القيمة المعنوية:

- ‌الفصل الثالث: القيم الأخلاقية بين الفرد والمجتمع

- ‌أهم الاتجاهات الفلسفية والاجتماعية في الموضوع

- ‌ اتجاه الإسلام في الموضوع:

- ‌أنواع الأخلاقيات في إطار الأخلاق الإسلامية

- ‌النوع الأول: ينزع منزعاً فردياً

- ‌النوع الثاني: ينزع منزعا اجتماعيا:

- ‌النوع الثالث: أخلاقيات الحاكم المسلم

- ‌خاتمة أهم النتائج والتوصيات

- ‌مدخل

- ‌ أهم النتائج:

- ‌ توسيع الإسلام نطاق مفهوم الأخلاق وميدان العمل بها

- ‌ أصالة الأسس التي أقام عليها الإسلام نظامه الأخلاقي:

- ‌ وضع الإسلام معايير متعددة لقياس الأخلاق ولبيان قيمتها:

- ‌ تقويم الإسلام للأخلاق تقويما متكاملا

- ‌ الاتجاه الأخلاقي في الإسلام يجمع وينسق بين الفردية والاجتماعية:

- ‌ التقاء التفكير الأخلاقي والديني في الاتجاه الإسلامي:

- ‌ قدرة الأخلاق الإسلامية على مسايرة تطور الحياة وأشكالها المختلفة

- ‌ الأخلاق الإسلامية أكمل وأصلح أخلاق للحياة الإنسانية

- ‌أهم التوصيات

- ‌مدخل

- ‌ التوصيات الموجهة إلى الأسرة:

- ‌ التوصيات الموجهة إلى الإعلام:

- ‌التوصيات الموجهة إلى المدرسة

- ‌مدخل

- ‌الأهداف العامة لتعليم علم الأخلاق:

- ‌ التوصيات الموجهة إلى مراكز البحوث:

- ‌مصادر ومراجع الكتاب

- ‌الفهارس

- ‌فهرس أطراف الحديث

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌بطلان نظرية داروين علميا:

حتى لا يوجه إلينا أننا نقول كلاما من غير دليل1.

1 عالجت هذه النظرية في بحث خاص معالجة مفصلة تحت عنوان: نظرية التطور الداروينية في الميزان.

ص: 166

‌بطلان نظرية داروين علميا:

وإذا درسنا القائلين بالتطور نجدهم طائفتين: إحداهما تقول بالتطور العام في كل الموجودات في الكون بما يشتمل عليه من مادة وقوة وكائنات حية.

وثانيتهما: تقول بالتطور الخاص وتقصره على الكائنات العضوية التي تشتمل على النبات والحيوان والإنسان، وداروين من هذه الطائفة الأخيرة والقائلون بالتطور أيا كان نوعه تواجههم مشكلة الخلق والخالق والقوى المسيرة لهذا التطور في العالم من داخله أو خارجه.

وإزاء هذه المشكلة ينقسم هؤلاء إلى طائفتين: طائفة ترجع الأسباب البعيدة في نشأة التطور إلى خالق حكيم، حيث يقولون: "إن القوة التي تصدر عنها آثار التطور في الكون كله منذ بدايته لا بد من أن تكون فوق الطبيعة، وفوق الكون كله، تضع فيه ما تشاء من النظم والنواميس التي يتم التطور على أساسها، وهؤلاء يختلفون فيما بينهم: فمنهم من يقولون: إن الخلية الأولى هي التي خلقت فقط، وهذا مذهب لامارك، ومنهم من يقولون إن كل نوع خلق خلقا خاصا له، وطائفة لا ترجع أسباب ذلك إلى خالق، وهؤلاء يختلفون فيما بينهم: فمنهم من يقولون إن التطور يرجع إلى طبيعة المادة التي لا تفسير لها، إلا أنها وجدت هكذا، وأن التطور من طبيعتها أو من ضرورتها فالضرورة هي كل التفسير الذي يقدمونه علة للتطور.

ومنهم من يقولون: إن التطور المادي والحيوي ناشئان عن طريق التولد

ص: 166

الذاتي والحياة نشأت عن الجماد عن طريق التولد الذاتي1.

وأما إيمان أصحاب نظرية التطور الداروينية بالخالق ففيما يتعلق بداروين كان مؤمنا في أوائل حياته، وأصبح شاكا في آخريات حياته إلا أن شكه ليس ناتجا عن نطريته كما يقول هو بنفسه:"بأن مذهبه لا يقتضي من العقل أن ينفي وجود الله ،ولا أن يمس عقائد المؤمنين بوجوده، وأن الإيمان بأية ديانة من الديانات لا يتوقف على الفصل في قضية التطور إلى الرفض أو إلى القبول"2، وأما موقف "رسل لاس" و"لامارك" شريكي داروين في تأسيس نظريته فكانا يؤمنان بالخالق، وبأنه السبب في تطور الخلق..3

وهكذا نجد أن الأمر عكس ما يتصوره بعض الناس من أن كل القائلين بنظرية التطور لا يؤمنون بوجود الخالق، وأن هذه النظرية تقتضي عدم الإيمان به.

وأما فيما يتعلق بصلب النظرية الداروينية وتقويمها تقويما علميا فقد نقدها كبار رجال العلم والفكر من حيث الأسس التي تقوم عليها ومن حيث الأدلة التي يستدل بها على صحتها، ولا أريد هنا سرد جميع هذه الانتقادات الموجهة إليها لكي لا يطول بنا المقام، ولكن أريد نقدها من زاوية من أهم الزوايا التي نريد بها إثبات وجودها والتي تتصل بموضوعنا هنا وهي طبيعة خلق الإنسان.

1 تاريخ الاصطلاحات الفلسفية العربية: للويس ماسينيون، المحاضرة الخامسة عشر، الكتاب مخطوط في المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة برقم 2296.

- انظر كذلك الإنسان في القرآن للأستاذ عباس محمود العقاد ص 80.

2 المرجع السابق للعقاد ص 139.

3 فصل المقال في فلسفة النشوء والارتقاء، أرنست هيكل، ترجمة حسن حسين ص 61، وانظر كذلك المرجع السابق للعقاد ص 141.

ص: 167

فالإنسان في رأي هؤلاء آخر حلقة من حلقات تطور الكائنات الحية، ولهذا فهو أرقى كائن حي أو هو أرقى حيوان، وللاستدلال على ذلك يعقدون المقارنة بينه وبين القردة العليا مثل: الشمبانزي والغوريلا لوجود التشابه بينهما باعتبار القرد آخر سلم التطور الحيواني قبل الإنسان، والمقارنة بين القردة العليا والإنسان يمكن أن نقسمها إلى قسمين: الأول في الجانب الجسمي، والثاني في الجانب السيكولوجي أو الروحي، وسوف أركز معالجتي على هذا الجانب الأخير؛ لأنني أرى أن تمايز الإنسان من حيث كونه نوعا مستقلا عن الحيوان يظهر أكثر وضوحا عند المقارنة بهذا الجانب الأخير1.

إن الفارق الروحي بين الإنسان والقرد هو أهم فارق، وهو يعد حلقة من أهم الحلقات المفقودة، وأكبر فجوة من الفجوات التي لم تستطع الآثار والدراسات الحديثة أن تكملها أو تملأها حتى الآن، ولم يستطع علماء الأحياء أن يؤكدوا وجود أصل حيواني لروح الإنسان2، ثم إن داروين نفسه اعترف بوجود ثغرات واسعة في نظريته تنتظر من يسد خلتها3، كما اعترف بأنه يتكلم عن الأطوار التي تؤثر في جسد الإنسان ولا شأن له بما عدا ذلك من الملكات الروحية التي يقررها له الدين4.

والملكات الروحية أو النفسية في الإنسان كما يقررها علماء النفس والتربية هي: الإدراك والتذكر والخيال والشعور واللاشعور والتوقع والإحساس

1 عالج الأستاذ العقاد بإفاضة الجانب الجسمي في كتابه "الإنسان في القرآن"

2 معالم تاريخ الإنسانية جـ1 ص 33.

3 المصدر نفسه جـ1 ص 64.

4 الإنسان في القرآن ص 89.

ص: 168

الخلقي والأدبي1.

والإدراك قد يكون عن طريق المحسوس أو عن طريق الرموز أو يكون من غير واسطة كالحدس مثلا، فالإدراك عن طريق الرموز والحدس خاصان بالإنسان، فالقرد لا يستطيع أن يفهم مثلا من العلم أنه رمز الوطن ولا يستطيع أن يفهم معنى الكتابة أو يفك الرموز الأثرية، قد يفهم القرد بالتعلم عن طريق بعض الإشارات الرمزية لبعض الأمور المحددة، ولكن ذلك لا يمكن أن يقاس بفهم الإنسان، ومن هنا نجد للإنسان ثقافة وليست للقردة أية ثقافة؛ وذلك لأن الثقافة عبارة عن رموز للمفاهيم المختلفة، والإدراك عن طريق الأقيسة المنطقية التي يستخدمها الإنسان لا نجد له مثيلا لدى القرد، لذا من حقنا أن نقول هنا: إن ما نجد لدى الإنسان من آفاق الإدراك لا نجد حتى عشرها لدى القرد.

وكذلك التذكر الذي هو إعادة الماضي إلى الحاضر والحياة بالماضي في الحاضر، والذاكرة قسمان: عضوي مثل تذكر ألم حادثة أو لذة طعام، ومعنوى وهو: القدرة على عكس الماضي وتصوره في الحاضر والحياة به كما في الماضي، وهذه الذاكرة الأخيرة يتميز بها الإنسان، ويدخل في ضمن الذاكرة الشعورية واللاشعورية، ومن قدرة الإنسان إدراك الشعورية من اللاشعورية وإخضاع الأخيرة للأولى، وإذا كانت اللاشعورية يمكن أن توجد في القرد فلا يوجد عنده التمييز بين الأمرين، ولا توجد عنده القدرة على توجيه سلوكه اللاشعوري بالشعوري2.

أما فيما يتعلق بالخيال فهو كذلك يتيح للإنسان أن يحيا في عالم أوسع

1 فلسفة التربية: فيليب هـ. فينكس، ترجمة الدكتور محمد لبيب النجيحي ص 712.

2 المرجع السابق فيليب فينكس ص 712 وما بعدها.

ص: 169

من عالم الواقع حيث يستطيع عن طريق الخيال أن يخلق عالما يجمع فيه بين الماضي والحاضر والمستقبل.

وكذلك التوقع وهو إدخال المستقبل في الحاضر وتكييف الحاضر بناء على التوقعات في المستقبل، ويدخل هنا الأهداف ووضعها، والعمل من أجل تحقيقها أو تكييف الحياة وفقا لها، ثم العمل بالمثل العليا والسمو بها على مستوى الحياة الغريزية، وكلها من مميزات الإنسان، إلى جانب هذا هناك مميزات هامة تجعل الإنسان مخلوقا مميزا من جميع الحيوانات، فمنها الحضارة ومنها السمو بالذات على الواقع وعلى ضرورات الحياة الغريزية وتوجيهها وفقا لأفكار تتجاوز حدود كينونته كمخلوق مادي أو حيواني، إنه صغير من حيث الحجم كالحيوان لكنه يتعالى على حجمه وعلى جميع الحيوانات ويعيش في عالم أوسع وأكبر من عالم الحيوانات؛ لأنه عالم بنفسه أوسع من العالم المحسوس أمام عينيه، ويبحث عن شيء وراء ذلك، يبحث عن موجود سبب لوجوده ولوجود عالمه، وأين نجد هذا التفكير الديني وهذا الشعور الديني لدى القرد؟!.

ومنها أيضا الروح والحياة التي يحياها كل إنسان عندما يعود إلى نفسه ويتأمل في نفسه وفي هذا الكون، فهو في هذه الحالة يشعر أنه يعيش في حياة فوق مستوى الحياة المادية، وهذا شاهد صدق على وجود الروح التي تميز الإنسان تماما عن الحيوان.

من أجل هذا كله فقد نقد كبار العلماء والمفكرين نظرية داروين وخاصة فيما يتعلق بتطور الإنسان عن الحيوان وهذا "والاس" من القائلين بالتطور يقرر أن الارتقاء بالانتخاب الطبيعي لا يصدق على الإنسان ولا بد من القول بخلقه

ص: 170

رأسا وهذا "شابمان بنشر" من علماء التشريح يقول: "إنه لا احتمال لتسلسل الإنسان من القردة كما نعرفها؛ لأن القردة منفردة بتركيب خاص يستحيل تشريحيا أن يتطور منه تركيب الإنسان"2، وقال "هكسلي":"إنه لا ريب في أن الذين يعتقدون الارتقاء يجهلون أنه نتيجة مقدمات "مثل التولد الذاتي والتنازع للبقاء والانتخاب الطبيعي" لم يسلم بها، ومن المحقق عندي أنه لا بد من تغيير مذهب داروين 3، ولهذا قالوا: "إن مذهب داروين فرضي محض، ولو تمسك به بعض العلماء؛ لأن العقل وهو آلة التمييز لا يمكن أن يفهم شيئا متصلا وهو النشوء بواسطة شيء منفصل وهو الاختلاف بين الأنواع.. فإن كان معقول متميز وكل متميز محدود وكل محدود معدود منفصل، وإذا كان التباين جاء نتيجة التغير أو جاء بالانتخاب الطبيعي الذي يثبت به التغيرات المفيدة، لكن إذا كان الأمر كذلك فإنه لا توجد فائدة للحيوان في أولى درجات التغير التدريجي وكيف يثبت الانتخاب ويكون كإرادة عاقلة لها غاية"4، ويقول الدكتور "جوستاف جوليه": "إن مذهب لامارك ومذهب داروين يستويان في القصور، فإنهما لا يفسران التحول من الحياة الهوائية، فكيف استطاع الحيوان الزاحف وهو سلف العصفور أن يناسب البيئة التي ليست له، ولا يمكن أن تكون له إلا بعد أن يتحول من قبل أن تكون له أجنحة نافعة، وكيف تصل الدودة شيئا فشيئا إلى إيجاد أجنحة لجسمها تصلح له حياة هوائية.

ثم يقول: "يكفي لإبطال النظريات الداروينية أن يتأمل الإنسان حشرة

1 الإنسان في القرآن للعقاد ص 224.

2 المرجع السابق للعقاد ص 93.

3 المصدر السابق للعقاد ص 124.

4 المحاضرة الخامسة عشرة من كتاب لويس ماسينيون السابق الذكر.

ص: 171

الشرنقة فإنها ظهرت في أقدم عصور الحياة الأرضية، وثبتت أنواعها في جميع الأحوال، فهي تناقض ما ذهبوا إليه من التحولات المستمرة البطيئة، وتناقض التطور بفعل الفواعل الخارجية، فإنها تنقلب داخل الشرنقة من حال الدودية إلى حشرة طائرة ولا تأثير لشيء عليها من الخارج، كما أن الهوة عميقة بين الحال الأولى وهي الدودية، والحال الثانية وهي حال الحشرة"1.

بعد هذا النقد لنظرية داروين التطورية في خلق الإنسان من زوايا مختلفة نستمر في مواصلة عرض الطبيعة البشرية في نظر الإسلام، وإتمام هذا العرض سوف يكون مزيدا من النقد لتصور تلك النظرية للطبيعة البشرية.

2-

الطبائع الدفينة والمركبة في الطبيعة الإنسانية.

شرحنا نظرية خلق الإنسان في الإسلام من مبدأ خلق الإنسان الأول وزوجه، وكيف خلق الناس منهما وتكاثروا فيما بعد، ثم أهم الحقائق التي دخلت في تركيب الإنسان، ويمكن تلخيصها في تكوينين رئيسيين: الأول تكوين أرضي مادي ويتمثل في التراب والماء أو ما يتركب منهما، وهو الطين وقد نتج عن ذلك التكوين البيولوجي للإنسان، وظهرت منه الحاجات المادية الأولية والصفات التابعة لها كما سيأتي تفصيل ذلك في موضعه.

والثاني تكوين سماوي روحي ويتمثل في التكوين السيكولوجي أو الجانب المعنوي للإنسان، ونتج عن هذا التكوين دوافع وصفات معينة خاصة بالطبيعة الإنسانية، وقبل بيان تلك الدوافع والصفات أرى ضرورة تحليل تكوين هذا الجانب المعنوي في الإنسان.

1 فصل المقال في فلسفة النشوء والارتقاء ص 45.

ص: 172

وإذا تأملنا الآيات والأحاديث الواردة فيه والتي تعبر عن هذا الجانب وجدنا أنها تتحدث عن أربعة أمور وهي: النفس والروح والقلب والعقل، وتصف كل واحد منها بعدة أوصاف، لكن هل لكل واحد من هذه الأمور حقيقة بذاتها وصفات تابعة لها خاصة بها، أو أنها وظائف وصفات مختلفة لحقيقة روحية واحدة، ثم إذا كانت مستقلة فما مدى صلتها بالتكوين البيولوجي والفسيولوجي للإنسان؟ لو أننا نظرنا إلى آراء الفلاسفة في هذا الموضوع لوجدنا فيها ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الأول: يمثله سقراط وأفلاطون والمتصوفون1 عموما، وهو بوجه عام يرى أن النفس جوهر روحي مستقل عن الجسم، وهي واحدة ولها قوى ووظائف مختلفة، والاتجاه الثاني: يمثله أرسطو ومن تبعه من علماء النفس، ويرى هذا الاتجاه عموما أن النفس صورة منطبعة مع الجسم لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر؛ لأنه لا وجود لها إلا مع الجسم2، فبناء على هذا الاتجاه ليس هناك تكوين بيولوجي وسيكولوجي مستقل كل منهما عن الآخر، بل الإنسان في الحقيقة وحدة يتكامل فيها جسمه وروحه، أما الاتجاه الثالث فيحاول التوفيق بين الاتجاهين السابقين، ويمثله الفلاسفة المسلمون من أمثال الفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد، وإذا كان بينهم من اختلاف فهو من حيث الدرجة لا من حيث النوع أي: في درجة الميل نحو الاتجاه الأول أو الثاني، وأكثرهم إخلاصا لهذا التوفيق هو الفارابي وابن سينا حيث إنهما عرَّفا النفس كما عرفها أرسطو من حيث الصيغة "بأنها صورة لجسم طبيعي ذي حياة بالقوة"3، ومن حيث التفسير قالوا كالاتجاه الأول: بأنها جوهر مستقل عن الجسم.

1 محي الدين بن عربي وليبنتر ص 285.

2 الدكتور محمود قاسم: في النفس والعقل ص 69 طـ3.

3 الدكتور محمود قاسم: دراسات في الفلسفة الإسلامية ص 30 طـ1.

ص: 173

وباختصار فإن هذا الاتجاه يرى أن النفس كمال للجسم وجوهر مستقل في الوقت نفسه، ولا أقول: إن كل هذه المحاولات كانت خاضعة كلية للرغبة في التوفيق بين الفلسفتين، بل أقول: إنه إلى جانب تأثير هذه الرغبة كان للإسلام تأثير أيضا في هذه المحاولة، ذلك أن الإسلام يقر أيضا بوجود الجانبين في كيان الإنسان عموماًَ.

ومن هنا نجد الغزالي مثلا يعرِّف كل ما جاء به الإسلام من نصوص متعلقة بالجانب الروحي مثل: النفس والروح والعقل والقلب، بتعريفين: تعريف مادي وتعريف معنوي، ويحاول أن يجد لذلك سندا من النصوص الإسلامية فيعرِّف الروح -مثلا- "بأنها جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني، فينشر بواسطة العروق ضوارب إلى سائر الجسم، وجريانه في البدن يضاهي النور من السراج الذي يدار في زوايا البيت، فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنير به، والمعنى الثاني هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان"1، والنفس أيضا لها معنيان: أحدهما أنه يراد بها المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة في الإنسان.

والمعنى الثاني هو اللطيفة التي ذكرناها والتي هي الإنسان بالحقيقة، وهي نفس الإنسان وذاته، ولكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها، فإذا سكنت أصبحت النفس المطمئنة، وإذا دافعت النفس الشهوانية واعترضت عليها سميت النفس اللوامة؛ لأنها تلوم صاحبها في تقصيرها في عبادة مولاه.

"وأما القلب فيطلق على معنيين أيضا: أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر، والمعنى الثاني هو لطيفة ربانية روحانية لها

1 إحياء علوم الدين جـ3 ص 3.

ص: 174

بهذا القلب الجسماني تعلق، وتلك هي حقيقة الإنسان وهو المدرك العالم العارف من الإنسان وهو المخاطب والمعاقب والمعاتب والمطالب، ولها علاقة مع القلب الجسماني، وتعلقه به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات"1.

"وأما العقل فله معنيان أيضا أحدهما أنه قد يطلق ويراد به العلم بحقائق الأمور، فيكون عبارة عن صفة العلم الذي محله القلب، والثاني أنه قد يطلق ويراد به المدرك للعلوم فيكون هو القلب، أعني تلك اللطيفة.. "، ثم يقول الغزالي:"فإذن قد انكشف لك أن هذه الأسماء موجودة وهي القلب الجسماني والروح الجسمانية والنفس الشهوانية والعلوم، فهذه أربعة معانٍ يطلق عليها الألفاظ الأربعة، ومعنى خامس وهي اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان والألفاظ الأربعة بجملتها تتوارد عليها"2.

والآن لنرجع إلى رأي الإسلام في تلك الحقائق الروحية في الطبيعة الإنسانية، وقد قلنا: إن الآيات والاحاديث قد تحدثت عن أربعة أمور في الطبيعة الروحية والسيكولوجية.

أما النفس فقد ذكر الله تعالى أنه خلق الناس من نفس واحدة، وقد وصف هذه النفس بعدة أوصاف: منها النفس المطمئنة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي} ووصفها مرى أخرى

1 الإحياء جـ3 ص3 "الضمائر في النص مضطربة".

2 إحياء علوم جـ3-4.

3 الفجر: 30.

ص: 175

بالنفس الموسوسة: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} 1، ومرة ثالثة بالنفس اللوامة {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} 2، ومرة رابعة بالنفس الأمارة بالسوء {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} 3.

وهذه الآيات كلها تفيد أن النفس واحدة، لكن لها حالات وصفات متعددة، وترتيب الآيات بهذه الصورة يؤكد هذه الفكرة.

فالنفس في حالتها الفطرية الطبيعية المستقيمة على منهج الله تكون مطمئنة ومستقرة، ولكن في بعض الحالات تأتيها خطرات الخروج على هذه الحالة، وتوسوس للإنسان بالشر، فإذا خضع الإنسان لهذه الوسوسة وعقد العزم على ارتكاب الشر أو ارتكبه فعلا، فإنها تستفيق من الغفلة وتلوم نفسها، فإذا استمرت في هذا الخضوع تنسى ربها وتصبح أمارة بالسوء، وإذا وصلت إلى هذه المرتبة اتخذت إلهها هواها، فلا تستطيع بعد ذلك فكاكا إلا برحمة من الله:{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} 4، ولقد عبر القرآن أحيانا بالنفس عن الذات المشخصة لا عن أمر معنوي، فقال تعالى:{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} 5.

ومن حقائق التكوين المعنوى في الإنسان التي تحدث عنها الإسلام: الروح {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} {وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} 8، وإذا كنا لا نستطيع إدراك حقيقة هذه

1 ق: 16.

2 القيامة: 2.

3 يوسف: 53.

4 الفرقان: 43.

5 البقرة: 72.

6 الإسراء: 85.

7 السجدة: 7-9.

8 الحجر: 29.

ص: 176

الروح لقلة علمنا كما قال تعالى، فإننا نستطيع أن ندرك مغزى ما يوحي به تركيبها في طبيعتنا من دلالات أخلاقية، وهي وجود شيء معنوي سماوي قدسي الذي يجعلنا نميل فطريا إلى السمو والاستعلاء على الوجود المادي الأرضي، كما يوحي بالمساواة الإنسانية بين الناس حيث إن خلقتهم واحدة، ثم يوحي أخيرا بقيمة الإنسان وقدسيته.

وأما القلب فكل الآيات التي وردت في حق القلب قد عبرت عن معناه الروحي فقط لا عن معناه المادي الذي ورد في الحديث، ومصداق ذلك قوله تعالى:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} 5، أما الحديث الذي ورد فيه معنى القلب المادي والمعنوي فهو قول الرسول:"ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"6.

مما سبق نستخلص عدة صفات للقلب وهي: السلامة والإنابة والغلظة والتفقه والزيغ، ووُصف في نصوص أخرى بالقسوة والعمى والرأفة والاطمئنان والتقوى والتعقل.

1 الشعراء: 88-89.

2 آل عمران: 159.

3 الأعراف: 179.

4 البقرة: 88.

5 آل عمران: 7.

6 فتح الباري جـ1، كتاب الإيمان باب فضل من يستبرئ لدينه صـ 134.

ص: 177

وأما العقل فقد اختلف الفلاسفة في حقيقة العقل، فقسمه أرسطو إلى ثلاثة أقسام: الأول العقل الهيولاني أو بالقوة: وهو الجزء المستعد من النفس لقبول معاني الأشياء، والثاني العقل بالفعل أو العقل المستفاد، وهو ما يحصل للعالم حين يستطيع أن ينتقل إلى الفعل بنفسه أي: عند مباشرة العقل المدركات.

الثالث العقل الفعال: وهو المرتبة التي يصل إليها العقل عندما يدرك تلك المعاني وينتزعها فعلا من المدركات الخارجية الحسية1.

وقسمه الفارابي إلى أربعة أقسام: الأول هو ما قاله أرسطو في المعنى الأول، والثاني العقل بالفعل الذي قال به أرسطو أيضاً، والثالث العقل المستفاد وهو الثاني نفسه عندما يتحد بالصورة العقلية وتصبح هذه الصورة صورة له، والرابع العقل الفعال وهو مقارن للنفس موجود في أقرب الأفلاك إلينا وهو فلك القمر الذي تفيض منه المعقولات على النفس والعقل2.

وقسم ابن سينا معاني العقل تقسيماً مشابها لتقسيم الفارابي3.

وقسمه الغزالي إلى قسمين: أحدهما يراد به العلم بالحقائق، وثانيهما تلك اللطيفة المدركة من القلب4.

تلك هي نظرة القدماء إلى العقل وقواه أو قدراته، ولننظر الآن إلى رأي المحدثين من علماء النفس في العقل وقدراته. يغلب على تعبيرات المحدثين التعبير عن العقل بالذكاء أو القدرات العقلية، وهم يختلفون اختلافاً كبيراً في

1 كتاب النفس لأرسطو طـ 1. ت. د. أحمد فؤاد الأهواني ص 108.

3 في النفس والعقل: الدكتور محمود قاسم ص 203.

3 المرجع السابق نفسه ص 211.

4 إحياء علوم الدين جـ 3 ص 4.

ص: 178

ماهيته وقدراته.

فقد عرفه "سبيرمان" مثلاً بأنه: القدرة على إدراك العلاقات، بسيطة كانت أم صعبة خفية1، وعرفه "ركس نايت" بأنه: القدرة على اكتشاف الصفات الملائمة للأشياء أو الأفكار وعلاقات بعضها ببعض، وعرفه "ثورندايك" بأنه: القدرة على مجرد تكوين ترابطات، واقترح ثلاثة مستويات للذكاء: وهي الذكاء المجرد والذكاء الاجتماعي والذكاء الميكانيكي، ويتضمن النوع الأول استعمال جميع الرموز اللغوية والأرقام وغيرها، والذكاء الاجتماعي هو القدرة على تفهم الناس ومسايرتهم، والفرق بينهما أن الأول موروث بينما الثاني يرجع غالباً إلى الاكتساب، أما الذكاء الميكانيكي فهو السمة التي تنمو خلال ما يمنح للفرد من فرص تعليمية نتيجة لميوله، وذلك على أساس من الذكاء الفطري.

وعرفه "فريمان" بأنه القدرة على التعلم، وذكر له أربعة أنماط: الأول هو تكيف الفرد بالبيئة الكلية المحيطة به، أو ببعض نواحيها، الثاني أنه القدرة على التعلم، الثالث أنه التفكير المجرد، الرابع أنه القدرة الكلية لدى الفرد على التصرف الهادف والتفكير المنطقي والتعامل المجدي مع البيئة2، ويرى "إدوارد كلاباريد" أن الذكاء هو القدرة على المعرفة، والقدرة على التكيف مع الواقع3.

وقد استقر مفهوم الذكاء أخيراً على يدي "ثيرستون" على أنه: قدرة القدرات وموهبة المواهب والمحصلة العامة، لجميع القدرات العقلية المعرفية الأولية4

1 سيكولوجية الفروق الفردية: الدكتور يوسف الشيخ.

2 سيكولوجية الفروق الفردية: الدكتور يوسف الشيخ ص 103.

3 التربية الوظيفية تأليف إدوارد كلابارد، ترجمة الدكتور محمود قاسم ص 134.

4 الذكاء: الدكتور فؤاد البهي السيد، ص 248.

ص: 179

ويمكن إجمال رأي المحدثين دون دخول في كثرة من التفاصيل التي توجد في كتب علم النفس الحديث، بأن الذكاء أو القدرة العقلية لها صفات منها: الإدراك بوجه عام واستيعاب المعلومات وحفظها والعمل بمقتضى هذا الإدراك وتلك المعلومات وهذه الناحية أميل إلى الحكمة؛ لأن الحكمة هي العمل بالعلم كما تقتضي الأحوال والمواقف.

أما رأي الإسلام في العقل فقد جاءت نصوص متعددة تعبر كلها عن أن العقل قوة مدركة في الإنسان خلقها الله فيه ليكون مسئولا عن أعماله؛ ولهذا بين الله تعالى أن سبب الانحراف والضلال هو عدم العمل بمقتضى العقل {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} 1، وقال تعالى:{يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} 7، وأهم ما يمكن أن نستخلصه من هذه النصوص وغيرها فيما يتعلق بالعقل هو أن العقل قوة مدركة غريزية موجودة في الإنسان، وأنه يستعمل بمعنيين: الأول الإدراك، والثاني العمل بمقتضى الإدراك، وهو العقل العملي أو الحكمة.

1 الملك: 10.

2 البقرة: 75.

3 البقرة: 44.

4 العنكبوت: 43.

5 الحج: 46.

6 الأنفال: 22.

7 يس:62.

ص: 180

والآن بعد عرض تلك الحقائق في الطبيعة الإنسانية يبدو لي وجود فروق واضحة بين هذه الحقائق، وتبدو تلك الفروق جلية في أن ما يدركه الإنسان بقلبه لا يدركه بعقله، وما يدركه بعقله قد لا يدركه بقلبه، إذن هناك خصوصية لإدراك كل من العقل والقلب؛ ولهذا قال تعالى:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} 1، إذن رؤية القلب غير إدراك العقل، ودليل هذا الفرق تجريبي وليس دليلاً منطقيا، فالإنسان أحياناً قد يشعر بحقيقة في نفسه ولا يجد لها دليلاً منطقياً وبالعكس قد يجد دليلاً منطقياً على فكرة ولا يقتنع به قلباً2، ثم إن التفريق ضروري للتمييز بين النفس الحيوانية التي يشترك فيها الإنسان باعتبارها قوام الحياة وبين الروح الإنسانية التي هي نفخة من روح الله، والتي بها يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان3.

ويؤيد وجهة نظرنا هنا ما يقول الدكتور "محمد كمال جعفر" تعبيراً عن رأي المتصوفة، فالصوفية يصرون على وجود تمييز حاسم بين النفس والروح، ولا يقف الصوفية عند حد التصنيف بين النفس والروح، بل يتعدون ذلك إلى آرائهم في القلب الإنساني الذي لا يعنون به هذه المضغة الصنوبرية، بل يعنون به مركز النشاط العاطفي والروحي والفكري بمعنى خاص4.

1 النجم: 11.

2 يقول بسكال بعد أن فرق بين العقل والقلب كوسيلتين للمعرفة قال بعد ذلك: "فما نعرفه بالقلب لا ندركه بالعقل، وما نبرهن عليه لا نراه ولا نلمسه" انظر بسكال، دكتور نجيب بلدوي، ص 135.

3 يعرف ابن عربي إدراك القلب ويقول: "هو حال يفجأ العبد في قلبه فإن قام نفسين فصاعداً كان شرباً"، دراسات في الفلسفة الإسلامية. د. محمود قاسم طـ 3 ص 297.

4 التصوف طريقة وتجربة ومذهبا: الدكتور محمد كمال جعفر ص 98.

ص: 181

وفيما يتعلق بصلة الجانب السيكولوجي بالجانب البيولوجي في تركيب الإنسان أو تكوينه ذكرنا حديثاً للرسول صلى الله عليه وسلم يوضح مدى هذه الصلة، وهو حديث القلب "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله" 1، هنا نجد الارتباط بين الجانبين، وجاء في حديث آخر كيف كانت الروح سبباً لحركة الجسم، فقد روى سعيد بن جبير عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لما دخل الروح في عيني آدم عليه السلام نظر في ثمار الجنة فلما دخل جوفه اشتهى الطعام فوثب من قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة" 2، ويرى ابن عربي أن الجسد ضرورة للنفس لتعكس العالم فهو وسيلة لذلك في يد النفس، ولكل روح جسد مصور مسوي معدل يشاكلها ويجانسها مزاجياً، وإذا كانت النفس تتجانس مع طريقة تركيب الجسم فإنها تظهر بصورته هنا، ويشرح رأيه أستاذي قائلاً: "وإذا تفاضلت النفوس فيما بينها فإنما ذلك بسبب تفاضل الأمزجة فيما بينها، وحقيقة التفاضل بين أفراد البشر إنما ترجع إلى الصورة التي شاء الله أن يركب فيها كل واحد منهم، وأن الله قد جعل الإنسان وعقله بحكم مزاج جسده، فإن النفس لا تدرك شيئاً إلا بواسطة هذه القوى التي ركب الله في هذه النشأة، فهي للنفس كالآلة فإن كانت مستقيمة على الوزن الصحيح ظهر حسن الصنعة بها، ويشبه العلاقة بينهما من حيث التأثير والتأثر بانعكاس الضوء على قطعة من الزجاج، فكما أن الضوء يتشكل باختلاف لون الزجاج من أخضر وأزرق وأصفر وما إلى ذلك، فكذلك النفس تتشكل بحسب أمزجة الأجسام المختلفة بين الناس، وإن كانت هذه النفس واحدة في أصلها، وإذا كانت النفس

1 فتح الباري جـ 1 كتاب الإيمان ص 136، انظر حديث من ساء خلقه ص 264.

2 البداية والنهاية لابن كثير جـ 1 ص 86، انظر رأي ابن سينا: علم الأخلاق ص 197.

ص: 182

هي التي تدير الجسم وتبعث فيه الحياة والحركة، فإن الجسم لا يقبل من هذا التأثير إلا بقدر استعداده الطبيعي، ومن جهة أخرى فإن للأجسام تأثيراً في النفوس "فمنهم الذكي والبليد بحسب مزاج الهيكل الجسمي، فالأمر عجيب بينهما فكل واحد منهما مؤثر فيما هو مؤثر فيه"1.

ومجمل القول يرى ابن عربي أن النفس وقواها المختلفة واحدة من حيث أصلها لكن هذه القوى لا تظهر لدى الناس بصورة واحدة بل تظهر بحسب اختلاف أجسامهم وأمزجتهم واختلاف الأجهزة المركبة في الجسم ومدى استعدادها لإظهار أو عكس قوى النفس المختلفة.

ثم إن علماء علم النفس المحدثين قد أثبتوا بالطرق التجريبية وجود صلة ما بين العمليات العقلية المختلفة ومراكز تشريحية في المخ، بحيث إن إصابة أي خلل في أحد هذه المراكز يؤثر في العملية العقلية التي تعتمد عليه، ولكن العلماء حتى الآن لم يتفقوا على مدى هذه الصلة، هل هذه الصلة صلة التوازي مثلاً، أي: أن عناصر الدماغ وخلايا القشرة الدماغية تفرز الفكر كما تفرز الكبد السكر، وأن شتى الصور والمعاني التي تتوارد في الذهن ليست سوى تنشيط للآثار التي تركتها التجارب الحسية في الخلايا العصبية؟ والحقيقة أن الذي يدرس الآراء المختلفة في هذا الموضوع ثم يتأمل في تلك العمليات العقلية الجبارة لا يستطيع أن يرجعها جميعاً إلى عمليات آلية فسيولوجية قائمة على آليات الجهاز المخي؛ لأننا نشعر بالإنتاج أكثر من الطاقة الفسيولوجية أو أكثر من وظائف آلية لجهاز

1 مقال عن طبيعة النفس لدى ليبنتس وابن عربي، الدكتور محمود قاسم، مجلة حوليات دار العلوم عام 1971م، انظر إلى كتاب محي الدين بن عربي وليبنتر ص 282-283.

ص: 183

مخي. ومن هنا يقول الدكتور "يوسف مراد": "ليست الحياة العقلية كلها نتيجة ترابطات ميكانيكية بين عناصر ووحدات مميزة مثل الإحساسات والصور الحسية والحركية، إن الارتباط يقوم بدور كبير في تكوين الآليات الجديدة في المجال الحسي والحركي ولكن العمليات العقلية العليا من إدراك وتذكر وتفكير، وخاصة عمليات الحكم والاستدلال، لا يمكن تفسيرها على أساس ارتباطي بحت، بل تتطلب نشاطاً عقلياً يفوق في طبيعته وتعقده النشاط الآلي، فهو نشاط إبداعي يستخدم الآليات المكتسبة كوسائل الإبداع والكشف دون أن يخضع لها أو يتقيد بها.

ولا يمكن إرجاع عمليات الحكم والاستدلال إلى مجرد الارتباطات بين الصور الذهنية، وحتى التذكر ليس مجرد استرجاع الصور كما هي بل هو في صميمة عملية تمييز واختيار"1.

وهذه الفكرة تتفق أو تكاد تتفق مع ما ذهب إليه "هنري برجسون" في رده على القائلين بوجود التوازي بين عملية الشعور وعملية المخ الآلي فيقول: "وماذا تقول لنا التجربة؟ في الواقع إنها تبين أن حياة النفس -وإن شئت فقل حياة الشعور- مرتبطة بحياة الجسم، وإن ثمة تضامناً بينهما ولا شيء غير ذلك، ولكن ثمة من ينكر هذه الحقيقة إلا أنه شتان بين أن نقرر ذلك وبين أن نقول إن الدماغي معادل العقلي، وأن في الإمكان أن نقرأ في الدماغ كل ما يجري في الشعور المقابل، إن الثوب الذي علق على مسمار متضامن مع هذا المسمار فإذا وقع المسمار وقع هو معه وإذا اهتز اهتز وإذا كان رأس المسمار حاداً جداً تمزق الثوب، ولكن ليس ينتج عن هذا أن كل جزء من أجزاء الثوب ولا أن المسمار

1 مبادئ علم النفس العام: الدكتور يوسف مراد ص 306.

ص: 184

معادل للثوب؛ ولا أن المسمار والثوب شيء واحد، نعم إن الشعور معلق بدماغ ولكن ليس ينتج عن هذا أبداً أن الدماغ يرسم كل تفصيل الشعور ولا أن الشعور وظيفة للدماغ، وكل ما تسمح لنا المشاهدة والتجربة بتقريره هو أن ثمة علاقة بين الدماغ والشعور"1.

3-

والآن فلننتقل إلى النقطة الثالثة والأخيرة في الطبيعة الإنسانية وهي طبيعة الخصائص الإنسانية العامة التي جاءت نتيجة تكوين الإنسان من تلك الحقائق المادية والروحية معاً.

نحن نعرف أن الكل ليس مجرد مجموع أجزائه بل قد تكون هناك صفة أو صفات زائدة تنشأ عن تركيب أجزاء معينة، فالماء مثلاً يتركب من الأيدروجين والأكسوجين وبالرغم من ذلك فهو في شكله وخصائصه العامة مختلف عن مجموع خصائص هاتين المادتين، ولو حللناه إلى مادتين يفقد شخصيته ولا يبقى ماء.

وكذلك الشخصية الإنسانية فإنها متركبة من المادة والروح معاً ولهذا ففيها الصفات الأرضية والسماوية وفيها أيضاً صفات ثالثة ناتجة عن ذلك التركيب الخاص، وهذا التركيب أعجب ما يكون إذ به يتحقق التنسيق بين القوى المادية والروحية، وإلى ذلك التنسيق ترجع الخصائص الإنسانية التي تميز بها الإنسان عن الكائنات الروحية الخالصة والكائنات الحيوانية الأخرى.

ولهذا فقد لفت الله نظر الإنسان إلى ذلك التركيب العجيب وإلى ذلك الصنع البديع في خلقه ليقدر تلك القدرة الخالقة والصورة المبدعة التي صورها الله

1 الطاقة الروحية: لهنري برجسون. ت. سامي الدروبي ص 29.

ص: 185

على أحسن وأتم صورة {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} 1.

{وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} 2، وفكرة كون الإنسان أكبر من مجموع أجزائه لها أهمية كبيرة في مجالات التربية وفي مجال تصور الإنسان والتعبير عنه بصورة متكاملة، وهي فكرة انتهت إليها الدراسات الحديثة فيقول مثلا الدكتور "محمد لبيب النجيحي":"ننهي بحثنا للنظريات المختلفة للطبيعة الإنسانية والمفاهيم التي حاول كثير من الفلاسفة أن يوردوها للطبيعة الإنسانية متعللين بأسباب مختلفة حقيقية أو غير حقيقية، ننهي هذا بنظرة إلى الطبيعة الإنسانية تعتمد على التكامل.. نظرة كلية تتسع لتشمل جميع العوامل المكونة لها؛ وذلك نظراً لظهور أفكار واتجاهات جديدة وكشوف عملية أدت إلى أن تختلف النظرة العلمية إلى الطبيعة الإنسانية اختلافاً أدى إلى تطبيقات جديدة في التربية.. لأن هذه الطبيعة كل متكامل لا يتكون من جسم مضاف إليه عقل ولكن الطبيعة الإنسانية أبعد من ذلك، فالكل أكبر من مجموع أجزائه، أي: أن الطبيعة الإنسانية هي أكثر من مجرد إحساسات جسمية وتكوينات عقلية"3.

إذن من الخطأ أن ننظر إلى الإنسان -عندما نحاول أن نصور طبيعته- على أنه مجموعة من التركيبات المادية والإحساسات الحيوية أو أنه مجموعة من التكوينات المعنوية أو الروحية بل علينا أن ننظر إليه كشخصية تتكامل فيها

1 الانفطار: 8.

2 غافر: 64.

3 مقدمة في فلسفة التربية: الدكتور محمد لبيب النجيحي ص 246 - 252.

ص: 186

الجوانب المادية والمعنوية، ونتيجة لذلك يتميز بصفات خاصة به، لا نجدها لدى غيره من الكائنات.

ومن هنا يقول الدكتور "الكسيس كارل": "إن الإنسان كل لا يتجزأ شديد التعقيد ومن المستحيل إيجاد فكرة مبسطة عنه.. فالإنسان الذي يعرفه الأخصائيون ليس الإنسان المحسوس أو الإنسان الحقيقي إنما هو رسم تخطيطي يتكون من التخطيطات التي تسفر عنها الطرائق الفنية لكل علم من العلوم، إنه في آن واحد الجثة التي يفحصها علماء التشريح، والشعور الذي يراقبه علماء النفس وأساتذة الحياة الروحية، والشخصية التي تتكشف لكل واحد منا عندما يتأمل ذاته، إنه المواد الكيميائية التي تكون الأنسجة البدنية وأمزجة الجسم، إنه المجتمع الهائل من الخلايا والسوائل الغذائية التي يدرس علماء الفسيولوجيا قوانين اتحادها، إنه تلك المجموعة من الأعضاء والشعور التي تدوم زمناً والتي يحاول علماء الصحة والمربون توجيهها صوب كامل نموها، إنه ذلك الكائن الذي لا بد أن يتغذى بلا انقطاع حتى يمكن أن تعمل الآلات التي هو عبد لها، وهو إلى جانب هذا الشاعر والبطل والقديس، إنه ليس فقط الكائن المعقد أشد التعقيد الذي يحلله العلماء بوسائلهم الفنية الخاصة، بل هو أيضاً جماع ميول البشرية وتهيؤاتها ورغباتها"1.

من هنا نجد النصوص الإسلامية الواردة في هذه الطبيعة والتي تعبر عن تلك الصفات الناتجة عن ذلك التركيب تبدو وكأن بينها تناقضاً ولكن من هذا التناقض تظهر الصفات الإنسانية أو الخلقية ويتضح ذلك جلياً إذا درسنا

1 الإنسان هذا المجهول: الكسيس كارل ص 21.

ص: 187

النصوص المتعلقة بذلك.

ولنذكر بعض هذه النصوص لتكون أساساً لدراستنا ثم علينا أن نستخلص هذه الفكرة ونوضحها، وهذه النصوص تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول يوضح الصفات الأرضية للإنسان، والثانية الصفات السماوية، والثالثة الصفات الناتجة عن اجتماع العنصرين السابقين.

من الصفات الخاصة بالقسم الأول الإخلاد إلى الأرض والالتصاق بالأمور المادية الحسية {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} 2، أولئك كالأنعام؛ لأنهم هائمون على متع الأرض ولذاتها، فأغفلهم ذلك عما وراء الطبيعة المحسوسة فلا يتأملون ولا ينظرون إلى غير الأرض، وكأن وجوههم قد شدت إليها بحبال فلا يستطيعون الالتفات إلى الأعلى، فقد استهوتهم مراعي الأرض كما استهوت الأنعام. ولكنهم أضل من الأنعام؛ لأن الأنعام لا تستطيع ذلك بحكم الطبيعة.

ومنها الشره والتعجل لإشباع الدوافع الغريزية؛ ولهذا قال تعالى: {خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} {وَيَدْعُ الْأِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولًا} {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} 5.

ويدخل في هذا القسم كل الصفات الحيوانية والدوافع المادية الأولية مثل التناكح والتناسل والأكل والشرب وما إلى ذلك من الصفات؛ ولهذا فقد شبه الله تعالى الذين ينغمسون في هذه الحياة الحسية بالأنعام، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا

1 الأعراف: 176.

2 الأعراف: 179.

3 الأنبياء: 37.

4 الإسراء: 11.

5 ص: 16.

ص: 188

يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ} 1، وجاء في آية أخرى:{أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} 2.

أما الصفات الناتجة عن وجود العنصر السماوي أو العنصر الإلهي فهي: الدافع الأخلاقي والأدبي والبحث عن المعرفة والاستعلاء على الطبيعة الحيوانية والتسامي الروحي والتعبد لله أو التدين والحكمة والتفاضل بالإحسان إلى آخره.

ويبين الله تعالى أن الذين يتحلون بتلك الصفات هم العقلاء وأصحاب الألباب، فقال تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 3.

وأما النوع الثالث: من الصفات فهي ناتجة عن اجتماع العنصر الأرضي والسماوي وهي ثلاثة أقسام: صفات شيطانية، وملائكية وصفات خاصة بالإنسان.

أما الصفات الشيطانية فتنشأ إذا تسلطت على الإنسان الدوافع الغريزية البهيمية واستخدمت في سبيل تحقيق مطالبها العناصر الروحية مثل: قوة الإدراك والتمييز والتعقل، فيستخدمها لجلب الخيرات لنفسه أو لرفع مكانته وذلك بالأساليب الماكرة الخادعة، وأنواع الحيل الدقيقة الشيطانية التي لا يمكن أن يستخدمها الحيوان الخالي من تلك المواهب العقلية.

ولهذا فمتى نكل بعدوه استطاع أن ينكل أشد من الوحوش، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ

1 محمد: 12.

2 الأعراف: 179.

3 آل عمران: 191.

ص: 189

الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} 1، وإذا أراد أن يفرض سطوته وخيلاءه أصبح كالإله العزيز الجبار المتكبر فيستعبد الناس ويذيقهم ألوان الذل والهوان كما فعل فرعون، وصدق الله العظيم إذ قال:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} 2، وإذا أراد أن يوقع بعدوه يستطيع إيقاعه بأخبث الطرق والحيل الشيطانية؛ ولهذا سماهم الله بشياطين الإنس، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} 3؛ لأنه يتبع في ذلك خطوات الشيطان {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} ، وبين الرسول أن الإنسان إنما يتبع خطوات الشيطان إذا استولت عليه غرائز الشهوة المادية، وأن الشيطان يتخذ تلك الغرائز وسيلة الإغراء فقال:"لا تلجوا على المغيبات " اللائي غاب أزواجهن" فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"5.

أما الصفات الملائكية فتنشأ إذا تسلطت على الإنسان العناصر العلوية والروحية واستخدمت عناصره الأخرى في سبيل تحقيق مطالبها مثل: الحكمة ومعرفة الله والخضوع لحكمه وحب الخير والاستعداد للآخرة، فهو في هذه الحالة يسخر إمكاناته المادية ودوافعه الحيوانية في سبيل جلب الخيرات للناس والعمل من أجل رفع مستواهم المادي والمعنوي، ولا يبالي في سبيل ذلك ما يعانيه من النصب والتعب، فمن هنا تنشأ جميع الفضائل الأخلاقية والأفعال الإنسانية.

وقد سمى الله هذه الطائفة من الناس بعباد الرحمن؛ لأنهم خرجوا من عبودية

1 البقرة: 205-206.

2 القصص: 4.

3 الأنعام: 112.

4 البقرة: 208.

5 جامع الترمذي جـ 2 ص 319.

ص: 190

الشهوات ودواعي الهوى واتباع خطوات الشيطان إلى عبودية الرحمن واتباع طريقه فقال تعالى في وصف هؤلاء: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً، وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً، وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً، وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً، وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً، أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً} 1، وقال الرسول:"كونوا ربانيين حلماء فقهاء علماء"2.

وأما القسم الثالث من الصفات فهي التي تعتبر من خصائص الطبيعة الإنسانية، منها: كثرة الجدل والخصومة: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} 4، ومنها كثرة النكران للنعمة والإحسان {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُود} ، ومنها التضرع إلى الله عند الملمات، والبطر والطغيان عند الرخاء وتوافر النعم {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِما} {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} ، وهو يئوس إذا نزعت من يده النعمة، وشحيح إذا أصابه الخير، وهلوع إذا مسه الشر، ومنوع إذا مسه الخير {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ} {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} 9.

1 الفرقان: 63 - 75.

2 فتح الباري بشرح البخاري جـ 1 ص 170 كتاب العلم.

3 الكهف: 54.

4 النحل: 4.

5 العاديات: 3.

6 يونس: 12.

7 العلق: 7.

8 هود: 9.

9 المعارج: 19-20-21.

ص: 191

ومنها الطمع المستمر في الحصول على مزيد من الخيرات {لا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} 2.

ومنها أن يريد ويخضع سلوكه لإرادته، فهو ليس كالحيوان محكوماً بقوانين الغرائز بل إنه يمكن أن يخالف هذه الغرائز إذا أراد، وسيأتي تفصيل هذه النقطة وافياً، وقد رسمت خريطة للدوافع الفطرية في كتاب آخر، انظر: معالم بناء نظرية التربية الإسلامية ص 57.

نستخلص من هذا كله أن الطبيعة الإنسانية طبيعة متعددة الخصائص والدوافع والميول، ويرجع بعض ذلك إلى التكوين المادي وبعضه الآخر إلى التكوين النفسي والروحي والعقلي، وبعضه إلى العلاقة القائمة بينهما، وبعضه إلى الكيان الكلي للإنسان، فهو أمشاج من هذا كله {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراًً} 3، فالنطفة التي خلق منها الإنسان فيها عناصر مختلفة من العناصر الوراثية المنبثة في الجينات والكروموزمات الموجودة في الخلية التي توجد فيها عناصر الشخصية الإنسانية بالقوة كما توجد الشجرة الكبيرة بالقوة في البذرة الصغيرة، ولا أقصد من هذا أن أفعال الإنسان مكنونة في نفسه كذلك؛ إذ إن هناك فرقا بين الصفات الطبيعية للإنسان وبين أفعاله، والهدف من خلقه بهذه الصورة -كما تشير الآية- هو الابتلاء إذ وضع الله أمامه سبيلين: سبيل الخير وفيه استعداد لهذا السبيل، وسبيل الشر وفيه استعداد للسير فيه أيضاً {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} 4، أي: طريق الخير وطريق الشر، وقد أمر باتباع الأول واجتناب

1 فصلت: 49.

2 العاديات: 7.

3 الإنسان: 2 - 3.

4 البلد: 10.

ص: 192

الثاني، وهو عند اتباع هذا الطريق أو ذاك يعلم أنه خير أم شر {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} 1، وفلاحه مرهون باتباع طريق الخير {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} 2.

وميزة الإنسان هنا على الحيوان أنه ليس محكوماً بفطرته البيولوجية، بل إنه يستطيع أن يتسامى على هذه الفطرة فيستطيع أن يكف عن الأكل والشرب بالرغم من حاجته إليهما ووجودهما أمامه حتى الموت، وهو في الوقت نفسه ليس كالملائكة محكوماً عليه باتباع الخير وليس كإبليس مدفوعاً إلى اتباع الشر بل فيه القدرة على أن يكون كالحيوان، لا يسير إلا بناء على ما تدفعه دوافعه وغرائزه المادية، ويستطيع أن يكون كملك كريم لا يتبع إلا الخير ويستطيع أن يكون شيطاناً مارداً يفسق ويلحق الضرر بالناس ويسوقهم إلى المهالك والعصيان ويملأ الأرض ظلماً وطغياناً وفساداً.

ثم يستطيع أن يتأله فيكون كالإله العزيز الجبار المتكبر يجعل الناس يعظمونه ويقدسونه ويعبدونه، وعندما ننظر إلى تاريخ الإنسانية نجد أنماطاً من الناس من هذا النوع وذاك.

هنا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يعبر عن هذه الحقيقة عندما يقول: "إن للشيطان لَمَّة بابن آدم -في قلبه- وللمَلَك لَمَّة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم تلا

1- الشمس: 7.

2-

الشمس: 10.

ص: 193

قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} " 1.

وإذا كان هذا شأن الطبيعة الإنسانية فهل يصح بعد ذلك أن نقول كما قال بعض الفلاسفة- إنها طبيعة خيرة أو طبيعة شريرة على الإطلاق؟.

الحقيقة أنه ليس من الحق أن نصف هذه الطبيعة بالخير أو بالشر، ذلك أن ما أثبتنا فيها من دواع تعتبر استعدادات للقيام بتلك الأعمال التي أشرنا إليها أو أنها تعتبر قوى مختلفة للقيام بأعمال مختلفة، والقوة في حد ذاتها لا يصح وصفها بالخير أو بالشر مادام يمكن استخدامها في الخير والشر، شأنها شأن أي شيء يصلح استعماله في الخير والشر معاً، إذن الخيرية والشرية هنا الاستخدام والاستعمال، فإذا استعملتها في الخير تكون خيراً وإذا استعملتها في الشر تكون شريراً، وليس أي دافع من الدوافع التي ذكرناها يعتبر شراً حتى دافع التملك والتقاتل والجنس، ذلك أن الأول دافع إلى العمل للكسب والثاني وسيلة للدفاع عن الحق والثالث وسيلة لاستمرار النوع، أما الشر فيأتي نتيجة استخدامها في غير مواضعها ومن غير قيد أو شرط، والخير هو استعمالها في وجوهها التي خلقت من أجلها، والأخلاق السليمة أو الخيرة تدعو إلى استخدام هذه الدوافع الفطرية في وجهتها الطبيعية التي خلقت من أجلها أو تلك التي حددها الخالق كما عرفنا من قبل.

فالإسلام إذ يحدد هذه الوجوه الخيرة لاستخدام هذه الدوافع الفطرية بقيود وشروط معينة يدعو إلى تطبيق الفطرة، وهو لذلك دين الفطرة.

1 الجامع الصحيح للترمذي جـ 4 ص 288 -كتاب أبواب التفسير- حديث غريب لم يعرف مرفوعا إلا من هذا الوجه.

ص: 194

والآن نرى أنفسنا أمام موضوع هام وهو موضوع الفطرة، وفطرية الدين الإسلامي تعني أنه من صميم الطبيعة البشرية؛ ولأن هذا الموضوع شديد الصلة بالأخلاق. أرى من الواجب دراسته بشيء من التفصيل لنستطيع أن نحدد في هذه النقطة علاقة الطبيعة الإنسانية بالأخلاق عن طريق تحديد معاني الآيات والأحاديث الواردة في هذا الموضوع بالذات.

لقد بين الله تعالى أن الإسلام دين الفطرة فقال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 1.

وقبل تحديد معنى الفطرة في الآية، يجب تحديد معناها لدى علماء علم النفس: يتردد معنى الفطرة عندهم بين ثلاثة معانٍ: وهي الغريزة والدافع والميل2، فالغريزة عند "مكدوجل" هي استعداد نفسي عضوي فطرياً كان أم موروثاً يجعل صاحبه يتخذ موقفاً محدداً إيجابياً أو سلبياً إزاء موضوعات معينة بعد إدراكه لها مباشرة3، أما كلمة الدافع فلها معانٍ عدة لدى علم النفس، لكن يمكننا أن نعرفها تعريفاً عاملاً شاملا، على النحو الآتي: الدافع هو كل ما يدفع الإنسان إلى القيام بسلوك معين أو تغير معين في داخل الكائن الحي أو سلوكه إزاء مواقف معينة.

وسواء أكان هذا الدافع نابعاً من داخل الكائن الحي أم من بيئته، فهو بهذا المعنى يشمل كل الدوافع مثل: الحاجات والحوافز والرغبات والميول4.

وبناء على ذلك: الفطرة معناها الغريزة بالمعنى السابق أو الدافع الأولي أو

1 الروم: 30.

2 مجالات علم النفس. الدكتور مصطفى فهمي ص 10.

3 مقدمة لعلم النفس الاجتماعي. د. مصطفى سويف ص 197 طـ 2.

4 علم النفس التربوي. الدكتور أحمد زكي صالح ص 681، وانظر كذلك مقدمة لعلم النفس الاجتماعي للدكتور مصطفى سويف ص 15.

ص: 195

ميول طبيعية نحو أفعال معينة، ويمكن وضع ذلك في صيغة تجمعها وهي أن الفطرة بصفة عامة ميول طبيعية يولد الإنسان مزوداً بها، وتدفعه إلى اتخاذ مواقف إيجابية أو سلبية إزاء الأشياء، وفطرية التدين هو الميل الطبيعي لاتخاذ دين معين، أو هي كما عرفه الجرجاني في التعريفات "الجبلة المتهيئة لقبول الدين".

ولقد أثبت بعض علماء علم النفس والاجتماع فطرية التدين بالمعنى السابق، ومن بينهم "وليم مكدوجل" الذي عده من الغرائز التي حددها ووضع لها قائمة1.

وكما أثبت الدكتور "آلكسيس كارل" وجود الغريزة الدينية في طبيعة التكوين البيولوجي في الإنسان وأرجعها إلى إفراز الغدة الدرقية "النيروسكين" في الأوعية الدموية فإذا كفت الغدة عن صب ذلك الإفراز في الأوعية الدموية لم يعد هناك ذكاء أو حاسة شر أو حاسة جمال أو حاسة دينية2، إذن فطرية الدين لها جانب سيكولوجي وجانب بيولوجي معاً، وإذا كان الشعور الديني فطرة في الإنسان فالتدين سلوك فطري وعدم التدين انحراف عن الفطرة، وينبغي أن نشير هنا إلى نقطة مهمة وهي: أن الغرائز أو الدوافع الفطرية تتفاوت فيما بينها من إنسان إلى آخر من حيث القوة والضعف وقد تضعف أو تنمو بالممارسة أو الإهمال أو طغيان غريزة على أخرى3.

وبذلك قد لا يبقى لها أثر في سلوك الإنسان وإن كان لا يزول من الوجود تماماً ومن ثم يمكن أن يسلك الإنسان سلوكا مخالفاً لتلك الدوافع الفطرية لدوافع أخرى فطرية أو غير فطرية.

والدليل على وجود تلك العاطفة أو الفطرة الدينية في الإنسان مانراه في

1 المصدر السابق للدكتور مصطفى سويف ص 198.

2 تأملات في سلوك الإنسان ص 29.

3 المصدر السابق للدكتور مصطفى سويف ص 27 مبادئ علم النفس العام ص 45.

ص: 196

تاريخ الإنسانية عموماً منذ قديم الزمان إلى يومنا هذا. فما من أمة إلا وقد اتخذت لنفسها إلها أو آلهة وعبدتها وإن كانت باطلة، هنا يقول الفيلسوف "بسكال":"إن طبيعة الإنسان أن يؤمن فإذا لم تتقدم له أهداف صائبة سديدة ركز حولها إيمانه وحبه، تحول إلى عبادة أهداف خاطئة فاسدة"1.

أما ظهور بعض الثورات على هذه الظاهرة أو خروجها عليها، بقصد أو بغير قصد من بعض الشعوب أو من بعض الطوائف في فترة من فترات التاريخ فذلك ليس دليلاً أبداً على انعدام هذه الفطرة أو عدم وجودها في الإنسان مبدئياً، إن السبب في ذلك قد يكون فساد صورة التعبد الشائعة فيها أو بطلان المعبود عقلياً وعلمياً، وقد يكون السبب في فساد الجماعة الخارجة؛ لأن الإنسان قد يفرط أحياناً في جانب من حياته أو ينمي طبيعة معينة من طبائعه بكثرة الاهتمام بها فتؤدي هذه الحالة أو تلك إلى تناسي أو تجاهل الجانب الآخر من طبيعته وحياته الفطرية، ويقول هنا "سير رتشارد لفنجستون":"لقد جبل الإنسان على أن يهتدى بدين يرى في مبادئه الخلاص والاطمئنان، وإذا هجر الأوروبيون الدين اتخذوا لهم من دون الله أبطالاً وأنبياء"2.

ومن الممكن أن تكون ظاهرة اتخاذ المعبودات الباطلة دليلا من أدلة وجود هذه الفطرة الدافعة في الإنسان؛ لأنها قد دفعته إلى عبادة هذه المعبودات ولو كانت باطلة عند عدم وجود ما هو أصح منها وأحق بالعبادة في نظره وإلا فما الذي دفعه إلى عبادة الأحجار والأشجار والأبقار وغيرها، وهي كلها في الحقيقة لا تنفع شيئاً ولا تضر {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} 3، أنا

1 مجلة التربية الحديثة الصادرة من الجامعة الأمريكية مجلد 21 ص 154.

2 المرجع السابق.

3 الشعراء: 72 - 73.

ص: 197

لا أجد مبرراً إلا هذه القوة الدافعة التي دفعت هؤلاء إلى القول بأنه لا بد من أن يكون لهذا الكون خالق ينفع ويضر ويتصرف فيه حسب مشيئته، فهم تحت سطوة هذه القوة قد أضفوا على بعض الأشياء أو على كائن من الكائنات الصفة الإلهية لسبب من الأسباب اختلفت في تحديده مذاهب الباحثين عن نشأة الديانات1 مثل: المذهب الطبيعي الذي نشأ نتيجة الظواهر الطبيعية المثيرة التي أدت إلى الاعتقاد بوجود قدرة مدبرة وراءها ومذهب "ما قبل المادة الحية أو المانا أو مذهب المادة الحية الذي نشأ عن الاعتقاد بوجود قوة مسيطرة في العالم وتستمد الأحياء روحها منها" ثم الروحية التي تعتقد بوجود عالم أرواح لا بد من ترضيتها بالقرابين ليكون الإنسان بعيداً من غضبها ويأمن من شرها، ثم التوتمية التي نشأت نتيجة تمجيد الإنسان لبعض المخلوقات2، وإذا كان كل مذهب من هذه المذاهب يدعي أن أمراً من تلك الأمور هو السبب الأول في نشأتها فإنه في نظري يمكن أن يعتبر ذلك تفسيراً لنشأة تلك العبادات الباطلة عن تلك الدافعية الفطرية في ظروف وملابسات خاصة.

والدليل على صحة ما ذهب إليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء" 3، وقال أيضاً راويا عن ربه: "إني خلقت عبادي حنفاء

1 يقول تيلور: "إن الخير المحض "الله" لم يدع قلوبنا غفلاً من آية تدل عليه من أجل ذلك نشعر بالافتقار إلى مصدر ما نتلمس عبادته".

2 مبادئ علم الاجتماع الديني 215. روجيه باستيد، ت. د. محمود قاسم، انظر كذلك الاجتماع الديني. أحمد الخشاب، 101.

3 صحيح مسلم جـ 4: كتاب القدر 46 باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، ومعنى جمعاء أي: مجمعة الأعضاء، وجدعاء أي: مقطوعة الأذن أو الأعضاء.

ص: 198

كلهم وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما حللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً"1، وقال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} 2.

تلك هي الأدلة على وجود فطرة أو غريزة دينية في الطبيعة الإنسانية وأولى بنا أن نفسر تلك الفطرة في ضوء النصوص السابقة بأنها استعداد أو قوة دافعة لمعرفة الخالق وتقديسه وللتمييز بين ما هو خير وما هو شر من السلوك، ثم إن ما جاء به الإسلام من المبادئ تتلاءم مع هذه الفطرة؛ ولذا فإذا كان الإسلام يدعو الناس إلى تطبيق مبادئه فإنه إنما يدعو بذلك إلى تطبيق ما فطروا عليه أو ما خلق في طبيعتهم من دافع إليها.

وينتج عن هذا التفسير الأمور الآتية:

1-

إنه لا ينبغي أن يفهم من فطرية الإسلام انطباع جميع قواعده وأحكامه في طبيعة الإنسان؛ لأن الأمر لو كان كذلك لأفادت أن المعرفة بالدين أمر يولد الإنسان مزوداً بها، وهذا فهم يخالف صريح الآية3، مفادها أن الإنسان عند الولادة لا يعلم أي شيء، حتى النبي قبل البعثة ما كان يدري ما الكتاب ولا الإيمان، صحيح كان يتعبد في غار حراء قبل البعثة كان ذلك بدافع فطرية الدين وبما بقي في القوم من آثار دين إبراهيم.

1 التاج جـ 5، كتاب البر والأخلاق ص 77.

2 الأعراف: 172-173.

3 انظر سورة النحل آية: 9.

ص: 199

وهذا يؤكد ما قال "الجرجاني" في تعريف الفطرة بأنها: الجبلة المتهيئة لقبول الدين، وهذه الجبلة تقبل التوجيه إلى أي دين.

وبناء على هذه الفكرة فالإشهاد في الآية السابقة لم يحصل بالفعل بمعنى الإشهاد الحسي الذي نعرفه وإنما حصل بالقوة، إذ إن وضع الله في الإنسان تلك الدافعية لتأليهه واعترافه بالربوبية يعتبر بمنزلة الإشهاد الحسي وإلا لحصل التناقض بين هذه الآية وبين قوله تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً} 1، ولأدى الأمر إلى مسئولية الأطفال وخاصة أطفال الكفار عن الإيمان بالله وعن الإسلام أيضاً، ثم إن الإسلام لو كانت متطبعاً في الإنسان لعرف الناس الإسلام في جميع البقاع، والواقع خلاف ذلك، والدليل على ذلك أيضاً أن الإسلام لم يجعل الأطفال والناس الذين لم تبلغ إليهم دعوة الإسلام مسئولين عنه، فقال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} 2.

من هذا كله نضطر إلى تفسير فطرة الإسلام في الطبيعة البشرية بالقوة؛ لأن القوة يمكن أن تظهر بالفعل في صور مختلفة، فمثلاً القوة المدركة المخلوقة للاعتراف بوجود إله في الكون من غير تحديد الذات الإلهية في صورة مشخصة مع صفاتها الكاملة قد يؤدي إلى أن يصوره الإنسان في أشياء معينة أو يضفي عليه صفات معينة وكذلك قد يخلق صوراً معينة من العبادات لله وهذا ما حصل بالفعل، ومن هنا كان إرسال الرسل ضرورياً لتعريف الناس الله بصفاته الكاملة وتحديد صورة العبادة وصورة نظام الحياة عموماً بناء على روح هذا الدين، فلو لم يأت الرسول ولم يحدد أركان العبادات وشروطها وطريقة أدائها بجميع هيئاتها

1 النحل: 78.

2 الإسراء: 15.

ص: 200

فهل كان من الممكن أن يحددها الناس أو يعثروا عليها عن طريق البحث العقلي، وكيف يعرف الإنسان أن صلاة المغرب مثلا ثلاث ركعات فرضاً وركعتان سنة؟ وأن صلاة الصبح ركعتان فرضا؟ وهكذا تحديد الصلوات في الأوقات الخمسة. نعم إن مجرد الاعتراف بوجود خالق لهذا الكون موجود في الإنسان كقوة معقول جداً؛ ولهذا قال الله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 1، من هنا نبه الله المشركين إلى أن انحراف آبائهم لا يبرر مسلكهم؛ لأنهم ينبغي أن يتفكروا بفطرتهم السليمة المخلوقة فيهم بعيداً عن التقليد وتمويهات آبائهم.

2-

إن هذه الفطرة ليست خاصة بمعرفة الله وتوحيده فحسب، وإنما هي متعلقة بالإسلام عموماً باعتباره معياراً جاء ليبين للناس ما هو خير وما هو شر.

والإنسان فيه استعداد وقوة لتمييز الخير من الشر، فمن هنا نجد الملاءمة والمساندة والتعاون على الاستقامة في السلوك بين ما في الطبيعة الإنسانية وبين ما جاء به الإسلام.

وهذا الجانب من الفطرة الدينية في الإسلام استوحيناه من النصوص السابقة، ومما سنورده في الفصل الخاص بالمعايير الأخلاقية سنذكر هناك بعض النصوص نثبت بها وجود قوة فطرية في الإنسان أودعها الله فيه ليميز بها بين الخير والشر أو بين الطيب والخبيث، منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "استفت نفسك، البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن

1 العنكبوت: 61.

ص: 201