الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بهذه الأخلاق.
كل هذه الأمور هي التي تضفي على الأخلاق الإسلامية قدرة على مسايرة تطور الحياة الإنسانية في أزمانها وأشكالها المختلفة.
وقد يعترض هنا بأن هناك مشكلات في حياتنا المعاصرة لا نستطيع إخضاعها للأخلاق الإسلامية، الحقيقة إن هذه المشكلات يمكن إخضاعها لهذه الأخلاق من حيث طبيعتها ولكن الصعوبة آتية من حيث إنها وجدت في نظام لم يقم أصلا على أسس هذه الأخلاق.
8-
الأخلاق الإسلامية أكمل وأصلح أخلاق للحياة الإنسانية
لا يرجع هذا التكامل وتلك الصلاحية للأخلاق الإسلامية إلى قدرتها على مسايرة تطور الحياة فحسب، بل إنها قد بلغت من التكامل والصلاحية حدا مثاليا، ذلك أنها تحتضن جميع الفضائل الإنسانية والأعمال الخيرة لصالح الفرد والمجتمع. وتنفر عن جميع الرذائل والشرور ثم إنها لا تكتفي بمجرد تبصير طريق الخير وطريق الشر للإنسان بل تستخدم جميع وسائل الإلزام باتباع طريق الخير، وتستخدم جميع الوسائل لإبعاد الإنسان عن طريق الشر، ليس ما نقوله مجرد ادعاء بل هو حقيقة عبرنا عن بعض جوانبها الموضوعية خلال الفصول السابقة، كما أنها تحارب العنصرية التي تمزق الكيان الاجتماعي البشري.
فقد وجدنا في ميدان احترام الإنسان كيف أن هذه الأخلاق تجعل لكل إنسان كرامة بصرف النظر عن لونه وجنسه واتجاهاته الخاصة، وبناء على ذلك
تدعو إلى احترام جميع الحقوق الطبيعية للإنسان، بل أكثر من هذا فإنها تدعو إلى تحقيق تلك الحقوق للناس أو تيسير السبل إلى ذلك لمن يعجز عن الوصول إليها، ومن ثم يعد من يخدم الناس خير الناس، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"خير الناس أنفعهم للناس" 1، كما تدعو إلى المحبة والمودة والإخاء والمساواة بين الناس.
وفي ميدان المعاملة تدعو إلى احترام العقود وأداء الأمانة والنزاهة والصدق في القول، وتنهى عن الاستغلال والمماطلة والغش والكذب والخداع والخيانة.. وما إلى ذلك من الصفات الذميمة.
وفي ميدان السياسة والحكم، تدعو هذه الأخلاق الكريمة إلى احترام العهود والمواثيق المبرمة وإلى الحكم بالعدل والمساواة والعمل من أجل رفع مستوى الأمة،
وتنهى عن الغدر والمحاباة والمفاجأة بالعدوان والتسلط والتجبر وما إلى ذلك من الصفات القبيحة، وفي ميدان الاقتصاد تدعو إلى العمل الجاد والإتقان والإبداع والابتكار من ناحية، ثم التقشف والقناعة وعدم التبذير والإسراف من ناحية أخرى.
وفي ميدان العلم تدعو إلى التعلم والتعليم والتربية واستخدام العلم في خدمة الإنسانية. كما تنفر عن الجهل وعن عدم العمل بالعلم أو بمقتضى العلم.
وهكذا كان الإسلام دين الحق والهدى وجاء بأكمل الأخلاق وأصلحها وأهداها ليظهر بذلك على الأديان والفلسفات الأخرى وكان ذلك نعمة من الله على هذه الأمة بل على الإنسانية كلها. وصدق الله العظيم إذ قال: {هُوَ الَّذِي
1 الجامع الصغير جـ 2 ص9.
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} 1، وقال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 2.
وبعد.. فهذا ما استطعت تقديمه في هذا البحث ولست أدعي أن ما قدمته هو كل ما في الأخلاق الإسلامية بل أصرح وأقول: إن ما قدمته ليس إلا جانبا واحدا منها وهو الجانب الأساسي فقط في صورة موجزة مركزة أساسا على بيان خط علم الأخلاق الإسلامية وأهمية هذا العلم، وما عرضت في هذا السبيل من المبادئ والصور العملية للأخلاق الإسلامية إن هي إلا أمثلة لتوضيح الفكرة والاستدلال على صدق الدعوى، لا تمثل أو لا تصور هيكل الأخلاق الإسلامية من جميع أبعادها، وإن كنت أحاول باستمرار إعطاء أمثلة والاستدلال من جوانب الأخلاق الإسلامية المختلفة لمحاولة إبراز الجوانب القيمة المتميزة لعلم الأخلاق الإسلامية.
أما بالنسبة إلى الأخلاق الإسلامية عموما فأعتبر هذه الدراسة الأساس العلمي لدراسات واسعة النطاق، ذلك أن هناك جوانب كبيرة وهامة لا بد من أن تدرس دراسة جادة على أساس المنهج الذي عرضته في المقدمة، من تلك الجوانب: الجانب النظامي والجانب التربوي، ثم مقارنة هذه الجوانب بأخلاق الديانات والفلسفات الأخرى.
وكل هذه الدراسات جديرة بالبحث ذلك أن الأخلاق في نظري من أهم الدراسات اللازمة لحياة الإنسان العملية.
1 الفتح: 28.
2 المائدة: 3.
ولهذا ينبغي أن تسترعي هذه النقطة نظر الباحثين والمسئولين عن الإصلاح الاجتماعي، ثم الإداريين والتربويين على حد سواء لإعطاء الاهتمام الأكبر لهذه الدراسات عن طريق تجنيد الكفاءات العالية لبذل أقصى الجهود الممكنة لإعطاء هذه الدراسات حقها من الدراسة والبحث إذ إنها تعد قوام حياتنا الفردية والاجتماعية وأساس التقدم الاجتماعي والحضاري، فلا معنى للحياة الإنسانية بدون الأخلاق، بل لا يمكن التقدم في الحياة الباطنية والظاهرية والمادية والمعنوية.
وإني لأرجو من الله أن أكون قد وفقت في هذه الدراسة وما قدمت فيها من أراء، وأن يوفقني فيما أنوي القيام به من دراسات في المستقبل أكثر عمقا ونضجا في تلك الموضوعات التي تحتاج إلى الدراسة والبحث المتواصلين، كما أرجو أن يوفق المسئولين والباحثين الآخرين إلى الاهتمام بتلك الحقائق واتخاذ التدابير اللازمة التي تتناسب معها.