المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المعايير الأخلاقية الموضوعية: - علم الأخلاق الإسلامية

[مقداد يالجن]

فهرس الكتاب

- ‌مِقْداد يالجن

- ‌الفكر التربوي عند مقداد يالجن

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة عامة للموسوعة

- ‌مدخل

- ‌أهداف تعليم الأخلاق

- ‌مدخل

- ‌ أهمية الأخلاق:

- ‌التربية الأخلاقية

- ‌أهمية التربية الأخلاقية:

- ‌أهمية النظام الأخلاقي الإسلامي

- ‌المنهج وتطبيقه

- ‌مدخل

- ‌ أن تكون البداية من الإسلام

- ‌ أن نفهم موضوعات الفلسفة الإسلامية بالفلسفة الإسلامية نفسها، وتحقيق هذه النقطة يتطلب ثلاثة أمور:

- ‌ أن نحدد موقفنا من دراسات السابقين باتخاذها وسيلة من وسائل الفهم والتقويم

- ‌ أن يكون هدفنا الأساسي هو معالجة المشكلات الفلسفية المتصلة بحياتنا الراهنة

- ‌أن نميز السنة التشريعة من السنة غير التشريعة عند معالجتنا

- ‌ التحقق من صدق النصوص الإسلامية التي نعتمد عليها في تقرير الأفكار

- ‌التطبيق

- ‌الباب الأول: علم الأخلاق الإسلامية مفهومة، غايته، مجالاته، مدى ضرورته في نظر الإسلام

- ‌الفصل الأول: تحديد مفهوم علم الأخلاق الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌تحديد مفهوم كلمة العلم

- ‌مدخل

- ‌أقسام العلوم وموقع علم الأخلاق منها

- ‌ مفهوم كلمة الأخلاق

- ‌ مفهوم علم الأخلاق الإسلامية:

- ‌الفصل الثاني: غاية الأخلاق

- ‌الاتجاهات العامة في غاية الأخلاق

- ‌مدخل

- ‌ الاتجاه الروحي:

- ‌ الاتجاه العقلي

- ‌ الاتجاه المادي:

- ‌ اتجاه الإسلام في غاية الأخلاق:

- ‌الفصل الثالث: مجالات الأخلاق

- ‌مدخل

- ‌ الاتجاهات العامة في مجالات الأخلاق:

- ‌ مجالات الأخلاق في الإسلام:

- ‌الفصل الرابع: مدى ضرورة الأخلاق للحياة الإنسانية

- ‌مدخل

- ‌ مدى علمية الأخلاق

- ‌مكانة الأخلاق وأهميتها لدى العلماء

- ‌ مدى ضرورة الأخلاق ومكانتها في نظر الإسلام:

- ‌الباب الثاني: أسس الأخلاق في نظر الإسلام

- ‌الفصل الأول: الأساس الغيبي والاعتقادي

- ‌أركان الأساس الاعتقادي

- ‌الركن الأول

- ‌الركن الثاني

- ‌ الركن الثالث:

- ‌ أهمية الأساس الاعتقادي

- ‌الفصل الثاني: الأساس الواقعي والعلمي

- ‌أساس الاعتدال بين الواقعية والمثالية

- ‌ مراعاة قوانين الطبيعة والحياة:

- ‌الفصل الثالث: مراعاة الطبيعة الإنسانية

- ‌مدخل

- ‌ رأي العلماء في الطبيعة الإنسانية:

- ‌رأي الإسلام في الطبيعة الإنسانية

- ‌مدخل

- ‌بطلان نظرية داروين علميا:

- ‌ صلة الطبيعة الإنسانية بالأخلاق

- ‌الفصل الرابع: الاعتداد بالحرية الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌الاتجاهات الفكرية والفلسفية في حرية الإنسان

- ‌الاتجاه الجبري

- ‌ اتجاه حرية الإرادة:

- ‌ اتجاه الوسط بين الاتجاهين السابقين:

- ‌رأي الإسلام في حرية الإنسان والحرية الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌الدرجة الأولى جبرية مطلقة:

- ‌الدرجة الثانية جبرية طبيعية:

- ‌الدرجة الثالثة جبرية القوانين الأخلاقية

- ‌خلاصة الدراسة:

- ‌الفصل الخامس: تقرير مبدأ الإلزام والالتزام الأخلاقي

- ‌مدخل

- ‌ الاتجاهات المختلفة في الإلزام الأخلاقي:

- ‌ رأي الإسلام في الإلزام الأخلاقي:

- ‌ مجالات الالتزام الأخلاقي ودرجاته:

- ‌خصائص الالزام الأخلاقي في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ الإلزام بقدر الاستطاعة:

- ‌ سهولة التطبيق:

- ‌ مراعاة الحالات الاستثنائية:

- ‌ قوة الإلزام:

- ‌الفصل السادس: تأكيد المسئولية الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌ تحديد مفهوم المسئولية الأخلاقية

- ‌ مجال المسئولية وأقسامها وأبعادها

- ‌ أبعاد قياس المسئولية الأخلاقية:

- ‌ أقسام المسئولية بحسب جزاءاتها:

- ‌الفصل السابع: إثبات الجزاء الأخلاقي

- ‌مدخل

- ‌أنواع الجزاء الأخلاقي في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ الجزاء الإلهي:

- ‌ الجزاء الوجداني:

- ‌ الجزاء الطبيعي:

- ‌ الجزاء الاجتماعي:

- ‌ خصائص الجزاءات الأخلاقية الإسلامية

- ‌الباب الثالث: القيم الأخلاقية ومعاييرها في الإسلام

- ‌الفصل الأول: المعايير الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌الاتجاهات الفكرية في المعايير الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌الاتجاه الأول: الاتجاه الخارجي:

- ‌الاتجاه الثاني: الاتجاه الداخلي الباطني:

- ‌المعايير الأخلاقية في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ المعايير الأخلاقية الموضوعية:

- ‌ المعايير الأخلاقية الذاتية أو الداخلية:

- ‌وجهة نظر الإسلام:

- ‌ خلاصة المعايير الأخلاقية الإسلامية

- ‌الفصل الثاني: حقيقة القيم الأخلاقية

- ‌مدخل

- ‌تحديد القيمة الأخلاقية خارج إطار الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ الاتجاه الطبيعي:

- ‌ اتجاه الطبيعة النفسية الفاعلة:

- ‌ الاتجاه العقلي أو فاعلية الفكر الفردي:

- ‌ الاتجاه الواقعي:

- ‌ اشتراك الذات الفاعلة مع الواقع الراهن

- ‌تصنيف القيم:

- ‌ تحديد القيمة الأخلاقية في إطار الإسلام:

- ‌أهمية القيم الأخلاقية في الحياة العملية

- ‌الأولى: المعرفة والإبداع والاختراع وإتقان العمل

- ‌الثانية: توجيه الذات الإنسانية وتوحيدها:

- ‌الثالثة: اكتساب تنمية القيمة الإنسانية:

- ‌الرابعة: القيمة المادية:

- ‌الخامسة: القيمة المعنوية:

- ‌الفصل الثالث: القيم الأخلاقية بين الفرد والمجتمع

- ‌أهم الاتجاهات الفلسفية والاجتماعية في الموضوع

- ‌ اتجاه الإسلام في الموضوع:

- ‌أنواع الأخلاقيات في إطار الأخلاق الإسلامية

- ‌النوع الأول: ينزع منزعاً فردياً

- ‌النوع الثاني: ينزع منزعا اجتماعيا:

- ‌النوع الثالث: أخلاقيات الحاكم المسلم

- ‌خاتمة أهم النتائج والتوصيات

- ‌مدخل

- ‌ أهم النتائج:

- ‌ توسيع الإسلام نطاق مفهوم الأخلاق وميدان العمل بها

- ‌ أصالة الأسس التي أقام عليها الإسلام نظامه الأخلاقي:

- ‌ وضع الإسلام معايير متعددة لقياس الأخلاق ولبيان قيمتها:

- ‌ تقويم الإسلام للأخلاق تقويما متكاملا

- ‌ الاتجاه الأخلاقي في الإسلام يجمع وينسق بين الفردية والاجتماعية:

- ‌ التقاء التفكير الأخلاقي والديني في الاتجاه الإسلامي:

- ‌ قدرة الأخلاق الإسلامية على مسايرة تطور الحياة وأشكالها المختلفة

- ‌ الأخلاق الإسلامية أكمل وأصلح أخلاق للحياة الإنسانية

- ‌أهم التوصيات

- ‌مدخل

- ‌ التوصيات الموجهة إلى الأسرة:

- ‌ التوصيات الموجهة إلى الإعلام:

- ‌التوصيات الموجهة إلى المدرسة

- ‌مدخل

- ‌الأهداف العامة لتعليم علم الأخلاق:

- ‌ التوصيات الموجهة إلى مراكز البحوث:

- ‌مصادر ومراجع الكتاب

- ‌الفهارس

- ‌فهرس أطراف الحديث

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌ المعايير الأخلاقية الموضوعية:

‌المعايير الأخلاقية في الإسلام

‌مدخل

ثانيا: المعايير الأخلاقية في الإسلام

لا بد من دراسة تفصيلية لرأي الإسلام في هذا الموضوع حتى نحدده تحديدا كاملا. وإذا بحثنا عن المعايير الأخلاقية في الإسلام وجدنا أنه قد وضع عدة معايير لا معيار واحدا، وهي بوجه عام تنقسم إلى قسمين: المعايير الموضوعية الخارجية والمعايير الذاتية الداخلية.

ص: 297

أ-‌

‌ المعايير الأخلاقية الموضوعية:

وهي عبارة عن تلك المبادئ الأخلاقية التي جاء بها الإسلام والتي تحدد بصفة عامة إرادة الله فيما ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان في هذه الحياة سواء كان هذا السلوك متعلقا بصلته مع الغير أو بالنفس،وهذه المبادئ متمثلة في القرآن والسنة بصورة قانونية أو تشريعية، وعلى هذا الأساس يعد كلاهما معيارا وضعيا واحدا، ولقد وضع الله هذا المعيار أمام الإنسان ليكون منارا لطريق السعادة يميز به بين الخير والشر في السلوك وبين الحق والباطل في الرأي والهدى من الضلال، والنور من الظلام في هذه الحياة {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِين} {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} 2، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله"3.

غير أن تحديد الإسلام لسلوك الإنسان لم يكن على مستوى واحد في مختلف الميادين، فهناك مجال قد حدد فيه السلوك بدقة من حركات وسكنات وذلك فيما يتصل بتحديد علاقة الإنسان بربه ولهذا جاءت صورة العبادات مرسومة بطريق لم يبق فيها مجال للاجتهاد أو إعمال العقل والفكر؛ لأنه مجال

1 المائدة: 15.

2 إبراهيم: 1.

3 التاج: جـ1 ص47.

ص: 297

طاعة الله وعبادته، فهو حدد صورة عبادته وطريقة تقديسه بالطريقة التي أراد أن يعبد ويقدس بها. ولست أدعي هنا أن العبادات لا تخضع لمنطق العقل بصورة عامة ولكني أدعي أنها لا تخضع لهذا المنطق في تفصيلاتها العملية والزمانية، وإذا كان هناك مجال لتدخل الإنسان هنا فهو في مجال النية ودرجة الإخلاص في هذه العباة أو تلك.

وقد ذهب الغزالي وابن عربي قريبا من هذا في هذه النقطة. فيقول الغزالي في صدد بيان مجال العقل: "فإن العقلاء بأجمعهم معترفون بأن العقل لا يهتدي إلى ما بعد الموت، ولا يرشد إلى وجه ضرر المعاصي ونفع الطاعات ولا سيما على سبيل التفصيل والتحديد كما وردت به الشرائع، بل أقروا بجملتهم أن ذلك لا يدرك إلا بنور النبوة وهي قوة وراء العقل يدرك بها أمور لا عن طريق التعرف بالأسباب العقلية"، ولهذا يعود فيقول:"ولقد تحامق وتجاهل جدا من أراد أن يستنبط بطريق العقل لها حكمة. أو ظن أنها ذكرت على الاتفاق لا عن سر إلهي فيها"1، ويقول ابن عربي:"إن كل عمل لا يظهر له الشارع من وجهته تعليلا فهو تعبد، فتكون العبادة في كل عمل غير معلل أظهر منها في العمل المعلل فإن العمل إذا علل ربما أقام العبد إليه حكمة تلك العلة وإذا لم يعلل لا يقيمه إلى ذلك العمل إلا العبادة المحضة".

وهناك مجال آخر أقل تحديدا من المجال السابق وهو مجال التعامل الاجتماعي، فليس هنا تحديد زمني وحركي للسلوك كالأول، وكما أنه ليس

1 دراسات في الفلسفة الإسلامية للدكتور محمود قاسم ط 3 ص 80-81 "الرأي منقول عن المقصد الأسنى".

2 المرجع نفسه نص من الفتوحات المكية جـ3 ص537.

ص: 298

هناك سلوك غير خاضع لمنطق العقل، بل نجد قواعد عامة كمعايير عامة في التعامل الاجتماعي وفيما يلي أهمها:

1-

مقتضى الإيمان بالله بأن يضع الإنسان نفسه موضع غيره عند التعامل معه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" 1، وقد ربط الإسلام بين العقيدة والأخلاق ربطا لا انفصام له.

2-

الإخلاص: يجب الإخلاص لوجه الله عند العمل ومعاملة الغير؛ لأن الله يجازي على عمله بمقدار إخلاصه له، ويجب أن يشعر في معاملته للناس أن يعامل الله؛ لأنه مطالب من قبله وأن ينتظر جزاء عمله منه لا من غيره. هذه النقطة ذات أهمية كبرى في التعامل الاجتماعي؛ لأن انتظار الجزاء من الناس على حسن المعاملة يعد صفقة تجارية؛ ولهذا فإن بعض الناس يكفرون بالمعاملة الطيبة إذا لم يحصلوا على نظير لها أو لم يأخذوا مقابلها. وقد دعا الإسلام إلى الإخلاص لله في المعاملة لا الجزاء والشكر، وما دام الله هو الذي يجازيهم على إحسانهم، وقد ضرب الله مثلا للعمل المخلص الذي ينبغي أن يكون نموذجا ومثالا على عمل بعض المخلصين فقال:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً، إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً، وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} 2.

1 فتح الباري جـ1 ص63.

2 الإنسان: 8-12.

ص: 299

ولقد وعد الله الذين يعملون الصالحات مخلصين له في صالح أعمالهم يكافئهم ويجازيهم لا في الآخرة فقط بل في الدنيا أيضا فقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 1. {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} 2.

3-

الصدق في القول والعمل: وهو مطابقة التعبير للحقيقة أيا كان لون التعبير بالقول أو بالفعل أو بالإشارة أو بالكتابة وما إلى ذلك فإذا كان التعبير عن الذات وجب أن يكون مطابقا لما يدور في النفس وإن كان التعبير عن أمر خارجي وجب أن يكون مطابقا له دون زيادة أو نقصان.

لأن المبالغة زيادة والزيادة كذب والنقصان إجحاف وبخس، وهو كذب أيضا، والصدق وسيلة النجاح في الحياة الفردية والاجتماعية، لذا قال الرسول- صلى الله عليه وسلم:"تحروا الصدق وإن رأيتم فيه الهلكة فإن فيه النجاة واجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة فإن فيه الهلكة"3. كما أن الكذب يؤدي إلى الفجور والهلاك في الدنيا فإنه يؤدي أيضا إلى النار في الآخرة، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا" 4، وقال أيضا: "دع ما يريبك إلى

1 النحل: 97.

2 الليل: 5-10.

3 جامع الصغير جـ1 ص126.

4 هداية الباري إلى ترتيب صحيح البخاري جـ1 ص168.

ص: 300

ما لا يربيك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة" 1.

4-

المحافظة على العهود والأمانات والوفاء بالوعد:

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} 2، وقال أيضا:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} 3، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم" 4، وقال تعالى:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} 5.

5-

الأمر بالخير وهو المعروف والنهي عن الشر وهو المنكر: هذا المبدأ من أهم المبادئ في الأخلاق الإسلامية كما بيناه في موضوع المسئولية الأخلاقية، ويكفي هنا أن نشير إلى حديث سبق أن شبه فيه الرسول الحياة الاجتماعية بحياة الجماعة في السفينة بالبحر وعمل المنكر بخرق بعض الناس السفينة فإن أخذ على أيديهم نجوا جميعا وإلا هلكوا جميعا.

6-

السعي للتسامي والحصول على أشرف الأمور وأعلاها. لا للتكبر ولا للتعالي على الناس ولكن للوصول إلى حياة كريمة فاضلة عزيزة ولهذا قال الرسول: "إن الله تعالى يحب لكم معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها" 6، وقال:"اليد العليا خير من اليد السفلى" 7، وقال:"لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه" 8، وبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أعلى

1 المرجع السابق، رياض الصالحين ص39.

2 النساء: 58.

3 الإسراء: 34.

4 رياض الصالحين، ص106.

5 البقرة: 283.

6 الجامع الصغير جـ1 ص75.

7 رياض الصالحين، باب الكرم والجود والإنفاق ص245. فتح الباري جـ14 ص 36. كتاب الرقاق.

8 رياض الصالحين ص 244. وجاء في صحيح مسلم بلفظ آخر جـ2 ص 721.

ص: 301

المنازل في حياة المرء أن يكون صاحب مال ينفقه في سبيل الخير وصاحب علم يقضي به بين الناس ويعلمهم فقال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها"1.

وهذه كلها تؤدي إلى التقدم في الحياة الاجتماعية.

7-

التعاون على الخير وعدم التعاون على الشر:

قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} 2.

8-

المساواة والعدالة: إن الإسلام ينظر إلى الناس نظرة مساواة من حيث أصل الخلقة فليس هناك جنس يفضل على جنس آخر في الخلقة بل إن الناس يتساوون في الكرامة من حيث إنهم جميعا بنوا آدم. ولهذا قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} 3، وإذا كان هناك تفاضل فيما بينهم فإنما هو يرجع في الأصل إلى الأعمال الفاضلة التي يكتسبونها بجهودهم المشرفة؛ ولهذا قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 4، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان" 5، وقال أيضا لأبي ذر:"انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله"6.

1 المرجع نفسه ص 245.

2 المائدة: 2.

3 الإسراء: 70.

4 الحجرات: 13.

5 تفسير ابن كثير رواية أحمد جـ4 ص 217 "الجعل حشرة في الماء".

6 تفسير ابن كثير رواية حذيفة جـ4 ص 217.

ص: 302

وهذه المساواة تقتضي العدالة في المعاملة، فلا ينبغي أن يرجح فرد على آخر في التكريم والتقدير وفي الوظائف على أساس الجنس أو اللون بل على أساس الاستحقاق بالأعمال الفاضلة والكفاءات المكتسبة.

والعدالة هي إعطاء كل ذي حق حقه الطبيعي والكسبي.

قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ} {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} 3.

9-

التسابق والمسارعة إلى الخيرات والفضيلة ومقابلة الإساءة بالإحسان:

إن الإسلام لا يأمر بأداء الحقوق والواجبات فقط بل يدعو أيضا إلى التسابق إلى أعمال الخيرات والفضائل المختلفة من التعاون والإحسان والإنفاق والمواساة وما إلى ذلك من الفضائل، ولهذا قال تعالى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات} 4، وقال أيضا:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} ، {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} 6، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"على كل مسلم صدقة، قال: أرأيت إن لم يجد، قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قال: أرأيت إن لم يستطع، قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل، قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة" 7، وفي رواية "تعدل بين

1 المائدة: 8.

2 النساء: 58.

3 النحل: 90.

4 البقرة: 148.

5 فضلت: 34.

6 البقرة: 237، 178، 219.

7 رياض الصالحين، باب بيان كثرة طرق الخير ص 77.

ص: 303

الاثنين والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة" 1.

10-

إتقان الأعمال كما ينبغي ويجب: وهذا المبدأ لا ترجع أهميته فقط إلى التعامل الاجتماعي بل ترجع إلى التقدم العلمي والحضاري فلا تنتظم أمور الجماعة إلا بإتقان كل واحد عمله كما ينبغي، ولا تتقدم الحضارة والعلم إلا إذا بذل العلماء والعاملون في مختلف الميادين أقصى جهدهم لإتقان أعمالهم، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"يحب الله العامل إذا عمل أن يحسن" 2، وقد اعتبر الإسلام الإتقان من الإحسان حتى في العبادة، فقال الرسول عندما سئل ما الإحسان فقال:"أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" 3، وهذا المبدأ يتطلب من كل إنسان أن يقوم نفسه بعد العمل من حيث إنه هل قام بالواجب كما ينبغي؟ ويجب إذا وجد قصورا عليه إكماله.

11-

الاعتدال والتوسط في الأمور التي يقبل الإفراد والتفريط لذا قال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} 4، إن الاعتدال يساعد على الاستمرار في العمل.

12-

اتباع السلوك الخير وتجنب السلوك الشر وهذا هو أهم معيار جامع مانع للسلوك الأخلاقي في نظر الإسلام وأصدق دليل على ذلك قوله تعالى: {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} 5.

1 رياض الصالحين، المرجع نفسه ص 71.

2 الجامع الصغير جـ2 ص205 "حرف الياءِ" وجاء في كشف الخفاء أن يتقن جـ1 ص285.

3 البخاري جـ1، باب سؤال جبريل عن الإيمان والإحسان ص128.

4 الأعراف: 31، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} الفرقان: 67، وقال أيضا:{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} الإسراء: 29.

5 آل عمران: 114.

ص: 304

والآن إذا دققنا النظر في هذه القواعد السلوكية وجدنا فيها موجهات عامة توجه الفرد في داخل الإطار الاجتماعي توجيها معينا لا تقيد حركات الأفراد وصورة أفعالهم لا من حيث الكيف ولكنها تقيده بتوجيه أخلاقي عام من حيث عدم الإضرار بالغير والعمل من أجل الغير بروح الإخلاص والمحبة والإسراع إلى الخيرات والتسابق فيها، وترك الشرور بجميع أشكالها وألوانها.

ثم هناك ميدان آخر تكون فيه حرية السلوك أكثر وضوحا من الميدان الاجتماعي وهو ميدان العمل للمكاسب الشخصية كالبحث العلمي والعمل الزراعي وما أشبه ذلك فهو مقيد هنا بقاعدتين فحسب: قاعدة عدم الكسب عن طريق ارتكاب المحرمات وقاعدة عدم الإضرار بالغير.

إذًا يمكننا أن نقسم هذا المعيار الخارجي من هذه الناحية إلى ثلاثة فروع:

الأول معيار التخلق مع الله، والثاني معيار التخلق مع الناس، والثالث معيار التخلق في ميدان العمل في الطبيعة عموما، ويدخل في هذا التخلق مع الكائنات الأخرى بصفة عامة. من هذا يتبين لنا أن هناك مجالات واسعة أطلق الإسلام فيها حرية السلوك والتصرف داخل إطار مفهوم كلمة "ينبغي" ولكن مفهوم "ينبغي" واسع في بعض المجالات وضيق في بعض المجالات الأخرى، فمن هنا نحتاج إلى معيار آخر يساعدنا على معرفة أخلاقية كل سلوك وكل حركة من سلوكنا. ومن جهة أخرى، فإن السلوك الخاضع للصور الأخلاقية الخارجية لا يعد سلوكا أخلاقيا بمعنى الكلمة ما لم يخضع للمعيار الأخلاقي الداخلي.

ص: 305