الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فردية واجتماعية معا، وذلك بصرف النظر عن سمته الغالبة وعما يتراءى للناس من مظهره الخارجي.
لكن هل النظام الأخلاقي في الإسلام يراعي مصلحة الفرد أو مصلحة الجماعة من الناحية التشريعية؟ ليس من الممكن أن نؤكد بصفة عامة أنها أخلاق فردية فحسب أو أخلاق اجتماعية.
أنواع الأخلاقيات في إطار الأخلاق الإسلامية
النوع الأول: ينزع منزعاً فردياً
…
ثالثا: أنواع الأخلاقيات في إطار الأخلاق الإسلامية:
نستطيع أن نفرق بين ثلاثة أنواع متميزة من الأخلاق في هذا المجال في إطار أخلاقي في الإسلام.
النوع الأول: ينزع منزعا فرديا:
رأينا أن السلوك لا يوصف بأنه أخلاقي إلا إذا كان يتسم بالغيرية، ولو كان الهدف منه الذات الفاعلة نفسها. وبقدر ما تجرد من الأنانية واتسم بالغيرية كانت الصفة الأخلاقية فيه أبرز وأوضح. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يصح لنا أن نصف السلوك الفردي الذي يدور حول الذات الفردية وحدها بأنه سلوك أخلاقي؟ وكيف نجمع الفردية الأنانية والغيرية في آن واحد؟
هذا يمكن جمعه وتصوره من الناحية النظرية والعملية معا، ولتجسيد هذه الفكرة يمكن أن نضرب لذلك مثلا بالشخص المنتحر فهو من ناحية فاعل ومن ناحية أخرى مفعول، ومن الناحية الغائية أصبحت الذات الفاعلة نفسها وسيلة وغاية في الوقت نفسه، إذ يمكن أن نتصور الذات فردين من هذه الزاوية لوجود الطرفين في السلوك مع الغاية، ونستطيع تقويم أي سلوك من هذا القبيل بالمعايير الأخلاقية: فالانتحار هنا فعل شر وغير أخلاقي؛ لأنه فعل هدام وليس بناء وهو يهدف إلى هدم شيء قيم هو إنسان ثم إنه يصدر بنية إعدام قيمة.
ثم إن النفوس في نظر الإسلام متساوية من حيث الأصل وهي ملك الله فلا يحق لأحد أن يتصرف فيها، ولو في نفسه كما يشاء، بالإهمال، أو الإهدار ولهذا فالإنسان يلقى عقابا من الله على إهدار نفسه كما يعاقب على إهدار نفس غيره، لذا حرم الانتحار فقال تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} 1. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا حز بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة" 2.
هذا من ناحية الإضرار بالنفس بقصد أو بغير قصد، أو من زاوية النظر إلى العمل الفردي الشخصي غير الأخلاقي، ولننظر إلى العمل الشخصي النافع أو الأخلاقي ولنضرب لذلك مثلا بشخص آخر يعتني بصحته ويهدف من وراء ذلك إلى القيام بأعمال يعود نفعها على نفسه وعلى غيره، فالاعتناء بالصحة عمل شخصي ولكنه عمل بناء بصرف النظر عن غايته، وكما أنه مفيد نافع لذاته فهو مفيد لغيره أيضا؛ لأن الناس الآخرين ينتفعون من صحته وأعماله بطريق غير مباشر وإن لم يكن قد قصد ذلك، هذا إلى أنه متى قصد منه خدمة الناس اعتبر هذا العمل أخلاقيا من ناحيتين معا: من ناحية المظهر ومن ناحية المعنى؛ لأنه يهدف إلى دوام قيمة من ناحية، وإيصال قيم إلى الآخرين من ناحية أخرى ولهذا قد عد الرسول صلى الله عليه وسلم عمل الإنسان الخير لنفسه عملا أخلاقيا فقال:"ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا"3.
1 النساء: 29.
2 التاج، باب أظلم الناس من يظلم نفسه، جـ 5 ص 23.
3 صحيح مسلم تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي جـ 2 ص 692.