الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
مقدمة عامة للموسوعة
مدخل
…
مقدمة عامة للموسوعة
في هذه المقدمة سنتكلم عن دوافع إنجاز هذه الموسوعة كما سنتكلم عن أهمية الأخلاق وأهمية التربية الأخلاقية للأفراد والجماعات والشعوب على حد سواء.
ولإدراكي لهذه الأهمية فقد كرست جزءًا كبيرًا من حياتي لها، حيث استغرقت الدراسات الأخلاقية ثماني سنوات متواصلة من عمري، وكنت متفرغًا فيها لهذه الدراسة، ولم أكن قد تزوجت، ولم تكن لي في الوقت نفسه وظيفة، ولهذا كان جل وقتي منصبًّا على هذه الدراسة، وكان الدافع الأساسي إلى هذه الدراسة هو رؤيتي المشكلات الاجتماعية وتحليلي لأسبابها وبخاصة مشكلة ازدياد الجرائم الظاهرة والباطنة في الحياة الاجتماعية العامة وفي الإدارات أو الدوائر الحكومية، وبالذات في مجال التربية والتعليم، وبخاصة تلك الجرائم والانحرافات الخطيرة التي تفتك بكيان الدولة والمجتمع من الناحية الاقتصادية والوظيفية والاجتماعية، ذلك أنها تثير العداوة والبغضاء والصراعات الاجتماعية بسبب انتشار الاختلاسات الظاهرة والباطنة من أموال الدولة من قبل بعض الموظفين، وبسبب انتشار الظلم والمحاباة والرشوة والغش والتزوير وما أشبه ذلك، وهي كلها ترجع أساسًا إلى النقص الخلقي.
وعندما نظرت إلى المنحرفين والمفسدين الذين يفسدون ويرتكبون جرائم تتسع آثارها وتمتد على نطاق واسع وجدتهم من المتعلمين الذين تخرجوا في المدارس والمعاهد والجامعات، فقلت: ألم يتعلم هؤلاء الأخلاق في المدارس؟، ونظرت إلى المناهج التعليمية، فوجدتها تفتقد هذه الدراسات الأخلاقية بصفة عامة، ووجدت أيضا في بعض البلاد
الأخلاقيات تدرس باعتبارها عادات وتقاليد وأعرافًا سائدة في المجتمع، وهي تتغير بحسب الزمان والمكان، وهي تقوم على دراسات نقدية توجه أحيانًا ضد الأخلاق والقيم بأنها تقاليد وأعراف اجتماعية لا تحمل في ذاتها قيمة ثابتة كما تحمل القوانين العلمية التي تنطوي على قيمتها في ذاتها، وبخاصة فإنها تقرر أحيانًا في بعض الجامعات والمدارس بطريقة غير موجهة، وعلى هذا الأساس تدرس من زوايا وآراء فلسفية مختلفة ومتناقضة بين آراء الغربيين والشرقيين مما يجعل الطلاب في حيرة، ويقولون: أين الحق؟ أليست هناك حقائق أخلاقية ثابتة؟ هل هي مجرد آراء متضاربة ومتناقضة؟ إن مثل هذه الدراسات الأخلاقية تهون من شأن القيم الأخلاقية إذ إنها بدلًا من أن تدفع الناس إلى التمسك بها تقتل روح هذا التمسك في نفوس المتعلمين، وغيابها قد يكون أفضل من وجودها.
وزاد اقتناعي بأهمية تعليم الأخلاق وبأهمية التربية الأخلاقية نتيجة بعض الوقائع حيث علمت من خلالها أن مجرد الاهتمام بالعلوم والتقدم فيها لا يصلح شيئًا من النفوس، ولا يساعد على انتشار الأخلاق وقيمتها في حياة الأفراد والجماعات.
فمن تلك الوقائع مثلًا: كنت سألت عن حال مدينة كنت زرتها منذ عشرة سنوات من حيث الصلاح والفساد، فقال الذي يتردد عليها: لقد انتشر الفساد فيها انتشارًا فظيعًا، فلما استفسرت عن السبب، قال السبب هو إنشاء الجامعة فيها، فقلت: هل الجامعة تكون سببًا للفساد؟ إن هذا لَتفسير عجيب، فالجامعة مفروض أن تكون منار إصلاح وإشعاع نور وهداية وتهذيب الأخلاقيات
فقال: الأمر ليس كذلك، ولما استفسرت عن بقية الموضوع قيل لي إنها جامعة علمية لا تبالي بالأخلاق ولا بالقيم والآداب بل تفسد أخلاقيات الشباب؛ لأنها تسمح بالاختلاط بين الجنسين بدون حدود في الشواطئ ومرافق الجامعة ومساكنها، والاختلاء في الغرف المخصصة من أجل المذاكرة، ولقرب غرف نوم الطلاب والطالبات في المبنى الواحد لا مانع من الاختلاء بحكم الزمالة والمذاكرة.
ومن تلك الوقائع أيضًا ما حصل أثناء زيارتي لإحدى المدن الشهيرة، وأثناء زيارتي ونحن نطوف بأرجائها كنا نمر من جوار سور كبير، فسألت الذي يطوف بي عن السور وعما بداخله فقال: إن أكبر المجرمين من اللصوص والقتلة والخونة في المجتمع يتربون في داخل هذا السور، فقلت: عجبًا كيف يكون هذا؟ ألا تعلم الدولة ذلك؟ قال: بلى، إن الدولة هي التي تربيهم كذلك، فزادت دهشتي، فقلت: يا رجل اشرح كلامك كيف يكون هذا؟ فقال: إن بداخله جامعة كذا، فقلت: وهل الجامعة تربي اللصوص والمجرمين؟ قال: نعم، وقال: ألا ترى الذين يسرقون من الأموال العامة، والذين يأخذون الرشاوى، والذين يزورون الوثائق في الدوائر هم من خريجي الجامعة؟ ثم بدأ يعرض بعض التفصيلات، من ذلك كيف أن أحد المحامين سبب إفلاسه بسبب حادثة مرورية، أعطاه مبلغًا من المال ليدافع عنه، فأخذ مالًا من خصمه، فحول القضية إلى قضية استمرت شهورًا حتى أفلس.
ومثال آخر مرضت زوجته وأخذها إلى طبيب، فطلب منه مبلغًا كبيرًا ليعمل لها عملية؛ لأن حالتها خطيرة تستدعي عملية عاجلة، فدفع المبلغ ثم أجرى العملية وتوفيت الزوجة على أثرها. وبعد ذلك تبين أن الحالة كانت بسيطة وما كانت تستدعي العملية، وإنما أجراها من أجل المال، قال محدثي: هذا مثل من أعمال هؤلاء الذين تخرجوا في هذه الجامعة قتلوا امرأتي وسرقوا أموالي باسم
العملية وباسم المحاماة.
وإني بدروي أذكر ما يشبه هذه الوقائع، كما يمكنني ذكر عشرات الأمثلة مما شاهدت وقرأت وعلمت عن طريق محادثة بعض رجال الدولة تحدثوا عن مثل تلك الجرائم الواقعة من موظفي الدولة أيضًا.
وبعد أن اقتنعت بأهمية الأخلاق في حياة الفرد والمجتمع والدولة، اقتنعت بالأهمية نفسها بأن كل إصلاح فردي واجتماعي يجب أن يبدأ من تعليم الأخلاق بطريقة خاصة حسب اتجاه وتوجيهات وأهداف تبدأ من منطلقات ومسلمات تدفع إلى التمسك بالأخلاق وتساعد على الالتزام بها لدى المتعلمين.
ولهذا اتجهت لدراسة الأخلاق من منطلق الاتجاه الإسلامي؛ لأن الدراسات الأخلاقية إن لم تكن موجهة ولم تقم على عقيدة وإيمان ثابت بقيمتها تفقد قيمتها التربوية.
ولهذا فإن كثيرًا من الدراسات الأخلاقية عندما بدأت من منطلق اجتماعي بأنها ظاهرة اجتماعية والمجتمع من حقه أن يغير أخلاقياته؛ لأنه سيد الأوضاع ولا ضير في تغيير الأخلاقيات، ثم لم تقم على عقيدة أو أساس ديني نتيجة؛ لذلك فقدت تلك الدراسات قيمتها ولم تؤثر في نفوس الأجيال، وبخاصة إذا اختلطت مفاهيمها بمفاهيم العادات والتقاليد التي لا يخسر المجتمع بتغيرها أو تعديلها، أما الأخلاق في نظر الإسلام فهي سيد المجتمع، فالمجتمع يجب أن يخضع لها بدلًا من أن تخضع الأخلاق للمجتمع.
ولهذا كله فإن التعليم الأخلاقي والتربية الأخلاقية يجب أن يأخذا أهميتهما بقدر أهمية العلوم في المدارس والجامعات على أقل تقدير.