الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حياتنا الفكرية والعملية إذ إنه يؤدي عندئذ إلى إبراز الفلسفة الإسلامية الصافية بصورة واضحة ذات قيمة عظيمة بين الفلسفات والتيارات الفكرية المعاصرة وستثبت قدرتها على معالجة المشكلات الإنسانية الأساسية أكثر من أية فلسفة أخرى.
ولم يكن هذا المنهج مجرد خاطرة طافت بذهني فأسرعت إلى تسجيلها، بل كان نتيجة تأملات طويلة كنت أقضيها في الدراسات الفلسفية ونتيجة لما كنت أقوم به من مقارنات بين التفكير الإسلامي وتفكير الفلاسفة عمومًا، وقد زاد تحمسي لدراسة الفكر الإسلامي لما رأيت فيه من حقائق وخصائص كبرت في عيني فبدأت أنساق إليه وأندفع، فساقني إداركي لتلك الحقائق والخصائص من النظر إلى العمل ودفعني من التفكير إلى التطبيق.
التطبيق
…
وتطبيقًا لهذا المنهج اخترت موضوعًا من أهم الموضوعات التي تمس حياتنا اليومية ومشكلة من أهم المشكلات الاجتماعية والفردية.
وحددت صيغة هذا الموضوع "بعلم الأخلاق الإسلامية"، لأبحث عنه في الإسلام نفسه، وليس لدى الفلاسفة أو المفكرين؛ لأن لهذا الموضوع أهمية كبرى في الحياة الإنسانية وفي نظر الفلسفة الإسلامية بالمعنى المحدد؛ ولأنه يعتبر من جوهر رسالة الإسلام، ولذلك كانت روح الفلسفة الإسلامية روحًا أخلاقية في مقوماتها وأهدافها من الناحية النظرية والعملية مع مقارنتها بغيرها لإبراز مكانتها.
من أجل ذلك فقد اتجهت إلى الاهتمام بهذا الموضوع وزاد اهتمامي به عندما رأيت أنه لم يأخذ حقه من الدراسة والبحث ولا سيما دراسته من الناحية
العلمية والتربوية، يدرك هذه الحقيقة كل من يتأمل في الدراسات الأخلاقية وتظهر له هذه الحقيقة بصورة أوضح عندما يقارنها بالدراسات الأخرى، وعندما يرى كم نالت تلك الدراسات الأخرى من عناية الدارسين واهتمامهم، ولم يكن هذا الحق مهضومًا لدى الدارسين الإسلاميين فقط بل لدى غير الإسلاميين كذلك من الفلاسفة والمفكرين.
ولا أريد هنا أن أهضم حق المهتمين بالدراسات الأخلاقية بين المسلمين بل من الواجب أن نعترف أن هناك رجالًا من المفكرين الإسلاميين قد أبدوا كثيرًا من الاهتمام بالأخلاق أمثال: ابن مسكويه والغزالي والطبري ومحمد مهدي العراقي قديمًا، وجاد المولى بك والدكتور محمد عبد الله دراز والدكتور عبد الرحمن حبنكة حديثا، وبالرغم من ذلك فإن هذه الدراسات لم تعطِ للأخلاق حقها من الدراسة، أو أنها -بتعبير أصدق- لم تعطها حقها من الدراسة النظرية والتربوية والنظامية، ولعل أكبر محاولة جادة لإعطاء هذا الجانب النظري حقه هي المحاولة التي قام بها المرحوم الدكتور محمد عبد الله دراز، وما قام به حديثا الدكتور حسن حبنكة الميداني، أما الجانب التربوي والنظامي فلم يأخذا حقهما من الدراسة الجادة.
وكانت رؤيتي لهذا النقص ضمن العوامل التي دفعتني إلى إنجاز هذه الموسوعة بأجزائها الثلاثة، ولإبراز ذلك بصورة أكثر وضوحًا احتجت إلى عرض بعض الاتجاهات الأخرى الهامة؛ لأن ذكر المتناقضات يجعل ما نريد بيانه أكثر جلاء ويغني عن كثير من الكلام، ولهذا فإن التعرض للاتجاهات الأخرى لم يكن هدفي منه عملية المقارنة الأكاديمية بقدر ما كان وسيلة للإيضاح وبيان مكانة
التفكير الإسلامي في هذا الموضوع، واتجاهه فيه من بين تلك الاتجاهات، ولقد سبقت بعرض مجمل وأغلب تلك الاتجاهات الفلسفية في أغلب الموضوعات الرئيسية، لما رأيت أن كل ما أريد أن أفيده في هذا الصدد لا أستطيع إفادته إلا بهذا النظام والترتيب، كما أن سعة الموضوع بوجه عام ورغبتي في الإيجاز مع ذلك أوجبتا علي الإشارة بقليل من اللفظ إلى كثير من المعنى، ولهذا أشرت أحيانا بالمقدمات إلى النتائج، كذلك وجدتني مضطرا إلى تركيز معالجتي على معالم الموضوع الهامة والضرورية فقط، بناء على هذا كله وبناء على متطلبات المادة العلمية والفكرة المنهجية التي ألمعت إليها حددت مراحل البحث في هذا الجزء على النحو التالي:
فقد تطلب منطق البحث أن أعقد أولًا بابًا أحدد فيه مفهوم علم الأخلاق الإسلامية، ثم أحدد فيه كذلك غاية الأخلاق ومجالها ومدى ضرورتها للحياة الإنسانية في نظر الإسلام.
ثم رأيت أنه لا بد من بيان الأسس التي يقوم عليها بناء علم الأخلاق الإسلامية، وكانت هذه الأسس هي الأساس الميتافيزيقي والواقعي والطبيعة الإنسانية والحرية والمسئولية والجزاء، وقد عالجت هذه الأسس في الباب الثاني وأفردت كل أساس بفصل مستقل.
وبعد هذا تطلب الأمر أن أحدد المعايير التي نستطيع بها التمييز بين السلوك الأخلاقي وغير الأخلاقي والتي تمكننا من تحديد قيمة الأخلاق، وأن نتعرف أيضا على حقيقة القيم الأخلاقية من الناحية النظرية والعلمية.
وهذا مرتبط بالموضوع السابق؛ لأن تحديد القيمة مبني على تحديد المعيار
فينبغي أن نحدد القيمة بالمعيار لا المعيار بالقيمة، ولقد ساقني الأمر بعد ذلك كله إلى بيان اتجاه الإسلام الأخلاقي في تحديد قيمة الفرد والمجتمع؛ لأن فلسفة الإسلام في الموضوعات السابقة واتجاهه نحو هذا الموضوع الأخير بالذات، قد أثَّرا في تحديد المبادئ والقيم الأخلاقية وتكييف نظام الحياة الخلقية في صورتها النظرية والعملية معًا، وكل هذا قد عالجته في الباب الثالث بفصوله الثلاثة.
وأخيرًا تطلب البحث استخلاص النتائج العامة التي أدى إليها البحث، وهي التي تحدد بصورة واضحة خواص علم الأخلاق في الإسلام، وهذا ما جاء في الخاتمة.
ولم أُتبع في بيان ذلك كله الطريقة التي سلكها السابقون أو المنهج الذي وضعه الدارسون للأخلاق من الفلاسفة ومفكري الإسلام السابقين.
ولا يعني هذا أنني لم أستفد منهم، ولكنه يعني أنني لم أتخذ دراستهم نقطة بدء ونقطة انتهاء، بل جعلتها وسيلة أستعين بها في بعض النقط، وذلك اتباعًا لمنهجي الخاص الذي ذكرته آنفا.
وعندما كنت بصدد بيان رأي الإسلام في أي موضوع من الموضوعات السابقة كنت أجمع النصوص من الآيات والأحاديث المتعلقة به وأدرسها في سياقها الخاص، ثم أدرسها مجتمعة باعتبارها تمثل موضوعًا وتحدد اتجاهًا، وعندما كنت أستخلص الفكرة أذكر النصوص الهامة التي تحدد الفكرة أو الاتجاه من أطرافه المختلفة1، ومن هنا فقد ذكرت أحيانًا عدة نصوص في موضوع فكرة واحدة، وفيما يتعلق بالاستشهاد بالنصوص لم أستشهد بحديث قيل إنه موضوع
1 واعترافًا بالجميل يجب أن أذكر هنا توجيهات أستاذي في استخدام النصوص بهذه الطريقة.
أو ضعيف أو مختلف فيه ولا سيما عند تدعيم الأفكار الرئيسية، ومن حيث المعنى فلم أنص أحيانًا على المعنى الذي أقصده اكتفاء بذكره في إطار فكرة معينة؛ لأن ذكره في هذا الإطار أو ذاك يدل على المعنى المقصود منه.
وكان لاتباعي هذا المنهج في دراسة هذا الموضوع الفضل في أن أخرج بنتائج في غاية الأهمية ولا سيما فيما يتعلق بتحديد الفكرة وإبرازها بصورة متكاملة، وهذا التصور الكامل للموضوعات قد أدى بي كثيرا إلى التوفيق بين وجهات نظر المفكرين المتناقضة في موضوعات مختلفة.
وبعد فمهما كانت النتائح التي خرجت بها حقا في نظري فإني لا أنظر إليها على أنها نهائية لا تقبل المناقشة.
وفي نهاية هذا الموضوع يتلخص منهج البحث في هذه الدراسة في ثلاثة مناهج بارزة وهي الآتية:
1-
منهج الوصفي التحليلي
…
ويستخدم في وصف المذاهب الأخلاقية ومقارنتها بالاتجاه الأخلاقي الإسلامي.
2-
المنهج الاستنباطي الأصولي.. وذلك لاستنباط الآراء والأفكار والقيم الأخلاقية الإسلامية من نصوص القرآن والسنة.
3-
المنهج التاريخي.... وذلك للوقوف على التراث الأخلاقي الإسلامي الذي خلده علماؤنا الأجلاء السابقون.
ومن الناحية الفنية فلم أكتب كل البيانات الخاصة بالمراجع في الهوامش ولكن نظمتها بالحروف الأبجدية في قسم المراجع لسهولة الحصول على المطلوب.