الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السير في الطريق الذي رسمته لنا الطبيعة فإننا لا نسير إلا في الطريق الذي نحبه ولكننا لم نحب نحن هذا الطريق، ولكن الطبيعة هي التي جعلتنا نحبه وهي التي تجبرنا على السير فيه"1، ومنهم "شوبنهور" و "هوبز".
فالأول يرى أن الحرية ذات طابع ميتافيزيقي ولا توجد في نطاق العالم الطبيعي ويجعل الإرادة تابعة لطبيعتنا، ويرى الثاني أن الإرادة أقوى رغبة تابعة للدوافع الأولية2.
ومهما يكن من اختلاف بين الفريقين، فإن هذا الاتجاه في عمومه يهدم المسئولية الأخلاقية من أساسها.
1 مشكلة الحرية، الدكتور زكريا إبراهيم، ص 55 وما بعدها.
2 المرجع السابق.
2-
اتجاه حرية الإرادة:
من أنصار هذا الاتجاه "أرسطو" الذي يبني الأخلاق على حرية الإرادة، وهو يفرق بين العمل الإرادي وغير الإرادي، فالأول تكون فيه علة داخلية للفعل مثل: تردد الإنسان بين عملين يستطيع القيام بهما ولكن إذا قام بأحدهما يفوت عليه الآخر؛ ولهذا فترجيح أحدهما على الآخر في هذه الحالة يعتبر عملاً إرادياً.
والثاني تكون علته خارجية مثل: وقوع الإنسان لزوال الحجر من تحت رجليه أو لأي دافع قسري آخر.
كذلك يفرق بين عمل بلا إرادة وعمل ضد الإرادة، فالأول هي الأعمال القسرية، والثاني هو العمل ضد ترجيح الإرادة كأن يختار الإنسان عملاً من بين الأعمال ثم يعمل عملاً آخر غير الذي اختاره، ثم يفرق "أرسطو" بين العمل بسبب الجهل وبين العمل ضد الإرادة، فالأول لا يعقبه الندم، والثاني يعقبه الندم بعد
فعله، ويعتبر كل عمل أخلاقي عملاً شراً، والإنسان في حد ذاته لا يريد الشر ولكن إذا أدى عمله إلى الشر بسبب اعتسافه أو بسبب جهله ما ينبغي أن يفعله الإنسان العاقل يعد من هذه الجهة قد أراد الشر1.
ومن أنصار هذا الاتجاه المعتزلة الذين قالوا بحرية الإنسان في الإرادة والتصرف، وفرقوا بين إرادة الله وإرادة العبد، فالعبد قد يريد خلاف ما يريده الله، وإذا كان علم الله شاملاً لإرادة العبد إلا أن علمه لا يؤثر فيها، ومن هنا قالوا إن سبب الشر في حياة الإنسان هو الإنسان نفسه2 ويقولون:"إن الله يخلق في العبد قدرة وإرادة ثم العبد يخلق فعله بقدرته التابعة لمشيئته"3. ومن أنصار هذا الاتجاه "بارتلمي" الذي يرى أن علم الأخلاق هو ميدان الحرية4.
ومن أنصار هذا الاتجاه أيضاً الفيلسوف الألماني "كانط" فهو يرى أن الإنسان حر في إرادته ولا تخضع هذه الإرادة إلا للقانون الذي تضعه لنفسها بنفسها ولا تخرج عنه؛ لأن شعورها بأنها هي التي وضعته لنفسها هو أساس الإحساس الداخلي بالواجب الذي يدفع الإرادة الإنسانية إلى السلوك الأخلاقي لا لهدف نفعي؛ بل لأنه مطابق للقانون العقلي؛ ولهذا فهو يعتبر مبدأ حرية الإرادة أو الاستقلال الذاتي المبدأ الأوحد في الأخلاق، فالحرية عنده هي الخاصة الجوهرية التي تتميز بها الإرادة الإنسانية في حين أن الضرورات هي التي تملي على الكائنات غير العاقلة سلوكها، فالحرية هي علة الأفعال الأخلاقية.
1 أرسطو، علم الأخلاق جـ 1 ص 269 وما بعدها.
2 شيخ الإسلام مصطفى صبري: موقف البشر تحت سلطان القدر ص 55.
3 اللمعة ص 52 للشيخ إبراهيم بن مصطفى الحلبي المذاري، تحقيق. محمد زاهد الكوثري.
4 مقدمة بارنملي لكتاب السياسة لأرسطو ص 6.
أما الضرورة فهي العلة في حدوث الظواهر الطبيعية غير أن هذه الحرية في رأيه ليست متحررة تماماً عن القوانين، بل هناك قوانين خاصة بها كما أن للطبيعة قوانين خاصة بها، وهذه القوانين مخلوقة للطبيعة وتلك مخلوقة للإرادة الحرة.
إلا أن الأولى لم تخلق قوانينها لنفسها، والأمر في ذلك على خلاف قوانين الإرادة الحرة، ومن هنا يفرق بين الإرادة الحرة والإرادة الخاضعة وإن كانت هي نفسها، فهي من حيث إنها تخلق القوانين الأخلاقية تعد إرادة حرة ومن حيث إنها ألزمت نفسها بالخضوع لهذه القوانين التي خلقتها بنفسها فهي من هذه الجهة إرادة خاضعة، ويرى أن دليل هذه الحرية ليس التجربة؛ لأن وجودها سابق للتجربة أي: أن دليلها قبلي؛ لأن كل كائن لا يمكن أن يفعل فعلاً إلا بتأثير فكرة الحرية، وقد يبدو هنا في تفكيره أن الشعور بالحرية أساس بالإحساس بالخضوع لهذه القوانين، وأن هذا الإحساس أساس الإحساس بالحرية، وكأن هناك دوراً يجيب على ذلك "كانظ" فيقول:"إن الحرية والتشريع اللذين تضعهما الإرادة لنفسها كلاهما في واقع الأمر ضرب من الاستقلال الذاتي ويحل أحدهما محل الآخر تبعاً لذلك، وهذا هو السبب في أننا لا نستطيع أن نستعين بأحدهما لتفسير الآخر وبيان الأساس الذي يبنى عليه"، ويقول أيضاً: "إن الإنسان باعتباره عضواً في عالم الحس خاضع لقوانين الطبيعة، ويدرك هذه القوانين عن طريق الحواس وهو باعتباره عضواً في عالم المعقول خاضع لقوانين هذا العالم يدرك قوانينه عن طريق العقل، وإحساسه بالحرية يؤدي إلى الشعور بالاستقلال الذاتي وهذا الشعور بالاستقلال الذاتي يدل على أن وجود القانون الأخلاقي أساس للشعور بالحرية، وإلا فإننا حين نتصور أنفسنا ملتزمين بالواجب نعتبر أعضاء في عالم المعقول كما نعد