الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتنطع والتطرف في أي عمل، كما تدعو إلى الابتعاد عن الأماكن الموبوءة وعن الاتصال بالناس المصابين بالأمراض الخبيثة المعدية، ومراعاة النظافة: نظافة الظاهر والباطن والبيئة، وكل هذه الأمور من أسس الصحة ولا يمكن أن يحتفظ الإنسان بصحته إلا بتطبيق تلك المبادئ الأخلاقية عمليا.
هذا إلى أن للأخلاق قيمة عملية أخرى وهي أنها تدعو إلى أن يكون الإنسان نشيطا مجدا فعلا يكسب رزقه بشرف وأمانة وتدعو -إلى جانب ذلك- إلى الجلد والصبر والثقة بالنفس وقوة الإرادة، والسعي لمزيد من الإنتاج لمزيد من الإنفاق والخير وكل ذلك يؤدي إلى تحمل أعباء الحياة بالصبر والشجاعة دون التبرم والضجر، وهذا يؤدي بدوره إلى منافع وقيم مادية في مجالات الحياة المختلفة.
الخامسة: القيمة المعنوية:
إن أهم قيمة معنوية يؤدي إليها التطبيق العملي للمبادئ الأخلاقية هي الإحساس الدائم بالسرور والطمأنينة القلبية والشعور بخيرية الذات وخيرية المصير ويمكن أن نعبر عن هذه الحقيقة بأنها الإحساس بالسعادة الروحية. وهذه الحقيقة نتيجة طبيعية للتطبيق العملي للأخلاق، ذلك أن الإنسان عندما يعمل بمقتضى عقيدته فيؤدي الواجبات كما ينبغي أداؤه، ويتجنب المحرمات ويوجه طاقاته نحو الأهداف السامية ويحققها خطوة خطوة وجزءا جزاء. يشعر عندئذ بأنه إنسان خير قوي الإرادة سائر في طريق خير نحو غاية خيرة، ولا يعوق إحساسه هذا ما يلاقي أحيانا في هذا السبيل من معوقات أو مشقات. بل يزيد إحساسه بالسعادة؛ لأنه عندئذ يشعر أنه يكافح من أجل خير نفسه وخير الإنسانية إذ إن
الإنسان الخير لا بد من أن يعمل لخير الإنسانية، يضاف إلى هذا ما يجد من التقدير الأدبي من الناس وهو سائر في هذا الطريق. إن هذا العمل بهذا الإحساس هو سبيل السعادة الروحية التي تلازمه باستمرار، أما الانهماك في الملذات على حاسب الأخلاق فليس وسيلة السعادة بل هو وسيلة الشقاء ذلك أن الإنسان المنحرف يشعر دائما بالدناءة وتأنيب الضمير، وهذا سبب لإحساسه بالقلق والشقاوة. وهذه الحقيقة يدركها من يصغي عن قرب إلى أنين قلوب أولئك الذين انحرفوا عن الطريق السوي. ومن يقرأ كتاباتهم وأشعارهم.
ولا ننكر أيضا ما يعبرون به عن ملذاتهم الوقتية، إلا أن ما يعانونه من الشقاء النفسي والعذاب الروحي يساوي أضعاف ما يتمتعون به من اللذات أمام لذة الفضيلة إن صح هذا التعبير فهي دائمة لا تنقطع.
وهكذا نجد أن الأخلاق طريق الإنسانية ومن يخرج عن هذا الطريق تعاقبه الإنسانية: الإنسانية المكنونة في ضمير كل فرد أخلاقي ومن سار فيها تكافئه بالسعادة الروحية، وهي أغلى قيمة تهدف الأخلاق لتحقيقها للإنسانية.
وبعد هذا لنا أن نسأل ما الهدف من الأخلاق، الفرد أم المجتمع، وما قيمة الفرد وما قيمة المجتمع في الاتجاه الأخلاقي في الإسلام؟ هذه النقطة جديرة بالمعالجة؛ لأنها تؤثر تأثيرا كبيرا في النظام الخلقي للحياة، ولهذا فهي تحتاج إلى معالجة مفصلة خاصة. وهذا ما سنحاوله في الفصل التالي.