الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأخلاق الإسلامية بصفة خاصة تجعل المرء يتغلب على نوازع النفس المختلفة وتجعله كذلك يسلك طريقا واحدا هو طريق الخير قاصدا الوصول إلى الكمال الإنساني ولذلك يكون الشخص الأخلاقي قوي الإرادة متوحد الذات يسير في طريق واحد ويسعى لتحقيق غاية واحدة. أما الشخص غير الأخلاقي فتنتابه النوازع المختلفة وتتشتت ذاته بين الاتجاهات المختلفة ويصبح أخيرا ضحية الصراع النفسي وشتان بين هذا الشخص وذاك، وصدق الله العظيم إذ قال:{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 1، وقال أيضا:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 2.
1 الملك: 22.
2 الزمر: 29.
الثالثة: اكتساب تنمية القيمة الإنسانية:
تزيد قيمة الإنسان بقدر عمله بالمبادئ الأخلاقية؛ لأن الأخلاق من أهم مميزات السلوك الإنساني ومميزات الإنسان عن سائر الحيوان والإنسان يقاس بالإنسانية ولا تقاس الإنسانية بالإنسان. نعم إن للإنسان كرامة مدئية معطاة له من قبل الخالق منذ أن خلقه مصداق ذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} 1، وهذا التكريم ليس بتسخير أمور له لم تسخر لغيره فحسب، بل هناك تكريم في خلقه إذ خلقه في أحسن صورة {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} 2، وركب فيه من القوى والإمكانات مثل قوة الإدراك والتمييز وغيرها من القوى التي يمتاز بها {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ
1 الإسراء: 70.
2 غافر: 64.
فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} 1، ثم بما تحمل من المسئوليات الأخلاقية {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ} 2، وكانت الأمانة أن يميز الحق من الباطل والخير من الشر وأن يعرف للحق حقه ويتبع الخير ويتجنب الشر في هذه الحياة، وبتحمل تلك المسئولية أصبح خليفة الله في أرضه لأداء الأمانة يحكم بمقتضى المسئولية ويأمرالناس باتباع الحق واتباع طريق الخير {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ، أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} 3، لكن إذا خان الإنسان تلك الأمانة وألبس الحق بالباطل واتبع طريق الشر بدل الخير وأزال عن نفسه تلك الكرامة ارتد إلى أسفل المخلوقات {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌغَيْرُمَمْنُونٍ} 4، أما الذين يؤدون تلك الأمانة فيحتفظون بتلك الكرامة، ولهذا استثنى الله أولئك الذين يحترمون إنسانيتهم وكراماتهم فيعطون لله حقه، ويتبعون طريق الخير.
وبذلك يكتسب المؤمنون الصالحون العزة والكرامة: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} 5، ومن كان يريد لنفسه الكرامة والعزة فليتقرب إلى صاحب العزة ومعطي الكرامة وليتبع طريقه {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} 6، وإن الله يرفع كل ذي فضل على قدر فضله ويؤتي أجره بقدر ما يعمل من الخيرات قال
1 الانفطار: 6-8.
2 الأحزاب: 72.
3 البقرة: 42- 44.
4 التين: 4-6.
5 المنافقون: 8.
6 فاطر: 10.
تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} 1، {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} 2، ولا يمكن أن يستوي الإنسان الذي يعمل بالمبادئ الأخلاقية والذي لا يعمل بها، ولا يستوي الذي يعمل الخير والذي يعمل الشر قال تعالى:{قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} 3، وقال:{أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} 4، {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} 5، ثم إن الإنسان الذي يعمل بمقتضى القيم الأخلاقية لا تزيد قيمته ودرجته وجزاؤه عند الله فحسب بل تزيد قيمته الإنسانية بين الناس فيكون له الشرف والمكانة الأدبية في المجتمع، فيجد القبول والاهتمام به والمودة والتقدير من الناس فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} 6، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض، وإذا أبغض الله عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه قال: فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه قال: فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض" 7، وروي عن أبي ذر قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير فيحمده الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن" ، تلك هي القيمة الأدبية التي ينالها الإنسان المتخلق في البيئة الاجتماعية التي يحيا فيها، ولا شك أن تلك القيمة لا تقدر بثمن لمن يقدرها ويعرف قيمتها، ثم إن الأدب زينة الإنسان وبقدر ما يتأدب مع الناس يوثق به ويعتمد عليه ويسند إليه المهام.
1 الأنعام: 132.
2 هود: 3.
3 المائدة: 100.
4 ص: 28.
5 الانفطار: 13-14.
6 مريم: 96.
7 التاج جـ 5 ص 79.
8 المرجع نفسه.