الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسئولياته والقيام بواجباته الأخلاقية خير قيام؛ لأنه قادر حر يستطيع القيام بها.
وأما أساس الجزاء فهو الذي يعطي للأخلاق -في الحقيقة- قيمة ومعنى إذ بدونه تصبح الأخلاق سلوكا جافا لا يقوم على عدل ولا يجذب الناس إلى العمل به والجزاء بقدر ما يكون عاما ومتنوعا بقدر ما يضفي على الأخلاق قيمة ومعنى وثراء.
ولهذا نرى أن الإسلام قد نوع الجزاء الأخلاقي وربط سعادة الإنسان وفلاحه به، وقد شرحنا أصالة كل تلك الأسس وما أتى به الإسلام فيها من جديد وما أكمل فيها من نقص، بحيث يمكننا القول عندما نقارنها بغيرها: إن الإسلام قد فاق الأخلاقيات الأخرى في هذه النقطة أيضا، من حيث تنوع وتعدد الأسس التي أقام عليها بناءه الأخلاقي ومن حيث الخصائص التي أضفاها على كل واحد منها.
3-
وضع الإسلام معايير متعددة لقياس الأخلاق ولبيان قيمتها:
إن الإسلام لم يكتفِ بوضع معيار واحد لقياس العمل الأخلاقي كما فعلت كل أخلاقية أخرى إذ وضعت لنفسها معيارا واحدا، بل إنه نوَّع المعايير وقد بينا أهمها من قبل، وهي الشرع والعقل ثم الإرادة والغاية والضمير الأخلاقي، ولكن قد يرد هنا سؤال وهو هل تعدد المعايير يعد ميزة؟
الجواب على ذلك أنه إذا كان اختلاف المعايير يؤدي إلى قياس القيمة من عدة وجوه أو يساعد الناس على قياس السلوك الأخلاقي بوضوح فلا شك أنه يعد
ميزة في هذه الحالة، أما إذا كان اختلافها يؤدي إلى اختلاف الناس في التقويم الأخلاقي، فلا شك أنه في هذه الحالة لا يعتبر ميزة، ولكن مهما كان الأمر فإن ذلك لا يدل على أن الشيء ليس له إلا قيمة واحدة، بل إنه قد يكون لشيء واحد عدة قيم، ولنضرب لذلك مثلا معدن الذهب فإن له قيمة موضوعية اتفق عليها جميع الناس في جميع البقاع ولكن هذه القيمة قد تختلف بالزيادة أو النقصان بحسب التشكيل والتصنيع والوضع والزمان وباختلاف الناس المقيمين.
فالصراف مثلا ينظر إليه باعتبار أنه نقد يروج في جميع البلاد وتزيد قيمته في نظر الصانع والفنان، وتزيد على هذا وذاك في نظر المُهْدَى إليه إذ كان قد قدم إليه كرمز للتفوق العلمي أو الأدبي من رئيس دولة، وهكذا توجد معايير مختلفة لقياس قيمة هذا الشيء فهناك معيار موضوعي مشترك وهناك معيار فني وهناك أخيرا معيار رمزي. وتختلف قيمته باختلاف المعيار.
وكذلك السلوك الأخلاقي له قيمة لدى جميع الناس ولكن هذه القيمة تختلف باختلاف معاييرهم فمنهم من يقيسها بالمعيار العقلي والآخر يقيسها بالمعيار الجمالي والأخير بالمعيار النفعي وما إلى ذلك، وكل يعطي له قيمة بحسب معياره وتزيد هذه القيمة في نظر إنسان يقيسها بجميع تلك المعايير.
كما أن اعتداد الإسلام بالعقل معيارا للأخلاق يدل على أن الأخلاق ليست أمرا تعبديا ومسألة ميتافيزيقية بحتة كما يدعي البعض.