الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين بأفكارهم وراء المبتدعين؟.
المطلب الثالث: النهي عن الفتوى بغير علم:
إن الفتوى بغير علم تشتت الفكر، وتوقعه في فوضى، فليس كل من تعلم من الدين بعض الدروس أو رزقه الله بشيء من الفصاحة والقدرة على الخطابة مؤهلا للفتوى. ولقد حذر الله من ذلك فقال الله تعالى:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} .
" والآية الكريمة إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة "(1)(2)
{وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ} " أي: ذوي الرأي {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} أي: يستخرجونه وهم العلماء، والفقهاء أي: عَلِمُوا ما ينبغي أن يُكتم وما ينبغي أن يُفشَى.
أي: وهم يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة.
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ.
وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر
(1) تفسير ابن كثير - 2/ 365
(2)
تفسير ابن كثير - 2/ 365 ') ">
بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لا فيحجم عنه" (1)
وقال تعالى مخبرًا عن فعل الشيطان فيمن تبعه وأطاعه: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}
قوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} " عام في تحريم القول في الدِّين من غير يقين، وهذا يشمل جميع المذاهب الباطلة والعقائد الفاسدة وقول الرجل هذا حلال وهذا حرام بغير علم "(2)
وقد عاتب الله عز وجل من يحلل ويحرم من غير علم وعاب على فاعل ذلك الفعل قال تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} .
(1) انظر: معالم التنزيل، المؤلف: محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي [المتوفى 516 هـ الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع - الطبعة: الرابعة، 1417 هـ - 1997 م- 2/ 255، تفسير البحر المحيط – المؤلف:: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان 4/ 208، النكت والعيون - المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي – 1/ 316، تفسير السعدي - 1/ 190.
(2)
انظر: تفسير ابن كثير - 1/ 479 - زاد المسير في علم التفسير -المؤلف: عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي - الناشر: المكتب الإسلامي – بيروت - الطبعة الثالثة، 1404 – 2/ 473
" والآية الكريمة ذم لمن تجرأ على الله سبحانه وتعالى فأفتى بغير علم وأحل وحرم، والتحريم والتحليل تشريع، وهؤلاء يزاولونها من عند أنفسهم من غير علم "(1)
ولعل قضية التكفير من أهم القضايا التي خاض فيها أدعياء الفتوى فحل بالمسلمين ما حل من حوادث التفجير والحروب الأهلية والقتل، ولو رجعوا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لنأوا بأنفسهم وبالأمة جمعاء عن هذا الهلاك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» (2)
" وإذا قيل للمؤمن يا كافر فقد باء قائل ذلك بوزر الكلمة واحتمل إثما مبينا وبهتانا عظيما إلا أنه لا يكفر بذلك لأن الكفر لا يكون إلا بترك ما يكون به الإيمان وفائدة هذا الحديث النهي عن تكفير المؤمن وتفسيقه "(3)
(1) انظر: تفسير القرطبي - 18/ 180 - تفسير السعدي - 1/ 367، تفسير النيسابوري - 1/ 397 - 3/ 216
(2)
أخرجه الإمام مالك - كتاب: الكلام - باب: ما يكره من الكلام - 5/ 1433 برقم 3606.
(3)
الاستذكار - لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري - الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى، 1421 – 2000 - تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض.
قال الله عز وجل: {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ} .
" فقال جماعة من المفسرين في هذه الآية هو قول الرجل لأخيه يا كافر، يا فاسق، وممن قال بذلك عكرمة والحسن وقتادة، وهو معنى قول مجاهد لأنه قال هو الرجل يدعى بالكفر وهو مسلم"
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَأَنَّ محمدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَاّ بِحَقِّ الإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» (1)
((حَتَّى يَشْهَدُوا)) " جُعِلَتْ غَايَة الْمُقَاتَلَة وُجُود مَا ذُكِرَ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ وَأَقَامَ وَآتَى عُصِمَ دَمه والحديث يفيد قَبُول الْأَعْمَال الظَّاهِرَة وَالْحُكْم بِمَا يَقْتَضِيه الظَّاهِر، وَالِاكْتِفَاء فِي قَبُول الْإِيمَان بِالِاعْتِقَادِ الْجَازِم خِلَافًا لِمَنْ أَوْجَبَ تَعَلُّم الْأَدِلَّة، وَيُؤْخَذ مِنْهُ تَرْك تَكْفِير أَهْل الْبِدَع الْمُقِرِّينَ بِالتَّوْحِيدِ الْمُلْتَزِمِينَ لِلشَّرَائِعِ، وَقَبُول تَوْبَة الْكَافِر مِنْ كُفْره، مِنْ غَيْر تَفْصِيل بَيْن كُفْر ظَاهِر أَوْ بَاطِن"(2)
(1) أخرجه الإمام البخاري – كتاب الإيمان – باب (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) التوبة 5 - 1/ 17 برقم 25.
(2)
فتح الباري شرح صحيح البخاري - المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبوالفضل العسقلاني الشافعي - الناشر: دار المعرفة - بيروت، 1379 - 1/ 76.