الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصغر إن جعلها سببًا لدفع الضر.
المسألة الثالثة: حكم الأخذ بالأسباب:
لقد أمر – سبحانه – بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل عليه (1)(2) لأن مباشرة الأسباب عمومًا أمر فطري لا انفكاك (3) لأحد منه وترك الأسباب مذموم شرعًا وعقلاً وحسًا وفطرة (4) ومع ذلك لا يصح توكله ذاك إلا برفض تلك الأسباب عن قلبه لا عن جوارحه لأن توكله ينقص بقدر التفاته للأسباب وسكونه إليها (5)؛ لأن الالتفات إلى الأسباب شرك قادح في التوحيد، ومحوها أن تكون أسبابًا نقص في العقل؛ والإعراض عنها بالكلية قادح في الشرع. فمجرد وجود السبب لا يوجب حصول المسبب. بل لا بد من انتفاء المانع، ووجود المعين، مع قابلية المحل، وكل ذلك بمشيئة الله – سبحانه- (6)
(1) انظر الروح ابن القيم: 378، تلبيس إبليس ابن الجوزي: 357، نيل الأوطار الشوكاني:901.
(2)
انظر الروح ابن القيم: 378، تلبيس إبليس ابن الجوزي: 357، نيل الأوطار الشوكاني:901. ') ">
(3)
انظر فتح المجيد عبد الرحمن بن حسن: 53. ') ">
(4)
انظر أعلام الموقعين ابن القيم: 2/ 22 4. ') ">
(5)
انظر جامع العلوم والحكم ابن رجب: 644، الفوائد ابن القيم: 87، تلبيس إبليس ابن الجوزي: 355، الرسالة القشيري: 163، شرح صحيح مسلم النووي: 3/ 91.
(6)
انظر مجموع الفتاوى ابن تيمية: 1/ 131، مدارج السالكين/ابن القيم: 3/ 499. ') ">
فعلى العبد أن يكون قلبه معتمدًا على الله، لا على الأسباب، والله ييسر له من الأسباب ما يصلح شأنه في الدنيا والآخرة، فإن كانت الأسباب مقدرة له وهو مأمور بها فعلها مع التوكل على الله في إتمام النتيجة، كما يؤدي الفرائض، وكما يجاهد العدو، ويحمل السلاح، ويلبس جنة الحرب، ولا يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله بدون أن يفعل ما أمر به من الجهاد، ومن ترك الأسباب المأمور بها، فهو عاجز مفرط مذموم (1)
بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي جعلها الله مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعا، وتعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن ترك الأسباب عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد أو دفع ما يضره في دينه ودنياه (2) مع الأخذ بالأسباب لأن قيام العبد بالأسباب المأمور بها محض العبودية فإن لم يقم بها كان معطلاً للحكمة
(1) انظر القضاء والقدر/ ابن تيمية: 355، وعدة الصابرين/ ابن القيم:142. ') ">
(2)
انظر جامع العلوم/ والحكم/ابن رجب: 644، وزاد المعاد/ابن القيم: 4/ 15، والروح/ابن القيم: 378، وفتح الباري/ابن حجر: 11/ 409،410، فتح المجيد/ عبد الرحمن بن حسن: 53، تيسير العزيز /: 111، 502.
والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً (1) وتوكله عجزًا بل يجعل توكله من جملة الأسباب التي لا يتم المقصود إلا بها (2) (لأن حكمة أحكم الحاكمين اقتضت ربط المسبب به (أي بالسبب) فلا تعطل حكمته مهما أمكنك القيام بها ولا سيما إذا فعلته عبودية (3) فقد قال سبحانه:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المائدة: 11).
فجعل التقوى القيام بالأسباب المأمور بها، فحينئذٍ من توكل على الله فهو حسبه أما التوكل بدون القيام بالأسباب فإنه عجز محض (4) لأن (الأسباب محل حكمة الله وأمره ودينه، والمتوكل عليه متعلق بربوبيته وقضائه وقدره)(5) وهي قاعدة مطردة في جميع الأسباب ومسبباتها، حتى دخول الجنة والنجاة من النار، برحمة الله تعالى مع فعل الأسباب المؤدية إليهما (6)
(1) انظر زاد المعاد/ابن القيم: 4/ 15. ') ">
(2)
انظر تلبيس إبليس/ابن الجوزي: 357، الروح/ابن القيم: 378، فتح المجيد عبد الرحمن بن حسن: 293، تيسير العزيز/سليمان بن عبد الله:502.
(3)
الفوائد/ابن القيم: 86 – 87. ') ">
(4)
انظر تيسير العزيز/ سليمان بن عبد الله: 502، فتح المجيد عبد الرحمن بن حسن:293. ') ">
(5)
مدارج السالكين/ابن القيم: 2/ 120. ') ">
(6)
انظر الروح/ابن القيم: 378 – 379. ') ">
فالله – تعالى – لم يجر أحكام الدنيا على علمه في عباده وإنما أجراها على الأسباب التي نصبها أدلة عليها (1) وهذه الأحكام والنواميس، وتلك القوانين لا يخرقها إلا لنبي أو رسول، وهذه هي الآية والعلامة التي تدل على صدقه، مع كوه – سبحانه – قادرًا في كل حال، فنصر المؤمنين مثلاً لا يعني ألاّ يأخذوا بأسباب النصر ويريدونه فإن النصر في هذه الحالة مستحيل وقدرته – سبحانه- لا تتعلق بالمستحيل (2) ولقد أجمعت الأمة على أن التوكل لا ينافيه القيام بالأسباب، وإلا فيعد بطالة لا توكلاً (3) لأن التوكل لا ينافيه دفع الأشياء بأضدادها، مثل دفع الجوع والعطش والمرض بما يذهبه (4) بل إن التوكل من أعظم الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار (5) فمن أنكرها لم يتم توكله فالسعي في الأسباب يكون بالجوارح وهذا طاعة له – سبحانه – والتوكل عليه
(1) انظر أعلام الموقعين/ابن القيم: 3/ 138. ') ">
(2)
انظر الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة/ عبدالرحمن الدوسري: 121 – 122. ') ">
(3)
انظر جامع العلوم والحكم/ابن رجب: 644، الفوائد/ابن القيم: 86، تزكية النفوس:99. ') ">
(4)
انظر فتح المجيد عبد الرحمن بن حسن: 53. ') ">
(5)
انظر مدارج السالكين/ابن القيم: 2/ 120، تيسير العزيز، 502 و 505، فتح المجيد:292. ') ">