الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يزرعوا حب الوطن والانتماء له والحرص على وحدته، ونفع أهله، وطاعة ولي أمره، عليهم أن يزرعوا ذلك كله في داخل الناشئ المسلم وأن يستغلوا لذلك برامج تربوية واعية في البيت والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام حتى في النوادي الترفيهية وغيرها من الأماكن التي يتردد عليها الشباب.
المطلب الثاني عشر: المؤاخاة:
إن حب المسلم لأخيه المسلم وحرصه على مصلحته جزء من الدين، وهذا ما دفع النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار من أول أفعاله بعد هجرته صلى الله عليه وسلم؛ ولو طبقت المؤاخاة حق التطبيق لكان لها أكبر الأثر في تحقيق الأمن الفكري والسلوكي؛ لأن كل واحد داخل الوطن ينظر للآخر على أنه أخوه يحبه ويحرص عليه ويتفانى في مصالحه.
" وجملة {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} حال من الذين تبوؤوا وهذا ثناء عليهم بما تقرر في نفوسهم من أخوة الإسلام إذ أحبوا المهاجرين، وشأن القبائل أن يتحرجوا من الذين يهاجرون إلى ديارهم
لمضايقتهم.
ومن آثار هذه المحبة ما ثبت في الصحيح من خبر سعد بن الربيع مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما إذ عرض سعد عليه أن يقاسمه ماله، وأن ينزل له عن إحدى زوجتيه، وقد أسكنوا المهاجرين معهم في بيوتهم ومنحوهم من نخيلهم وحسبك الأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، فلنا فيهم أسوة حسنة " (1)(2)
والأخوة جزء من الإيمان وعلامة عليه إن وجد وجدت:
قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} " هذا عقد، عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان، في مشرق الأرض ومغربها، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين أخوة توجب أن يحب له المؤمنون، ما يحبون لأنفسهم، ويكرهون له ما يكرهون لأنفسهم "(3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه
(1) التحرير والتنوير - 1/ 4362
(2)
التحرير والتنوير - 1/ 4362 ') ">
(3)
تفسير السعدي 1 / ص 800 ') ">
((لَا يَظْلِمُهُ)) " هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ فَإِنَّ ظُلْم الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ حَرَام.
وَقَوْله: ((وَلَا يُسْلِمُهُ)) اَيْ لَا يَتْرُكُهُ مَعَ مَنْ يُؤْذِيه وَلَا فِيمَا يُؤْذِيه، بَلْ يَنْصُرُهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ " (2)
وعَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» (3)
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (4)
«مَثَل الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهمْ وَتَرَاحُمهمْ» (5) إِلَى آخِره صَرِيح فِي تَعْظِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض، وَحَثّهمْ عَلَى التَّرَاحُم
(1) أخرجه الإمام مسلم – كتاب البر والصلة –باب النَّهْي عَنِ التَّحَاسُدِ وَالتَّبَاغُضِ وَالتَّدَابُرِ 16/ 399 برقم 1708.
(2)
فتح الباري لابن حجر - 7/ 347. ') ">
(3)
أخرجه الإمام البخاري – كتاب المظالم – باب نصر المظلوم - 2/ 863 برقم 2314.
(4)
أخرجه الإمام مسلم – كتاب البر والصلة – باب تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَعَاضُدِهِمْ.
(5)
صحيح البخاري الأدب (6011)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270).
وَالْمُلَاطَفَة وَالتَّعَاضُد فِي غَيْر إِثْم وَلَا مَكْرُوه " (1)
وعَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» (2)" والمراد بذلك المسلم الكامل الإسلام، فمن لم يسم المسلمون من لسانه ويده فإنه ينتفي عنه كمال الإسلام الواجب، فإن سلامة المسلمين من لسان العبد ويده واجبة، فإن أذى المسلم حرام باللسان وباليد ((مِنْ لِسَانِهِ)) أَيْ بِالشَّتْمِ وَاللَّعْنِ وَالْغِيبَةِ وَالْبُهْتَانِ وَالنَّمِيمَةِ وَالسَّعْيِ إِلَى السُّلْطَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ((وَيَدِهِ)) بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَالْهَدْمِ وَالدَّفْعِ وَالْكِتَابَةِ بِالْبَاطِلِ وَنَحْوِهَا وَخُصَّا لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَذَى بِهِمَا أَوْ أُرِيدَ بِهِمَا مَثَلاً"
فكل هذه الأحاديث وغيرها تؤكد على حق الأخوة من المسلمين تجاه بعضهم بعضًا وما يترتب عليها من واجبات من شأنها إن روعيت أن يأمن المسلمون فكريًا من بعضهم البعض، فليس فيهم من يستورد الأفكار المسمومة وليس فيهم من يروجها، وليس فيهم من يطيح في الناس بالتكفير والتفجير من غير علم، وليس فيهم من
(1) شرح النووي على مسلم - 16/ 139. ') ">
(2)
أخرجه الإمام البخاري – كتاب الإيمان – باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده - 1/ 12برقم 10.