الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: من حيث الجهة التي تقوم بها:
1 -
عبادة القلب (1) كالمحبة والخوف والرجاء والتوكل والرغبة.
2 -
عبادة اللسان: كالذكر والدعاء.
3 -
عبادة الجوارح: كالصلاة والجهاد وهذه العبادات متداخلة فقد يشترك فيها أكثر من جهة.
(1) انظر: هداية الحيارى ج1/ص77. ') ">
المباحث:
المبحث الأول: التوكل على الله يحمي من المصائب قبل وقوعها ويعالجها بعد وقوعها بإذن الله
.
تمهيد:
لقد ورد في الشريعة أسباب عديدة لدفع البلاء والمصائب قبل وقوعها إذا فعلها الإنسان بإخلاص لربه، وهذه الأسباب تنفع كذلك من وقعت به المصيبة فترفعها -بإذن الله- ومن هذه الأسباب التوكل على الله ، والتوكل من أعظم الأسباب لدفع المكروه، ورفعه.
معنى التوكل في اللغة:
يقول الفيروزأبادي: (ووكل إليه الأمر وكلاً ووكولاً: سلمه وتركه ورجل وكل محركة ووُكلة وتُكَلة كهُمَزة ومواكل: عاجز ووكلت الدابة وكالاً أساءت السير ووكلت: فترت وتواكلوا مواكلة
ووكالاً اتكل بعضهم على بعض) (1)(2)
التوكل في الاصطلاح:
هو ثقة القلب واعتماده على الله وحده، مع فعل الأسباب بالجوارح دون الاعتماد عليها، وأن الله إن شاء منعها وإن شاء أجراها (3) فلذلك لابد من الأخذ بالأسباب وإلا يكون فعله تواكلاً.
يقول الشاعر:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
…
إن السفينة لا تجري على اليبس (4)
من توكل على اله وفعل السبب دون مبالغة فيه حل الرجاء في نفسه بدل الخوف وحسن الظن بالله – عز وجل – بدل سوء الظن فلا ييأس ، قوله تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (سورة آل عمران:173)، وقوله تعالى:{إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (سورة يوسف: 87)، وإذا توكل على الله حل الصبر بدل
(1) القاموس المحيط/الفيروزأبادي: 1/ 1381.
(2)
القاموس المحيط/الفيروزأبادي: 1/ 1381. ') ">
(3)
انظر تلبيس إبليس/ ابن الجوزي: 355، وجامع العلوم والحكم ابن رجب: 644، والتحفة العراقية/ ابن تيمية: 74، ومدارج السالكين/ابن القيم: 2/ 115 - 136، ومختصر منهاج القاصدين/ ابن قدامة:420.
(4)
انظر (أبو العتاهية أشعاره وأخباره): 194، ت: شكري فيصل، والشوارد، عبد الله ابن خميس: 1/ 358. ') ">
الجزع يقول تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (سورة: إبراهيم:11 - 12) فعلى العبد ألاّ يظن بالله إلا خيرًا ويرجوه ويحسن الظن به، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي:«أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن إلا خيرًا» (1) وفي رواية: «فليظن بي ما شاء» (2) وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل قال: أنا عند ظن عبدي بي إن ظن بي خيرا فله وإن ظن شرا فله» (3)
وقد وب ابن حبان (4) في صحيحه بهذه العبارة (ذكر إعطاء الله جل وعلا العبد المسلم ما أمل ورجا من الله عز وجل (5) فالله هو الذي
(1) أخرجه البخاري: 4 320.
(2)
أخرجه أحمد 3/ 491، وابن حبان: 2/ 401، والدارمي: 2/ 395، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(3)
أخرجه أحمد: 2 391، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 2 319، (رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وفيه كلام).
(4)
أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي الحباني كان إماما فاضلا مكثرا من الحديث والرحلة والشيوخ عالما بالمتون والأسانيد أخرج من معاني الحديث ما عجز عنه غيره ومن تأمل تصانيفه وطالعها علم أن الرجل كان بحرا في العلوم, ت:354هـ. انظر: الأنساب/ السمعاني/:2/ 164.
(5)
صحيح ابن حبان: 2 402. ') ">
يقي عبده ويكفيه من جميع ما أهمه وينصره على عدوه يقول تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (سورة الطلاق:3)، ويقول تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} ، (سورة النساء:81) ، ويقول سبحانه:{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (سورة آل عمران:160).
فيحسن بالمسلم الظن بربه سبحانه وأن الله سييسر أموره ويتقبل عمله قال صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» (1)
ويوقن المسلم أن دعاءه لن يخيب فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله عز وجل: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني» (2) فالعبد المؤمن يتوكل على الله ويستعين به وحده يقول الشاعر:
من استعان بغير الله في طلب
…
فإن ناصره عجز وخذلان (3)
(1) أخرجه البخاري: 6 2694، ومسلم: 4 2067.
(2)
أخرجه مسلم: 4 206.
(3)
قصيدة عنوان الحكم/ البستي: 36، البيت لعلي البستي. ') ">
ويقول آخر:
إذا لم يكن عون من الله للفتى
…
فأول ما يجني عليه اجتهاده (1)
والمؤمن يعمل الأسباب لدفع المضار ومنها السحر والعين ويتوكل على الله في حفظه لأن الخوف الشديد من العين أو السحر أو الجن يعد من التطير الذي ينافي كمال التوكل (2) وعلى المؤمن كذلك أن يتوكل عليه في رفع المصائب والأدواء، فإذا أصابه هم فليذكر قوله تعالى:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (سورة الشرح: 5: 6).
قال ابن كثير: «وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يومًا مسرورًا فرحًا وهو يضحك وهو يقول: لن يغلب عسر يسرين لن يغلب عسر يسرين» (3) والله يقول: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (سورة الطلاق: 7)، فذكر سبحانه العسر ثم أعاده بالألف واللام فعلم أنه هو ولما ذكر يسرا ثم أعاده بدون الألف واللام علم أن الثاني غير الأول فصار العسر الثاني العسر الأول وصار اليسر الثاني غير اليسر
(1) البيت لعلي بن أبي طالب: انظر سبل السلام/الصنعاني:4/ 207,والذخيرة في محاسن أهل الجزيرة/ البسامي:5/ 185.
(2)
انظر لطائف المعارف/ ابن رجب:71. ') ">
(3)
أخرجه البخاري: 4/ 1892.
الأول (1) يقول الفراء (2)(العرب إذا ذكرت نكرة ثم أعادتها بنكرة مثلها صارتا اثنتين وإذا أعادتها بمعرفة فهي هي)(3)
فلذلك على المسلم أن يستيقن زوال العسر بإذن الله وتفريج الهموم وأن ذلك اليسر والفرج أقرب إليه مما يتخيل، يقول تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} (سورة: التوبة:59)، ويقول صلى الله عليه وسلم:«اعلم أن الصبر مع النصر، واعلم أن مع الكرب الفرج واعلم أن مع العسر اليسر» (4)
وللتوكل على الله ثمار عديدة لأن التوكل على الله – سبحانه – من أعظم الأسباب التي يدفع العبد بها ما لا يطيق ويرفع ما يصيبه من الأذى، والظلم والعدوان، فمن توكل على الله كفاه وأمنه مما يخاف ويحذر، وجلب إليه المنافع التي يحتاجها، وإذا كان الله كافيه – سبحانه – فلا مطمع لعدو فيه ولا يصل إليه ضر إلا أذى لا بد
(1) انظر لسان العرب/ابن منظور:4/ 563 ') ">
(2)
هو: الحسين بن مسعود بن الفراء، أبو محمد، محيي السنة، فقيه، محدث، مفسر من مؤلفاته، شرح السنة ولباب التأويل ت: 510 انظر سير أعلام النبلاء/الذهبي: 19/ 439.
(3)
انظر لسان العرب/ابن منظور: 4/ 563. ') ">
(4)
سبق تخريجه.
منه كالحر، والبرد، والجوع، والعطش، لكن أن يضره بما يبلغ مراده منه فلا.
ولو توكل على الله حق توكله (وكادته السماوات والأرض بمن فيهن فإن الله يجعل له من ذلك مخرجا)(1)
فالله – عز وجل – يقول: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (سورة الطلاق: 3) وكافيه من كل شيء فيه شر.
التوكل على الله يحمي المسلم من المصائب قبل وقوعها بإذن الله:
حتى يدفع العبد الأذى عن نفسه لابد من توكله على الله حق التوكل يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (سورة المائدة: 11)، يذكر الله المسلمين بنعمه فقد كان المشركون في أول الأمر هم الغالبين والمسلمون كانوا مقهورين مغلوبين وكان المشركون أبدًا يريدون إيقاع البلاء والقتل والنهب بالمسلمين والله تعالى كان يمنعهم عن مطلوبهم إلى أن قوي الإسلام وعظمت شوكة المسلمين فقال تعالى:{اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ} وهم المشركون {أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} بالقتل والنهب والنفي فكف الله تعالى بلطفه ورحمته أيدي الكفار عنكم أيها المسلمون ومثل هذا الإنعام
(1) أخرج هذا الأثر الإمام أحمد في كتابه: الزهد، عن وهب بن منبه:69. ') ">
العظيم يوجب عليكم أن تتقوا معاصيه ومخالفته وأن تشكروه عليها بالوفاء له بميثاقه ، ثم قال تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} : أي كونوا مواظبين على طاعة الله تعالى ولا تخافوا أحدًا في إقامة طاعات الله تعالى بل توكلوا على الله تعالى (1)
يقول جابر بن عبد الله: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بِذَاتِ الرِّقَاعِ فإذا أَتَيْنَا على شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ رَجُلٌ من الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ النبي صلى الله عليه وسلم مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ فَاخْتَرَطَهُ فقال تَخَافُنِي قال: لَا، قال: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قال: الله، ثَلَاثًا فَشَامَ (2) السَّيْفَ ولم يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ) (3)
فمن توكل على الله حماه من المصائب ودفع عنه البلاء المتوقع مهما عظم يقول تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (سورة آل عمران،: 173 – 174).
لقد انتصر المسلمون في غزوة بدر مع قلة العدد والعتاد مقارنة
(1) انظر: جامع البيان/ الطبري 6/ 143، والتفسير الكبير/الرازي:11/ 144. ') ">
(2)
(فشام سيفه في حديث الأعرابي معناه: أغمده هنا) مشارق الأنوار/ للقاضي أبي الفضل عياض:2/ 261. ') ">
(3)
أخرجه: البخاري 3/ 1065، 1066، 4/ 1515، ومسلم:4/ 1786. ') ">
بالمشركين وكان ذلك بسبب توكلهم على الحي القيوم.
يقول ابن كثير عند قوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (سورة آل عمران: 174) أي: لما توكلوا على الله كفاهم ما أهمهم ورد عنهم بأس من أراد كيدهم فرجعوا إلى بلدهم بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء مما أضمر لهم عدوهم واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم) (1)
وقد دفع الله – عز وجل – عن مؤمن آل فرعون الأذى لتوكله على فاطر السماوات والأرض فقد قال مؤمن آل فرعون عندما هدده فرعون وقومه: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} (غافر: 44 - 45).
فنجاه الله عز وجل وحاق وأحاط بآل فرعون العذاب فلا مفر لهم منه (2) لأنه فوض الأمر وصيره إلى الله وجعله الحاكم فيه (3) يقول الإمام الطبري: القول في تأويل قوله تعالى: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ}
(1) تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير: 1/ 432. ') ">
(2)
انظر مختار الصحاح/ الرازي: 69. ') ">
(3)
انظر لسان العرب/ ابن منظور: 7/ 210. ') ">
(سورة غافر: 44: 45)، يقول تعالى ذكره مخبرًا عن المؤمن من آل فرعون عندما قال لفرعون وقومه فستذكرون أيها القوم إذا عاينتم عقاب الله قد حل بكم ولقيتم ما لقيتموه صدق ما أقول وحقيقة ما أخبركم به من أن المسرفين هم أصحاب النار
…
وقوله: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} ، يقول: وأسلم أمري إلى الله وأجعله إليه وأتوكل عليه فإنه الكافي لمن توكل عليه
…
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} يقول: إن الله عالم بأمور عباده ومن المطيع منهم والعاصي له والمستحق جميل الثواب والمستوجب سيئ العقاب وقوله: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} يقول تعالى ذكره: فدفع الله عن هذا المؤمن من آل فرعون بإيمانه وتصديق رسوله موسى مكروه ما كان فرعون ينال به أهل الخلاف عليه من العذاب والبلاء فنجاه منه) (1)
وكذلك نجا الله موسى وقومه لتوكلهم على الله من جبروت فرعون وقومه يقول تعالى عنهم: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْم إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (سورة يونس: 84، 85، 86).
وقال تعالى مخبرًا عن كيفية نجاتهم وغرق عدوهم:
(1) جامع البيان الطبري: 24/ 70. ') ">
{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [سورة البقرة: 50].
فالتوكل كما أنه سبب لدفع الأذى عن النفس كذلك هو سبب لدفع الفقر وجلب الرزق، فلو توكل العبد على ربه توكلاً حقيقيًا، جامعًا لعلم القلب وعمله، وعمل بالجوارح، فإن الله يرزقه من حيث لا يحتسب، قال تعالى عن مريم:{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} (سورة آل عمران: 37) ، والمؤمن الحق يثق ويعتمد بقلبه على الله، ويوقن أن الرزق بيده، قال تعالى:{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (سورة الذاريات: 22)، وقال تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (سورة هود، آية: 6)، وقال: أبو هريرة – رضي الله عنه: عن إحدى بنات الحارث بن عامر (1) إنها قالت: (والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب (2) قالت: والله
(1) الحارث بن عامر بن نوفل هو من بني نوفل بن عبد مناف وكان من المطعمين من قريش، انظر: السيرة النبوية: 3 217
(2)
خبيب بن عدي الأنصاري شهد بدرا وأسر يوم الرجيع في السرية التي خرج فيها في سبعة نفر فقتلوا وذلك في سنة ثلاث وأسر خبيب وزيد بن الدثنة وانطلق المشركون بهما إلى مكة فباعوهما على كفار قريش فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال دعوني أصلي ركعتين ثم قال لولا أن يروا أن ما بي من جزع من الموت لزدت قال فكان أول من صلى ركعتين عند القتل هو ثم قال اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله. انظر: الاستيعاب /ابن عبد البر: 2/ 440 - 442.
لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا من عنب في يده، وإنه لموثق في الحديد، وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا) (1) فانظر كيف تكون عاقبة التوكل ، ولو توكل العبد على ربه حق التوكل لدفع عنه الفقر وكل بلية قال صلى الله عليه وسلم:«لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا» (2) لكن ذكر هنا صلى الله عليه وسلم أنها تسعى وتروح في طلب الرزق فلا يتوكل ويقول يأتيني رزقي فلا بد من الحركة وإلا أصبح متواكلاً.
فالله عز وجل مع ضمانه لرزق الخلق أمر بالسعي إليه، قال تعالى:{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (سورة الملك،: 15].
يقول تعالى مبينا أن أخذ الأسباب يكون مع التوكل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
(1) أخرجه أحمد بلفظه: 15/ 64، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، هذا الكلام مدرج وقد ثبت وصله. ') ">
(2)
أخرجه الترمذي: 7/ 8،وأحمد: 1/ 523، وقال الألباني في صحيح ابن ماجه 2/ 404:(صحيح).