الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويظهر من هذا الحديث أن الصدقة دواء للجسد من المرض وتحصين للمال من التلف يقول المناوي: حصنوا أموالكم بالزكاة أي بإخراجها فإنه ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بمنع الزكاة
…
فأداء الزكاة كالحصن للأموال تحرس بها وتحصن بأدائها من آفات وعقوبات تركها (وداووا مرضاكم بالصدقة) فإنها من أنفع الدواء الحسي ومن أفضل الصدقات الإطعام لقوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} (سورة الإنسان: 8، 9)، وقد جعله الله من الكفارات فقال عن كفارة الحلف:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (سورة المائدة: 89). وعن كفارة الظهار قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} (سورة المجادلة: 4)، وقد ذم الله عز وجل الذي لا يطعم المساكين فقال:{وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (سورة الماعون: 3). وقوله تعالى: {وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (سورة الفجر:18) ، وليس شيئًا من أعمال البر أقرب برهانًا ولا أظهر نجاحًا في الوقت من إطعام الطعام.
المبحث السادس: بر الوالدين يحمي من المصائب قبل وقوعها ويعالجها بعد وقوعها بإذن الله
.
من أسباب الحماية من المصائب قبل وقوعها ورفعها بعد وقوعها البر
بالوالدين، ولقد حث الإسلام على إكرام الوالدين والبر بهما والبعد عن عقوقهما ومما ورد في كتاب الله عز وجل من الوصاية بهما: قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (سورة النساء:36)، وقوله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} (سورة العنكبوت: 8)، وقوله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (سورة لقمان: 14)، وقوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (سورة الإسراء: 23، 24).
يقول ابن كثير: يقول الله تعالى (آمرًا بعبادته وحده لا شريك له فإن القضاء ههنا بمعنى الأمر قال مجاهد وقضى يعني وصى وكذا قرأ أبي بن كعب وابن مسعود
…
({وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} (سورة الإسراء23)، ولهذا قرن بعبادته بر الوالدين فقال:{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي وأمر بالوالدين إحسانًا كقوله في الآية الأخرى {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (1)(2)
(1) تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير: 3/ 35.
(2)
تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير: 3/ 35. ') ">
ويجب احترامهما في الكبر خاصة فلا يقال لهما قول سيئ حتى ولا أقل مراتبه وهو التأفف وقد أمر الله بالدعاء لهما بالرحمة حال الحياة وحال الممات. يقول ابن كثير عند الآية السابقة: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} أي لا تسمعهما قولاً سيئًا حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ ولا تنهرهما أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح كما قال عطاء بن أبي رباح (1) في قوله ولا تنهرهما أي لا تنفض يدك عليهما ولما نهاه عن القول القبيح والفعل القبيح أمره بالقول الحسن والفعل الحسن فقال وقل لهما قولاً كريمًا أي لينًا طيبًا حسنًا بتأدب وتوقير وتعظيم {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أي: تواضع لهما بفعلك {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} أي: في كبرهما ثم
(1) فقيه الحجاز أبو محمد عطاء بن أبي رباح تابعي من مولدي جند اليمن وأمه سوداء تسمى بركة وكان صبيا نشأ بمكة وتعلم الكتاب بها فكان مفتي مكة ومحدثها وهو من أجلاء الفقهاء وهو مولى لبني فهر وكان على ما قال ابن قتيبة أسود سمع عائشة وأبا هريرة وابن عباس ، وقال أبو حنيفة ما رأيت أفضل منه وكان من أحسن الناس صلاة، ت:114هـ وله ثمان وثمانون سنة. انظر: تذكرة الحفاظ/الذهبي:4/ 235، وشذرات الذهب/ ابن العماد: ج1/ص147.
وفاتهما
…
) (1) ومن عظيم حقهما ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه.» (2) وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات فقال: «لا تشرك بالله شيئًا، وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك
…
» (3) وقد استأذن أحد الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد معه، فأمره أن يرجع ويبر أمه، ولما كرر عليه، قال: أمك حية.؟ فقلت نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الزم رجلها فثم الجنة» (4)«وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أجاهد قال: لك أبوان؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد» (5) «وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك،
(1) المصدر السابق: 3/ 35. ') ">
(2)
أخرجه البخاري: 1/ 17.
(3)
أخرجه أحمد 5/ 225، والطبراني في الكبير: 20/ 82، والبيهقي في الكبرى: 7/ 304، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 4/ 215 (رجال أحمد ثقات).
(4)
أخرجه ابن ماجة: 2/ 929، والطبراني في الكبير:8/ 311، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 2/ 138 (رواه الطبراني ورجاله ثقات).
(5)
أخرجه البخاري: 5 2228.
قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك» (1) يقول ابن حجر: ( .... مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر قال: وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع فهذه تنفرد بها الأم، وتشقى بها ثم تشارك الأب في التربية)(2)
وقد حذر ونهى صلى الله عليه وسلم عن عقوقهما فقال: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث (3) وثلاثة لا يدخلون الجنة، العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنّان بما أعطى» (4) أي (لا ينظر الله أي نظر رحمة وإلا فلا يغيب أحد عن نظره والمؤمن مرحوم بالآخرة قطعًا .. (و)(العاق لوالديه) المقصر في أداء الحقوق إليهما) وعد ذلك من الكبائر.
(الجزء قم: 94 PgPg 324
فقد «سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: ما الكبائر، فقال: الإشراك بالله، قال: ثم ماذا، قال: عقوق الوالدين، قال: ثم ماذا، قال: اليمين الغموس، قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب» (5) وفي رواية مسلم «عقوق الوالد» (6)
فالمسلم الرفيق يبر بوالديه بجميع أنواع البر وقد ورد بعضها في هذا الحديث فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل أتى ومعه شيخ: «يا فلان من هذا معك، قال: أبي، قال: فلا تمش أمامه ولا تجلس قبله ولا تدعه باسمه ولا تستسب له» (7)
(1) أخرجه البخاري: 2/ 138.
(2)
فتح الباري/ ابن حجر: 10/ 403. ') ">
(3)
الذي لا يغار على أهله ديوث والتدييث القيادة وفي المحكم الديوث والديبوث الذي يدخل الرجال على حرمته بحيث يراهم كأنه لين نفسه على ذلك وقال ثعلب هو الذي تؤتى أهله وهو يعلم. انظر: لسان العرب/ ابن منظور ج: 2 ص: 150.
(4)
أخرجه النسائي في المجتبى: 5 80، وأحمد: 2/ 134، وأبو يعلى في مسنده: 9/ 408، قال محقق الكتاب حسين أسد **إسناده صحيح**.
(5)
أخرجه البخاري: 6/ 2535.
(6)
3/ 1341.
(7)
أخرجه الطبراني في الأوسط: 4/ 267 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 8/ 137 (رواه الطبراني في الأوسط وقال لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد عن شيخه علي بن سعيد بن بشير وهو لين وقد نقل ابن دقيق العيد أنه وثق ومحمد بن عروة بن البرند لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح) وفي الأدب المفرد: 1/ 30 أتى البخاري بالرواية موقوفة على أبي هريرة.
حماية بر الوالدين للمسلم من المصائب قبل وقوعها:
لقد بين المصطفى صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين سبب
لرضا الله والذي به دفع للبلاء والمصائب عنه وعقوقهما سبب لسخط الله مما قد يسبب للعبد البلاء فقال: «رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما» (1) والمسلم الذي يريد رضا الله الذي أوصى بالوالدين عليه أن يبر بهما ويحسن إليهما ويتلطف ويرفق بهما لأن ذلك يرضيهما فإذا رضيا كان ذلك سببًا لرضا الرحمن الرحيم عليه، والبر سبب كذلك لأن يدعوا له بما يجلب الخير له ويدفع الشر عنه بإذن الله فقد قال صلى الله عليه وسلم مبينا نزول الخير للابن البار:«ثلاث دعوات لا ترد دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر» (2) فحري بالمسلم الابتعاد عن عقوق الوالدين والنجاة من المصائب والبلاء والتي تحل بالابن العاق لأبويه بسبب دعائهما عليه لعقوقه وإغضابه إياهما فدعوة الوالد على ولده مستجابة. قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات مستجابات دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده» (3) وقال صلى الله عليه وسلم: «كان جريج يتعبد في
(1) أخرجه الطبراني في الكبير: 20/ 82، وقال: (
…
في هذا إرسال بين مكحول وأم أيمن)، والبيهقي في الكبرى: 7 304.
(2)
أخرجه ابن ماجه: 2/ 127،والبيهقي في الكبرى: 3/ 345، (وصححه الألباني) في السلسلة:17907.
(3)
أخرجه أبو داود: 2/ 89، والترمذي: 4/ 315،وابن ماجه: 2/ 271، وأحمد: 2/ 348، وصححه الألباني في السلسلة:596.
صومعة فجاءت أمه وقال حين دعته جعلت كفها فوق حاجبيها ثم رفعت رأسها إليه تدعوه فقالت يا جريج أنا أمك كلمني فصادفته يصلي فقال اللهم أمي وصلاتي فاختار صلاته فرجعت ثم عادت في الثانية فقالت يا جريج أنا أمك فكلمني قال اللهم أمي وصلاتي فاختار صلاته فقالت اللهم إن هذا جريج وهو ابني وإني كلمته فأبى أن يكلمني اللهم فلا تمته حتى تريه المومسات قال ولو دعت عليه أن يفتن لفتن قال وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره قال فخرجت امرأة من القرية فوقع عليها الراعي فحملت فولدت غلامًا فقيل لها ما هذا قالت من صاحب هذا الدير قال فجاؤوا بفؤوسهم ومساحيهم فنادوه فصادفوه يصلي فلم يكلمهم قال فأخذوا يهدمون ديره فلما رأى ذلك نزل إليهم فقالوا له سل هذه قال فتبسم ثم مسح رأس الصبي فقال من أبوك قال أبي راعي الضأن فلما سمعوا ذلك منه قالوا نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة قال لا ولكن أعيدوه ترابًا كما كان ثم علاه» (1)
لقد استجاب الله عز وجل دعاء الوالدة على ولدها وإن كان داخلاً في عبادة الله فقد كان عليه طاعة
(1) أخرجه البخاري: 3/ 1268، ومسلم: 4/ 1976 واللفظ له.
والدته وإجابتها حتى ينقذ نفسه من البلاء المترتب على دعائها.
يقول النووي: (باب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها فيه قصة جريج رضي الله عنه وأنه آثر الصلاة على إجابتها فدعت عليه فاستجاب الله لها قال العلماء هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها لأنه كان في صلاة القربى والاستمرار فيها تطوع لا واجب وإجابة الأم وبرها واجب وعقوقها حرام وكان يمكنه أن يخفف الصلاة ويجيبها ثم يعود لصلاته)(1)(2) وسبب تقديم جريج صلاته على إجابة والدته أنه لم يكن فقيهًا عالمًا بل كان عابدًا. قال صلى الله عليه وسلم: «لو كان جريج عالمًا لعلم أن إجابة أمه أولى من صلاته» (3) وفي رواية: «لو كان جريج الراهب فقيهًا عالمًا لعلم أن إجابته دعاء أمه ولى من عبادة ربه» (4) فالواجب على المسلم البر بوالديه لأن البر بهما من أسباب قبول دعائه النافع وهذا نراه
(1) شرح النووي على صحيح مسلم: 16/ 105.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم: 16/ 105. ') ">
(3)
أورده ابن حجر في الفتح: 6/ 481، والعجلوني في الكشف:2/ 209،:(وقال له شواهد .. ) وذكر السخاوي في المقاصد:1/ 556 أن له شواهد، وقال الألباني في: سلسلة الأحاديث الضعيفة 1599 (ضعيف).
(4)
أخرجه البغدادي في تاريخه: 13/ 4، وأورده البيهقي في شعب الإيمان: 6/ 195) والهندي في كنز العمال رقم: 45441، وقال السيوطي في الدر:5/ 266، (أخرجه البيهقي وضعفه
…
).
فيما روي عن عمر بن الخطاب فقد كان إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر (1) حتى أتى على أويس فقال أنت أويس بن عامر قال نعم قال من مراد ثم من قرن قال نعم قال فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم قال نعم قال لك والدة قال: نعم، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» (2) فاستغفر لي فاستغفر له فقال له عمر أين تريد قال الكوفة قال ألا أكتب لك إلى عاملها قال أكون في غبراء الناس أحب إلي قال فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس قال
(1)(أويس بن عامر وقيل عمرو ويقال أويس بن عامر بن جزء بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد المرادي القرني المشهور أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن عمر وعلي وروى عنه بشير بن عمرو وعبد الرحمن بن أبي ليلى ذكره بن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة وقال كان ثقة وذكره البخاري فقال في إسناده نظر وقال ابن عدي: ليس له رواية لكن كان مالك ينكر وجوده إلا أن شهرته وشهرة أخباره لا تسع أحدا أن يشك فيه) الإصابة/ابن حجر: 1 219.
(2)
أخرجه: مسلم: 4 1969.
تركته رث البيت قليل المتاع) إن عمر رضي الله عنه من أفضل القرون من هذه الأمة وهو ثاني الخلفاء الراشدين ومن كبار الصحابة ومع ذلك قال له الرسول: «إن استطعت أن يستغفر لك فافعل» (1) فما السبب في ذلك؟ السبب هو قوله: «له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره» (2).
(1) أخرجه: مسلم: 4 1969.
(2)
أخرجه: مسلم: 4 1969.
بر الوالدين يرفع المصائب بعد وقوعها:
إن بر الوالدين سبب لرفع البلاء بعد وقوعه لأن الولد البار لوالديه دعاؤه مستجاب فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث بين فيه فضل بر الوالدين وأنه سبب عظيم من أسباب رفع البلاء وتفريج الكرب والخروج من المضايق. قال صلى الله عليه وسلم: «بينما ثلاثة نفر يمشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم فقال أحدهم اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي ولي صبية صغار أرعى عليهم فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بني وأنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما ناما فحلبت كما كنت
أحلب فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أسقي الصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء وقال الآخر اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء وطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار فتعبت حتى جمعت مائة دينار فجئتها بها فلما وقعت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة ففرج لهم وقال الآخر اللهم إني كنت استأجرت أجيرًا بفرق أرز (1) فلما قضى عمله قال اعطني حقي فعرضت عليه فرقه فرغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرًا ورعاءها فجاءني فقال اتق الله ولا تظلمني حقي قلت اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها فقال اتق الله ولا تستهزئ بي فقلت إني لا أستهزئ بك خذ ذلك البقر ورعاءها فأخذه فذهب به فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ما بقي ففرج الله ما بقي» (2)
(1)(الفرق مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلا) مختار الصحاح /الرازي: 209.
(2)
أخرجه مسلم: 4/ 2099.
الخاتمة:
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
وبعد:
لقد أمرنا الله بالتسليم والرضا بقضائه وقدره – سبحانه -، فعلينا أن نؤمن بأن ما يقع للعبد من بلاء إنما هو بقضاء الله وقدره وعلى العبد دفعه، وإن وقع فعليه الصبر ومحاولة رفعه ويكون منعه باتخاذ الأسباب المانعة له مثل الدعاء.
قال صلى الله عليه وسلم: «لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.» (1) فالدعاء يرد القضاء بإذن الله والبر من أسباب جلب النعم، والذنوب من أسباب وقوع المصائب، والعبادات أسباب تدفع المصائب قبل وقوعها وترفعها بعد وقوعها منها: التوكل والأذكار والصلاة والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم والصدقة والبر بالوالدين.
وعلى العبد الحرص على دفع البلاء والمصائب قبل وقوعها لأن دفع البلاء والمصائب أسهل وأهون من رفعها إذا وقعت.
(1) أخرجه ابن ماجه: 2/ 1334، وأحمد: 5/ 277، والحاكم بلفظه 1/ 670، (وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتابعه الذهبي).
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.