الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن صاحبه ففي كون هذا تشبها نظر، لكن قد ينهى عن هذا؛ لئلا يكون ذريعة إلى التشبه ولما فيه من المخالفة " (1)
فيا شباب المسلمين اعرفوا عدوكم واحذروه، ولا تتبعوه في عبادة ولا عقيدة ولا خلق ولا سلوك، فعندكم في الإسلام ما يكفيكم ويقيكم، ولا تكونوا سببًا لدمار أمتكم بجريكم وراء أفكار عدوكم المسمومة.
(1) انظر: التمهيد لابن عبدالبر - 6/ 80، شرح سنن ابن ماجه - 1/ 182، اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم - المؤلف: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس - الناشر: مطبعة السنة المحمدية – القاهرة - الطبعة الثانية، 1369 - 1/ 83.
المطلب الخامس: التربية الإيمانية:
إنه لمن المؤكد أن التربية الإيمانية هي الدرع الواقي والحصن الحصين ضد الانحراف الفكري، ولهذا كان القرآن لمدة ثلاث عشرة سنة يربي المسلمين تربية إيمانية، ويثبت العقيدة في قلوبهم حتى لا تزيغ قلوبهم لأفكار دخيلة، أو آراء تخالف هذه العقيدة، فقويت العقيدة في قلوبهم وحملوها للدنيا بأسرها تطبيقا لقوله تعالى:{قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} .
عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي " أي: على يقين مبين، بصحته، وبطلان ما
عداه، وهذه شهادة من الرسول جازمة، لا تقبل التردد، وهو أعدل الشهود على الإطلاق، فصدق بها المؤمنون، وتبين لهم من صحتها وصدقها، بحسب ما مَنَّ الله به عليهم" (1)(2) فثبتوا على عقيدتهم، وتمسكوا بها، وحملوا مشعلها لجميع البشرية.
ومن الآيات التي تؤكد وضوح الرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في أمر عقيدتهم وثباتهم عليها قول الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}
" يخبر تعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين معه، وانقيادهم وطاعتهم وسؤالهم مع ذلك المغفرة، فأخبر أنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهذا يتضمن الإيمان بجميع ما أخبر الله به عن نفسه، وأخبرت به عنه رسله من صفات كماله ونعوت جلاله على وجه الإجمال والتفصيل، وتنزيهه عن التمثيل والتعطيل وعن جميع صفات النقص، ويتضمن الإيمان بالملائكة الذين نصت عليهم الشرائع جملة وتفصيلا وعلى الإيمان بجميع الرسل والكتب، أي: بكل ما أخبرت به الرسل وتضمنته الكتب من الأخبار والأوامر والنواهي، وأنهم لا يفرقون بين أحد من رسله،
(1) تفسير السعدي - 1/ 258
(2)
تفسير السعدي - 1/ 258 ') ">
بل يؤمنون بجميعهم " (1)
وهذه العقيدة حين ترسخت في قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقلوب أصحابه الكرام ثبتوا عليها كثبات الجبال الرواسي فلم يهونوا ولم يميلوا ولم يحيدوا عن الحق فدافعوا عنه مهما تفانى أعداء الإسلام في إبعادهم أو استمالتهم عنه، والمتأمل في آيات القرآن الكريم يجد الكثير من مشاهد ذلك الثبات.
ومنها ما ورد في قول الله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} " من الثبات مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمقاتلة لإِعلاء الدين من صدقني إذا قال لك الصدق، {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر، والنحب النذر واستعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} الشهادة كعثمان وطلحة رضي الله عنهما، {وَمَا بَدَّلُوا} العهد ولا غيروه، {تَبْدِيلا} شيئًا من التبديل "(2)
(1) تفسير السعدي - 1/ 120 ') ">
(2)
تفسير البيضاوي - 5/ 9 ') ">
فالعقيدة حين تثبت في قلب المؤمن تحمله على الثبات في تطبيقها وحمايتها حتى ولو كلفته حياته.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فما ساوم على عقيدته، ولا هان فيها، ولا تنازل عن جزء منها، مهما كانت المغريات أو قوة التهديد والقدرة على إنفاذه وقال حين ساومه المشركون على حياته وأرسلوا له تهديدا علي لسان عمه أبى طالب قال قولته المشهورة:«يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته» (1)
ومن ثباته صلى الله عليه وسلم على عقيدته وعدم قبول المساومة عليها مهما كانت قوة المغريات ما ورد في السيرة عن مجيء أسياد قريش له صلى الله عليه وسلم قائلين له " فَإِنْ كُنْتَ إنّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ بِهِ مَالاً جَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالِنَا حَتّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالاً، وَإِنْ كُنْتَ إنّمَا تَطْلُبُ بِهِ الشّرَفَ فِينَا، فَنَحْنُ نُسَوّدُك عَلَيْنَا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلّكْنَاك عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الّذِي يَأْتِيك رِئْيًا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْك - وَكَانُوا يُسَمّونَ التّابِعَ مِنْ الْجِنّ رِئْيًا - فَرُبّمَا كَانَ ذَلِكَ بَذَلْنَا لَك أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطّبّ لَك حَتّى نُبْرِئَك مِنْهُ أَوْ نُعْذِرَ فِيك. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا بي مَا تَقُولُونَ
(1) السيرة النبوية للإمام أبى الفداء إسماعيل بن كثير 1/ 474 - تحقيق مصطفى عبد الواحد- 1396 هـ - 1971 م دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع.
مَا جِئْتُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ وَلَا الشّرَفَ فِيكُمْ وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ وَلَكِنّ اللهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ رَسُولاً، وَأَنْزَلَ عَلَيّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلّغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظّكُمْ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنّ تَرُدّوهُ عَلَيّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللهِ حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» أَوْ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم (1)
وقد ورّث النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الثبات على العقيدة لأصحابه الكرام فصانوا عقيدتهم ولم يميلوا عنها ولم يبدلوا، وما رضوا في يوم من الأيام أن يحيدوا لأفكار أعدائهم، أو أن يكونوا سهمًا في أيدي أعداء الإسلام يرموه في نحر الأمة الإسلامية.
ولعل من أظهر الأمثلة على ذلك كعب بن مالك رضي الله عنه وكان من المخلفين عن غزوة تبوك، وامتنع الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة عن كلامهم، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وأراد أعداء الإسلام استغلال الفرصة واستمالة كعب رضي الله عنه فكرياً؛ لينالوا به من الإسلام والمسلمين، يقول كعب بن مالك ": وبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلني على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان في سرقة من حرير فإذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغني أن
(1) السيرة النبوية لابن كثير - 1/ 479 ') ">
صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء! فتيممت بها التنور فسجرته بها"
إنه الثبات على العقيدة حتى ولو فتن عنها وقدم له أعداؤه المغريات، وهذا هو النتاج الطبعي للإيمان الذي تربوا عليه، وتغلغل في نفوسهم، وتملك أرواحهم وجوارحهم.
ومن هنا كان لزاما على جميع المربين آباء كانوا أو معلمين السعي الجاد والعمل المنظم لغرس عقيدة التوحيد في نفوس النشء المسلم وتلقينهم المبادئ الأساسية لدينهم، وأن يخطوا في قلوبهم الإسلام حكما وشرعة، ويعلموهم معانيه السامية من الحب والوفاء والبذل والعطاء والتسامح وعدم الحقد والحسد والبغضاء للمسلمين، كي يحصنوهم فكريا بتحصينهم إيمانيا.
كما أريد هنا أن ألفت النظر إلى نقطة هامة وهي: استهداف المبتعثين المسلمين فكريًا من قبل بعض الدول الغربية التي يبتعثون فيها، وغسل أدمغتهم، وشحنها بأفكار الغرب المناقضة لدين الإسلام وأفكاره، فيعودون لبلاد الإسلام ليكونوا معول هدم لبناء الأفكار والسلوكيات الإسلامية؛ ولمحاولة القضاء على هذه المشكلة ينبغي أن تنتقى الفئات المبتعثة على أن تكون ممن نحسبهم أكثر تمسكًا بالدين الإسلامي، وأن تعقد لهم الدورات